ربما لو كان حيًّا بيننا وعاصر ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة؛ لكان أسعد حالاً بنتاج ما بذله من جهد من أجل أن ترى مصر النور من جديد.. هو الدكتور عبد الوهاب المسيرى، أو كما أطلق عليه البعض "فارس التغيير" الذى تمر علينا غدًا فى الثالث من يوليو ذكرى رحيله الرابعة.

عرف "المسيرى" بأنه أبرز قادة النضال السلمى، والفعل الثورى كان يجرى فى عروقه مجرى الدم، وحارب مشروع التوريث وفساد نظام المخلوع "مبارك" بكل ما أوتى من فكر وعلم، عندما بدأت حركة كفاية التى كانت فى أصلها فعلا ثوريا فيه خروج عن المألوف، حيث جاءت "كفاية" لتنطق بالكلمة والفكرة التى حرمها آل "مبارك"، لتصرخ فى وجههم "كفاية".

كان من بين أشهر مقولاته التى تدعو للصمود والاستمرار فى الثورة "هل تموت الفروسية بموت الفارس؟ هل تموت البطولة باستشهاد البطل؟ وهل يختفى الصمود إن رحل بعض الصامدين؟".

عرف بأنه رجل التحولات الفكرية، ليصل فى النهاية إلى أعلى درجات الإيمان، فعلى المستوى الفكرى انضم المسيرى فى صباه المبكر إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه لم يلبث أن خلع عباءتها ليتجه إلى الماركسية ليمضى رحلة ليست بالقليلة من الشك والريبة، ثم يخرج منها مرة ثانية معجباً بالنموذج الغربى والفكر المادى، ولكنه بعد رحلة بحث وتنقيب وسبر لأغوار الحقيقة يكتشف زيف هذه النماذج المادية، ليقرر العودة من جديد إلى رحابة واحة الإسلام، ليعيش فى كنفه وينهل من نبعه، ويحاول مفكرنا أن يطوع ما اختزلته ذاكرته وفكره وثقافته من التيارات الفكرية والثقافية المختلفة لخدمة الإسلام، ويؤكد للعالم أنه إذا كان الماديون ينظرون إلى الإنسان باعتباره مركز الكون، ينبغى أن تدور الكائنات كلها فى فلكه، فإنه يمكن الوصول إلى الله والإيمان به من خلال النظر فى الإنسان.

وصبَّ "المسيرى" جزءًا كبيرًا من جهده فى محاربة الفكر الصهيونى، عندما عكف ربع قرن لينجز موسوعته الشهيرة "اليهود واليهودية والصهيونية"، وكانت أشهر مقولاته فيها "إن الأيديولوجية الصهيونية أخفقت، ولم تعد مرجعية للإسرائيليين، لأن أحد أهم بنودها كان يقوم على أن فلسطين أرض بلا شعب، فيما ثبت العكس فهناك شعب ومقاومة، بل إن المقاومة أخذت تحسن نفسها كما وكيفا على مدى السنين، واستمرارها غير الكثير من المعادلات داخل المجتمع الصهيونى، وترك أعمق الآثار فيه، وأن الصهيونية ليست حركة يهودية، بل حركة استعمارية استيطانية احتلالية".

حصل الدكتور المسيرى على عدة جوائز، من بينها جائزة أحسن كتاب فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2000 عن موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية، ثم عام 2001 عن كتاب "رحلتى الفكرية"، وجائزة العويس عام 2002 عن مجمل إنتاجه الفكرى، وحصل أيضا على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب لعام 2004، ونال عدة جوائز محلية وعالمية عن قصصه وعن ديوان الشعر للأطفال.