كيف يجتذب صُناع السوق المتداولين إلى أسهم المضاربة؟





في البداية لا بد أن نعترف أن المضاربة من خلال أسهم تلك الشركات الخاسرة التي أطلق عليها شعبياً مسمى "خشاش" كانت هي الأكثر ربحية خلال الفترات الماضية، وأن تلك النوعية من الأسهم كانت دائماً هي المفضلة من صناع السوق ومن صغار المتداولين على حد سواء، فما هو السر في ذلك بالنسبة إلى الطرفين؟ بالنسبة إلى صناع السوق فإن السيطرة والتحكم في شركة ذات إجمالي كميات أسهم وقيمة سوقية منخفضة هو الخيار الوحيد المتوافر بالنسبة إليهم لمضاربات حادة سريعة قد تصل بالأرباح إلى نحو 50 في المائة خلال أسبوع واحد (مرجعة بسيطة لأرقام السوق سوف تكشف أن أكثر الشركات ارتفاعاً هي أقل الشركات من حيث أعداد الأسهم والقيمة السوقية). وتلك المعادلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تطبق على شركات كبيرة أو متوسطة لأن ذلك سوف يحتاج إلى عوامل أخرى لا يمكن لصناع السوق ضمانها أو التحكم بها وهي حجز سيولة عالية في شركة واحدة فقط المضاربة وضمان عدم تغير الاتجاه العام للسوق في أي لحظة، وعدم القدرة على الخروج السريع من السهم لأي سبب كان، وأيضاً عدم القدرة على خلق الأجواء اللازمة لجذب صغار المتداولين للدخول في السهم عند اللحظة المناسبة. بالنسبة إلى صغار المضاربين كان انخفاض قيمة السهم وإغراء الارتفاعات القياسية هو عامل الضغط الرئيسي في شد الاهتمام لتلك النوعية من الأسهم. هنا يجدر التذكير والتنبيه بأن قوة صناع السوق في أي سهم تكون عن طريق تحقق عاملين أساسيين وهما:
1- دفع المزيد من صغار المضاربين إلى شراء السهم.
2- منع من اشترى هذا السهم من الخروج منه أو البيع. ويتحقق ذلك من خلال عدة أساليب البعض منها خارجي (خارج نطاق التداولات الفعلية) مثل إشاعة وتحديد هدف سعري للسهم للوصول له حيث سوف يكون ذلك الهدف وبقدر انتشارها بين صغار المضاربين عامل دعم للسهم في رحلته نحو هدف آخر ربما. ولكن في هذا التقرير سوف يتم التركيز فقط على العوامل الداخلية أي (دخل تداولات السوق الفعلية) التي تستخدم في جذب صغار المتداولين إلى السهم وتساعد بعد ذلك على التوجيه والتحكم في حركة السهم وصغار المتداولين على حد سواء حيث يظل إقناع وجذب شريحة كبيرة من هؤلاء المتداولين الصغار للدخول في تلك النوعية من الأسهم عملا احترافيا من الصناع قد يطبق بأكثر من أسلوب فيما يلي البعض منها :

أولا : الجذب من خلال الطلبات من خلال التوجيه والتحكم في نطاقات الطلبات السعرية عن طريق تكوين نقاط تجميع لطلبات صغار المتداولين من أجل تصريف أو تخفيف حمولة الأسهم مع صناع السوق أو نقطة آمنة لإعادة ترتيب المحافظ استعدادا إلى الانتقال إلى مرحلة سعرية تالية، وذلك حسب الشكل رقم (1) حيث تم توزيع خمسة نطاقات طلبات سعرية لعملية جذب للطلبات (ذات منطقتي تجميع ومنطقتي دعم).

وحسب الشكل رقم (1) سوف نجد أن نطاقات الطلبات, الأول حرة الحركة في الأغلب لا يتدخل فيها صناع السوق ، في حين نجد أن النطاق الثاني هو منطقة بيع له وبالتالي تجميع لطلبات صغار المتداولين وهو في العادة لا يقدم دعما لهذه المنطقة إلا نادراً، بينما نجد أن النطاق الثالث هو منطقة دعم كامل من صناع السوق وأيضاً بيع في حالة دخول طلبات أخرى على النطاق نفسه (تذكر أن طلبات صناع في الأغلب أوامر مشروطة وذلك حماية له من موجات بيع بشكل فجائي لأي سبب كان، لذلك حاول الاستفادة من ميزة أنواع الأوامر في نظام تداول)، النطاق الرابع هو منطقة التجميع الثانية لطلبات صغار المتداولين وبالتالي بيع لصناع السوق مع عدم وجود أي دعم في هذا المستوى ليكون النطاق الخامس منطقة دعم كلي وبيع قوي في حالة الانخفاض بشكل لا يمكن السيطرة عليها. هنا عليك أن تتذكر دائما أن جميع تلك النطاقات هي مناطق بيع متوقعة للمضارب يتم استخدامها حسب طبيعة التداولات في السوق وكمثال لو انخفض السوق بشكل قوي سوف يضمن صناع السوق وجود مجموعات طلبات متراكمة على نطاقات سعرية متعددة معتمدة على وجود الدعم من طلبات ضخمة من الممكن أن تختفي خلال ثوان معدودة. ولعل الاحترافية في هذا الأمر القدرة على تبديل الأدوار ما بين هذه النطاقات السعرية لإغراء صغار المضاربين في إدخال طلبات أعلى للحصول على السهم، ليكون صغار المضاربين في هذه الحالة هم من يقدم الدعم لذلك السهم وهم أيضاً من يساعد في جذب المزيد من الطلبات الأخرى من مضاربين آخرين نتيجة التسابق على طلب السهم، والملاحظ هنا أن دور صناع السوق يتحول بشكل مباشر من متحكم في حركة السهم إلى موجه إلى تلك الحركة وذلك من خلال إجبار صغار المتداولين على رفع مستوى نطاقات طلباتهم بعد أن يقوم هو أيضاً برفع مستوى طلباته وذلك في سباق وهمي للحصول على السهم (شراء السهم) سوف يعتقد صغار المتداولين أنهم فازوا به في نهاية المطاف عند تنفيذ أمر الشراء عليهم.

