النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    الصورة الرمزية احمد سامى
    احمد سامى غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    7,986

    افتراضي "تويا" رواية عن صراع الهوية لأشرف العشماوى



    صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، الرواية الثانية للكاتب أشرف العشماوي، بعنوان "تويا"، وتقع الرواية فى 280 صفحة من القطع المتوسط، وصمم الغلاف الفنان عمر الكفراوى، وهو لوحة فنية تكتنز المعنى العام للرواية، عبر وجه أنثى مصري، عربى إفريقى، يظهر الجذور الإنسانية العميقة لبطل العمل "يوسف كمال نجيب"، الباحث عن ذاته، وانتمائه بين أبيه المصري، وأمه الإنجليزية، والحائر بين رغبة أمه بالبقاء فى إنجلترا، وحلم أبيه بأن يحوّل مهنته إلى رسالة خادمًا بذلك أبناء وطنه مصر، ووطنه الأكبر إفريقيا، حتى أن الرواية منذ البداية تضعنا أمام هذا الاختيار، الأب الذاهل لرحيل عبد الناصر، والابن الحالم بالثراء.

    وفى هذه الرواية "تويا" يغادر أشرف العشماوى مجازاته الكبرى، التى أقامها فى روايته الأولى "زمن الضباع" فلم يتخفَّ وراء الرموز والاستعارات قاطعًا بذلك وشائجه مع تراث كبير فى هذا السياق، بعد أن جربه مرة واحدة، وهو الإبلاغ على لسان الطير والحيوان، كما فى كليلة ودمنة، ومنطق الطير، ليقول ما يريد دون خوف هذه المرة، فيدخل إلى عوالم حقيقية وواقعية، راصدًا بخبرته الإنسانية دوافع أبطاله وطموحاتهم وانكساراتهم.

    منذ الإهداء نجد أنفسنا أمام هذه الثنائية الفردية التى يجعلها المؤلف مرتكزًا لفهم عالمه :"إلى من يظن أنه يتخذ جميع قراراته بعقله فقط، تأكد أن قلبك يخطو الخطوة الأولى فى أحيان كثيرة، فتكامل ثنائية العقل والقلب وليس انفصالها، ينسحب على مجمل رؤيته فى هذه الرواية".

    سيل من التحديات يواجه بطل الرواية يوسف كمال نجيب، وفى محاولة التغلب عليها، يعثر على ذاته، وعلى هدف أسمى لحياته، أول هذه التحديات هو طموحه الشخصـى ورغبته فى النجاح المادى ثم العلمى، يحلم بإنشاء إمبراطورية طبيةً تعالج الأغنياء من دول الخليج وبعض ثراة قزمه، منذ اللحظة الأولى، يرسم أشرف العشماوى الملامح النفسية، المؤهلة لتطورات يوسف لاحقًا، عندما ينفصل عن الجموع المودعة للرئيس عبد الناصر، فى جنازته، ويختار العزلة بعيدًا عنها، وهذا عكس شخصية أبيه تمامًا، ويتركنا المؤلف حتى السطر الأخير من الرواية، ليجعله يتطابق مع أبيه فى رؤيته وأهدافه "دفع حافة النافذة بأنامله قليلًا، فاخترقت أذنيه هتافات الحشود بحياة زعيم الأمة الذى رحل فجأة، لم ينفعل كثيرًا، وإن ظل مشدوها بما يراه ويسمعه، عاد يغلق نافذته ويحكم غلقها، وكأنه يتعمد أن يكون بعيدًا عن جموع المواطنين وهموم الوطن..أصدقاؤه المقربون قليلو، وكثيرهم معارفه، يفضِّل الاختلاط بالصفوة والنخبة".

    منذ البداية يضع المؤلف بطله فى تناقض بين نفسه ومجتمعه، بين حلمه وواقعه، ويظل متطوحًا طوال أحداث الرواية بين رفاهيته ونعيم، بين شقاء وفقد، مآسٍ بشـرية، وجرائم شنعاء يجد نفسه فى قلبها، يتعاطف مع الضحايا، ويقاوم القتلة، يدفع الثمن، فتتغير ملامحه النفسية، بطل تراجيدي..إغريقي، ينتقل من موقع السلب إلى موقع الإيجاب، وهى الثنائية التى تغلب على روح العمل كله، فالمؤلف يضع بطله دائمًا بين عالمين، وتبدأ ملامح هذا التغيير إلى الإيجابية لحظة لقائه ببروفيسير إنجليزى يهب حياته لمقاومة مرض الجذام فى إفريقيا فينشئ مؤسسة للأبحاث لاكتشاف علاج للمرض، أمه التى رتبت لقاءه مع البروفيسير كانت تحاول ربط جذوره بوطنه الثانى إنجلترا، وهى إنجليزية الأصل، فينتهى به الأمر مخلصًا لأفريقيا التى قضى فيها عامين فى نيروبى فى كينيا، وينجح هو المصرى فى اكتشاف العلاج لمرض الجذام، لأن البروفيسير الإنجليزى اكتشف أن الخلطة الحضارية ليوسف كمال نجيب المصرى الإفريقى الإنجليزى قادرة على الإبداع، وهنا يضيف المؤلف مرة أخرى استمرارًا لثنائياته بين الغرب المتحفز وإفريقيا المتخلفة، نظرة البروفيسير تضع يدها على مفاتيح الحل للأزمة الحضارية فى العالم الثالث، من خلال رهانه على يوسف المستهتر، وهو حين يصفه كأنما يضع وصفًا دقيقًا لعالمنا.

