صدر "مشروع كلمة للترجمة" التابع لهيئة أبوظبى للسياحة والثقافة، الترجمة العربية لكتاب بعنوان "السياسة الأوروبية فى القرن العشرين"، للمؤلف الإيطالى باولو بومبينى وترجمه إلى العربية ناجى رزق.

يستعرض الكتاب ويحلل فى ستة فصول تطوّر الأنظمة السياسية فى أوروبا بدءاً من أزمة نهاية القرن، والمقصود هنا ما لاح فى الأفق من مظاهر تعثر مرّ بها النظام السياسى الليبرالى فى نهاية القرن التاسع عشر، مما أثار جدلاً حول طبيعة هذا النظام وأدى إلى التشكيك فى صحة أسس الليبرالية المتعارف عليها حتى تلك الفترة، شملت الأزمة قضايا محورية وكانت نقطة انطلاق دراسات فلسفية وسياسية واجتماعية حول هذه القضايا وفى مقدّمتها المشاركة الشعبية والتمثيل العمومى الذى اتفقت عليه أوروبا بكاملها تقريباً.

وانطلاقاً من ذلك قسّم الكاتب الفصول حسب الفترات الزمنية، وبالتالى الأنظمة السياسية المختلفة، مقسماً الفصول بعد ذلك إلى محاور فرعية للتعريف بـ"اللعبة السياسية" فى كل بلد أو مجموعة بلدان تشابهت فيها التوجهات، وبالتالى كان من الطبيعى يُسلّط الضوء على النظام السياسى البريطانى الذى غدا لفترة طويلة أنموذجاً للدول الأوروبية الأخرى فى قضايا عديدة، أو السياسة الألمانية وتطوراتها خلال الفترة الزمنية التى يغطيها الكتاب، وهناك بالطبع فرنسا وانعكاسات تركيباتها السياسية على أوروبا، دون الحديث عن أوروبا اللاتينية مع متابعة دقيقة للسياسة وأنظمتها فى إيطاليا وإسبانيا.

يجد قارئ الكتاب نفسه أمام عمل تاريخى من جهة، يسرد فيه المؤلف بالتسلسل الزمنى تاريخ النظام الليبرالى فى أوروبا، وتحليل غير مباشر من جهة أخرى لأنظمة بعينها وسياسات محددة فى فترات تركت بصمات لا تمحى على تاريخ أوروبا والعالم. وتكفى الإشارة إلى الحربين العالميتين، وإلى النازية ثم الشيوعية وانهيارها. إلا أن تأريخ بومبينى للأنظمة السياسية لا يخلو من مساهمة موسوعية الطابع، حيث يتمكن القارئ من التعرف على مسيرة "مصطلحات" أصبح استخدامها اليوم متداولاً وبديهياً دون إدراك كثيرين لنشأتها ومعناها الحقيقي، ينطبق هذا على أحداث مهمة يُطلع الكتاب القارئ عليها من خلال سرد تحليلي، ودرامى إلى حد كبير فى الوقت نفسه، مثل باريس أو جمهورية فايمر الألمانية.

ويستعرض الفصل الأول أعراض أزمة الليبرالية فى نهاية القرن التاسع عشر، بينما يتعمّق الثانى فى أشكال هذه الأزمة فى الدول المختلفة وكيفية مواجهتها من التيارات السياسية المتعددة حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. وأما الفصل الثالث فيتناول ما يعتبره المؤلف مرحلة انتقالية فى تاريخ السياسة الأوروبية، تميزت بالبحث عن أشكال جديدة لمؤسسة الدولة. وينقلنا الفصل الرابع إلى الفاشية بمفهومها العام ونشأة وتطور وسياسات النازية والفاشية، ثم يستعرض الفصل الخامس ردّ الليبرالية الأوروبية على التحديات الفاشية، وينقلنا بالتالى إلى الحرب العالمية الثانية. يتناول الفصل السادس والأخير فترة ما بعد الحرب والتى تمثل انتصاراً للأنموذج الليبرالى الديمقراطى من خلال عملية إعادة بناء سياسى اتخذ أشكالاً مختلفة باختلاف الدول، ويختتم بإشارة سريعة إلى تطورات الأنموذج الدستورى الأوروبى وتطوراته.

يقدّم المؤلف استعراضه هذا بشكل يبتعد فيه عن الأكاديمية، وإن احتفظ بدقتها، ليجعل عمله يسير القراءة على غير المتخصصين أيضاً، ما يكسبه أهمية خاصة فى مرحلة تعانى فيها أوروبا من أزمة لا يعتبرها المحللون اقتصادية أو مالية فحسب بل وسياسية أيضاً، أو ربما فى المقام الأول.

مؤلف الكتاب باولو بومبينى من مواليد مدينة بولزانو الإيطالية عام 1948، يعمل أستاذاً فى التاريخ المقارَن للأنظمة السياسية الأوروبية، فى كلية العلوم السياسية فى جامعة بولونيا. من مؤلفاته: "الأحزاب والأنظمة السياسية فى التاريخ المعاصر" 1994، "اللجنة الدستورية: مشكلة تاريخية وسياسية" 1995 و"الدولة والسياسة" 1997. يدير المؤلف مجلة "أبحاث فى التاريخ السياسي".

قام بترجمة الكتاب إلى العربية ناجى رزق، مترجم وسينمائى من مصر يقيم فى روما، درّس الإخراج فى جامعات إيطالية وعمل مع تليفزيونات ووكالات أنباء مختلفة من بينها تلفزة "الراي" الإيطالية ووكالة "آجي" الإيطالية. صدر له مترجماً مع سهيلة طيبى "كيف تصنع فيلما؟" لفيدريكو فِلّينى فى إطار مشروع "كلمة".