ثانيا :الجذب من خلال العروض من خلال وضع سلسلة كاملة من العروض الوهمية (من صناع السوق أنفسهم) على نطاقات سعرية متفاوتة البعض منها ضخم.


إن بداية أي عملية شراء تدريجية (ومن الصناع أنفسهم أيضاً) لهذه السلسلة سوف ينتج عنها وبشكل مباشر سحب عروض صغار المتداولين التي أمامهم لاعتقادهم أن السهم في طور الارتفاع ولرغبتهم في الاستفادة من هذا الارتفاع وإلغاء فكرة التخلص من السهم في تلك النطاقات السعرية طمعاً في الوصول إلى مستويات أعلى، ولعل ذلك يفسر أحياناً بطء عملية سحب (شراء) هذه العروض (الوهمية) من قبل صناع السوق وذلك من أجل إعطاء فرصة لصغار المضاربين لسحب عروضهم (الحقيقية) وبالتالي إفساح الطريق أمام صناع السوق للوصول بالسهم إلى مستويات أعلى بأقل قدر ممكن من سحب الكميات الحقيقية، بل على العكس من ذلك سوف يكون هناك دخول طلبات من متداولين آخرين في مرحلة الرفع دعم إضافي وسحب من الكميات المعروضة الخاصة بصانع السوق نفسه (الوهمية) التي يقوم هو أيضاً بالسحب منها في الوقت نفسه يعطي ذلك انطباعاً قوياً بأن السهم يتعرض لعملية شراء قوية مضاعفة ، هنا يجدر التنبيه إلى أن من يدخل السهم من المتداولين في تلك النطاقات السعرية سوف تكون قدرته على المناورة أقل من قدرة صناع السوق لسبب بسيط هو أن مستوى تكلفة السهم على صناع السوق سوف يظل أقل في حالة الارتفاع أو الانخفاض على حد سواء لتكون قدرة الصناع في هذه الحالة على المناورة والخروج من السهم في أي لحظة أكبر، كما يجب ألا ننسى أبداً أن الارتفاع بالسهم بهذه الطريقة يساعد على تراكم طلبات صغار المضاربين في المستويات السعرية الأدنى التي انطلق منها طمع في أن يكون هناك ارتداد للسهم لأي سبب كان وهو ما يحدث أحياناً ولكن بشكل قد يطول عند خروج المضارب والذي فعل ذلك لضمان جذب المزيد من الطلبات التي تساعد على استيعاب الكميات الكبيرة التي معها على مستويات بيع سعرية جيدة ، لذلك فاستخدام عنصر العروض هنا بالنسبة له ذو فائدة مزدوجة لإغراء جزء من المتداولين للسحب من العروض و إقناع القسم الآخر منهم على وضع الطلبات .

ثالثا : الجذب من خلال الفرق بين سعر الإغلاق و الافتتاح لعل هذا العنصر في الجذب يعتبر من أكثر العناصر دلالة على عمليات تصريف واضحة، ولكن أيضاً يظل من أسهل العناصر قدرة على الرصد، وذلك من خلال مقارنة سعر الإغلاق للسهم بين فترتين أو يومين وملاحظة الفرق بين الإغلاق والافتتاح، هنا تجدر الملاحظة وبشكل مهم جداً أن بعض صناع السوق يتعمد رفع السهم وبشكل قوي وحاد قبل الإغلاق أحياناً بدقائق لضمان عدم تنفيذ كميات كبيرة عليها قبل الإغلاق، ليكون في هذه الحالة قد استفاد من فرق الدقائق الأخيرة بالإضافة إلى فرق الإغلاق عن الافتتاح التالي، حيث سوف يكون وضع طلبات كبيرة وهمية مع الافتتاح أيضاً عامل رئيسي لسحب طلبات صغار المساهمين الموجودة على نطاقات سعرية أقل ولذلك أعتقد أن السهم سوف يرتفع بشكل مباشر مع الافتتاح اعتمادا على إشارة الإقفال الايجابية أمس وأنه سوف يوصل الأداء الإيجابي بشكل مستمر بعد الافتتاح، أيضاً هنا سوف تكون قدرة صناع السوق على المناورة أكبر من أي مضارب يدخل إلى السهم بعد الافتتاح على أي نطاق سعري بسبب أن المضارب استفاد من عاملين هما فرق السعر في آخر الدقائق قبل الإغلاق والفرق مع الافتتاح، ذلك الفرق ما بين الإغلاق والافتتاح قد لا يكون في جميع الأحوال عمليات تصريف حيث إن عدم وجود طلبات أمام الصناع بعد الافتتاح قد يكون عامل إغراء كبيرا لتحقيق المزيد من الارتفاع.