    تلك ملامح فى شخصية يوسف المصرى الأفريقى، وهى ملامح تسم الدول نفسها التى لم تعثر على ذاتها بعد، ولديها كل الإمكانات فتظل موزعة بين إمكاناتها الذاتية، وتطلعها الدائم إلى الغرب ليفجر طاقاتها، وهو معنى يخايلنا على امتداد تفاصل الرواية وروحها الملحمية، فنماذج الغرب فى الرواية تتمثل فى سكورت ونيفيل، سكورت مثال للمواطن "الترس" الأوروبى الذى لا يعرف إلَّا العمل، ليضمن تقاعدًا مريحًا، ونيفيل المستغل المجرم الذى يتاجر فى أعضاء الأطفال والفتيان ويشحنها إلى إنجلترا، جزء من مافيا عالية تنهب خيرات القارة دون ضمير أو ورحمة، سكورت صديق ليوسف، ونيفيل عدوه.

    التحدى الثانى تمثل فى أقرب الناس إلى يوسف وهما خطيبته الأولى "كاترين" التافهة التى لا ترى فى العالم شيئًا مهمًا غير نزواتها وطموحها فى الزواج من يوسف بعد أن يستقر فى لندن، ووالدته السيدة "براون" التى تلتقى رغباتها مع رغبات كاترين، أى استقرار يوسف بجوارها فى لندن، حتى أنهما تتفقان مع "نيفيل" للقضاء على أحلام يوسف فى "نيروبى" وعزله عن حبيبته "تويا"، أصبح حبهما ليوسف جزءًا من المعوقات التى انتصر عليها، بزواجه من "تويا" قبل قتلها على يد نيفيل وإيراى لأنها عرفت سرهما، وهى سر تمسك يوسف ببقائه فى نيروبى لاكتشاف مصل لعلاج مرض الجذام الذى يكسب نيفيل من انتشاره بين قبائل إفريقيا الملايين.

    ليصل بذلك يوسف "المصرى" لأخطر تحدٍ فى رحلته، وهو القضاء على العصابة الإجرامية المكونة من "نيفيل"، وإيراى ومينجو، فيصل إلى اكتشافه، ويبلغ الشرطة عن هذه العصابة، فيدفع بذلك ثمنا باهظًا وهو قتل حبيته "تويا" على يد هذه العصابة بعد أن تضع له طفلة جميلة سوف يصطحبها معه إلى بلده مصـر آخر الأمر، وهى ما يصله بجذوره الإفريقية، فى دلالة رمزية على انتماء مصر الإفريقى.

    هذه الثنائيات التى أقامها المؤلف، طوال الرواية قسمّت الشخصيات بين شريرة وطيبة، فالجانب الأول يمثله نيفيل وإيراى ومينجو، وكاترين، والجانب الأخر يمثله يوسف، وسكورت، "ودونو" الطفل الأفريقى البرىء الذى يلقى فى النار مثل تويا، وراني، وتويا، والبروفيسير جورج راندال، وهى ثنائية صراعية شملت العمل منذ بدايته حتى نهايته، وأضفت على العمل الكثير من التشويق والإثارة، وهذه الثنائية تمتد من الأشخاص إلى المعانى الكبرى. مثل المهنة أم الرسالة، الحب أم الواجب الإنساني، التحقق الإنسانى أم الطموح المادي، اختيار كاترين الإنجليزية الارستقراطية المتعلمة أم تويا الإفريقية الأمية صاحبة الفطرة النقية، حتى أننا نلمح فى وصف تويا من قبل الحكيم "أداتوا" وصفا لأفريقيا التى ينهبها الغرب.

  2. #2
    الصورة الرمزية احلام عمرنا
    احلام عمرنا غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    8,216

    افتراضي

    شكرا على الخبر


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17