يفكّرُ
هو وحده يعلمُ ذلك
علمًا يحيطُ به من جميع الجهات
وحدهُ يُقسِّمُ الأرزاقَ على ذكرياتِه كلَّ صباحٍ
يُشمّسُ كآبته على سورِ البلكونة
يتفرّجُ على نفسه في المرآة
والأيام تغيّرُ مكياجه حسب الدور
يجلسُ في ركنٍ قصيٍّ من قلبه
بعيدًا عن نصائح المخرج
وضحكات الممثلات

وحده
ينصتُ إلى السيجارةِ
وهي تحترقُ تسبيحا
ينتزعُ النص من المؤلف
ويغمسه في كوب ماءٍ
ويشربه
يقطعُ يد الوقت
لأنه سرقَ الحبيبة بعد أن نضجت
وترك نار الفرن مشتعلةً

يفكّرُ
ماذا على الطابق الثاني لو أضاء قليلا ؟
ماذا على قاطع التذاكر لو أخبرَ من يريدون الركوب
أنّه قطعَ آخر تذكرتين ؟
ماذا على اللصوص لو سرقوا الفضول
من جميع المارة ؟

يفكّرُ ويفكّرُ
وتسيلُ عيناه
كمثلجاتٍ في يدِ الوقتِ
يمسكها ويجري بها في الشمس بعيدا

تسيلُ عيناه
وينامُ ثيابًا باليةً
على كرسيٍّ في المقهى
في محل الفطائر
في آخر أتوبيسات النقل العام
ينامُ
وتتكسّرُ أجيالٌ كاملةٌ من أبناء العالم الثالث
في ظهره

هو وحده يعلمُ ذلك
ويكتمُ العلم عن الآخرين
خشيةَ أن يفتنوا

يضعُ إبرةَ أقدامه على اسطوانات الشوارعِ
يفصّلُ صُدَفًا بمقاساتٍ مختلفةٍ
ويعلقها على ظهور الفتيات
لعلها هي ..
مؤكدٌ هي ..
لا أظنّها هي ..

يضعُ إبرةَ أقدامه على اسطوانات الشوارعِ
ويصالحُ الشاعرَ
ويدنيه
" يابنتَ سيّد أدركيه ..
كانت تُجرى له عمليةُ قلبٍ مفتوحٍ
ونُسيَ مبْضَعٌ في قلبهِ
.. أدركيه "

يُفكّرُ ويُقدّرُ
الآن ستجلسُ التماثيلُ بعد سنيٍّ طويلةٍ من الوقوفِ
ستُقلِعُ السيارات والمصانعُ عن التدخينِ
سيكفُّ البشرُ عن استهلاكهم المتزايدِ للهواء
ستُقلّمُ البلدةُ أظفارها
وتضعُ أوزارها
سيبتسمُ له السودُ القادمون من الشمال
ويعانقونه بحرارة

إنّه فكّرَ وقدّر
الآن يلفُّ السلكَ الكهربائي حول عنقه
ويضيء