جلست قرب التلفاز استنشق الملل ,وعينايا تتفرس التدفق الاعلامي بنظرات
شاحبة ,في حين كان عقلي هناك بعيدايتأبط الحاكي -في الزمن الغابر-
وهومحاط بالمدمنين على التلذذ بسماع الأخبار والحوادث والسير والأمثال
والأشعار فكان يرتشف بعينيه شرارات اللهب التي تعترض السرد بين الحين والآخر لتمهل الراوي فيرتاح قليلا ثم يعود بنبرته الجهورية ولباقته الكلامية
ليضفي على السامعين انبهارا تهتز له العواطف وتستلذ به الأذان.
أنسى تواجدي ويتخاصم خيالي مع بصري ويأتي الحكم فأستفيق لأقول :إنهم
كانوا جمهورا لفرد...وأنا سأكون فردا لجمهور إعلامي..فهل صفقوا له ؟
أم أنا التي أصفق لهم؟.
أينظرون متسمرين بوعي وخشوع؟..وأنظر أنا بنبضات عابرة,استنكر هذا,
واستصغر ذاك ,وأتأسف على هذا,ويحرجني الآخر...
التفرج واحد..لكن الجلسة ..تباين يصنفهاوواقع يدمرها.
أصعد بأفكاري في ترنح الى التطور والازدهار الحضاري..فأجد نفسي
أصيبت بزكام التنصل من كياني أين حملني إلى هلوسة فقدت فيها الإحساس
بهدوء الأعصاب وسلامة الذات.
أين أذهب؟..أريد أن أرى...ولم أر سوى التكسرات الإنسانية تقفز على
بريق الحضارة وباسم الحضارة دمرت حقيقة الحضارة لنعيش حاضرا
كله ضبابية وتيه...أسوق نفسي في تماطل الى القلم فيتثاءب أمام أفكاري
وكأنه يودعني بقوله:..من يحتاج إلي اليوم؟ أتوسل إليه,وأجثو أمام أنملة قدميه,فينزلق ويجف لعابه...تتحشرج أنفاسي وتتقطع الكلمات على لساني
وأصرخ صراخ الصامتين في دفء سكون لاذع توخزني نبراته الراحلة.
أين أذهب..؟..عافني يراعي وعافت نفسي الرؤيا .
غفوت في رحلة الصبر الى أن أطلّ الأمل بأنفاسه الحبلى ينتظر مخاضا
مني فكنت له...ثم اتجهت لأوقظ يراعي ودفتري ليكون السفر اليك...
وكانت الرحلة ...وكان الوصول وثمّة إشراقة خاصة لفتني أشعتها ورحت ُ أحلّق مع المحلّقين .