رابعا : الجذب من خلال رفع نشاط حركة السهم هنا يوجد أكثر من طريقة لإعطاء إيحاء لارتفاع مستوى النشاط على سهم شركة ما من أجل اجتذاب المزيد من المتداولين لها منها على سبيل المثال التدوير حيث إن عمل دائرة مستديمة لفترة زمنية قصيرة من عمليات شراء وبيع وهمية سوف تساعد على رفع مستوى الكميات والنشاط لدرجة كبيرة سوف تلفت نظر الكثير من المتداولين في السوق لهذا النشاط غير الطبيعي وسوف تدفع بالتأكيد أعدادا كبيرة من صغار المضاربين إلى التوجه نحو هذا السهم و الدخول في هذه الدائرة.

خامسا : الجذب من خلال رفع مستوى تذبذب النطاقات السعرية إن أي عمليات رفع وخفض سريعة لأسعار السهم سوف ترفع مستوى الفرق بين تلك النطاقات السعرية أي بين العروض والطلبات مما سوف يكون مغريا لكثير من المتداولين للدخول في ذلك التذبذب العالي للأسعار على أمل الاستفادة من ذلك في تحقيق أرباح عالية من تلك الفروق السعرية (بين العرض والطلب) خلال فترات قصيرة، إن الهدف الرئيسي من هذه التذبذبات العالية جذب المزيد من المشترين وإيقاف عمليات البيع على مستويات سعرية متدنية من صغار المتداولين، هنا سوف يكون للمضارب الصغير الأفضلية في حالة القدرة على الدخول والخروج السريع " خلال دقائق " إن فعل ذلك سوف يكون عملا إيجابيا لتحقيق أرباح عالية خلال دقائق، ولكن المشكلة هنا أنه في الأغلب تكون قدرة المضارب الصغير في الخروج محدودة لحرصه على مراقبة وانتظار انتهاء فترة التذبذب العالية من أجل اتخاذ القرار في الخروج أو البقاء وفي الأغلب ستكون أي فترة استقرار للسهم بعد تذبذبات عالية ذات منحى سلبي مما لن يعطي المتداولين في هذه الحالة إلا خيارا واحدا فقط وهو الخروج من السهم بخسارة أو البقاء في السهم أو ما أُطلق شعبياً عليها "متعلق". في نهاية المطاف يجدر التنويه إلى أن هناك إمكانية للدمج بين معظم هذه الأساليب في الوقت نفسه متى ما كانت عملية التوجيه للسهم محترفة وتدر بشكل فيه تنسيق منظم علما أن عملية التصحيح الأخيرة ساهمت إلى حد كبير ونتيجة عدم قدرة الكثير من صناع السوق على التخلص من الأسهم معهم نظرا لكبر كميات تلك الأسهم أثناء عملية الانهيار وأنه لم يكن هناك أي وقت لأي عمليات تصريف منظمة تحت ضغط أجواء من الهبوط اليومي المتتالي على الحد الأدنى بدون طلبات، ساهمت تلك التجربة في تغيير الاستراتيجية لدى البعض منهم وخاصة المحترفين منهم من (السيطرة والتحكم الكامل بحركة السهم) من خلال كميات كبيرة من الأسهم تشكل نسبة كبيرة من الكميات المدورة تحاول ذلك بعد التصحيح إلى (توجيه السهم من خلال التدخل فقط عند الضرورة) وعند خروج السهم في الحركة عن الإطار الذي رسم له صعوداً أو هبوطاً وذلك من خلال إما "الضغط" وهو وضع عروض تمنع وتيرة ارتفاع وإما "الدعم" لمنع انخفاض سعر السهم نتيجة عروض يخشى أن تتسبب في موجة بيع جماعية أو "التثبيت" وهو حصر السهم بين سلسلة من العروض والطلبات، ليكون دور صناع السوق من خلال هذه الأدوات هو التوجيه والتدخل عند الضرورة فقط بمعنى أنه لا يلزم أن يكون صانع السوق فعالا في السهم طوال الوقت.

منقــــــول