الحب عالانترنت بين الواقع و الوهم


ما بين الوهم والواقع.. جهازان وشبكة.. ذكر وأنثى.. والعديد العديد من الأشكال والوسائط، باتت أدوات الوصول إلى مدينة الحب الأفلاطونية، مدينة وعالم تلاقي المثاليات ما بين شاب وفتاة، وجدا في الاختباء وراء شاشة الحاسب الإلكتروني، الحلّ الأمثل للوصول إلى عوالم قد يحرِّمها عليهما واقعهما ومحيطهما علناً، ويجيزها لهما شعورهما بالوحدة ورغبتهما في التعرُّف إلى عوالم الجنس الآخر، وإن كان هذا التعارف يخفي وراءه في أغلب الأحيان حقيقة مناقضة لما أراداه ولما حلما به عبر ساعات جلوسهما الطويلة، ليجدا نفسيهما أخيراً وبعد تحليقهما في عالم الأحلام الوردية، على أرض الواقع، ربما وحيدين، وربما مصدومين ببعضهما ليعودا من جديد، ودون أن يتوقَّفا لحظات للتفكير، ويكرِّرا التجربة مع آخرين، أملاً في حظٍ أوفر حب المجهول!..





أحد الشبان كان، على عكس الفتيات، محظوظاً, حيث وجد فتاة أحلامه عبر الشبكة العنكبوتية, يقول: “بدأت الحكاية بغرفة من غرف المحادثة على أحد المواقع الاجتماعية، وكان هناك طرح لأحد الأسئلة ولفت نظري إجابة لإحدى الفتيات، فأحببت التعرُّف أكثر إلى صاحبة الإجابة، وبالفعل طلبت الحديث إليها في غرفة خاصة، وتمَّ القبول من جانبها، لم أكن أدري أنَّ الأمر سيتطوَّر إلى حديث بالساعات والأيام والأشهر، كنا نتعرَّف إلى بعضنا بعضاً، تحدَّثنا عن الشخصية، والأخلاق، والشكل، والصفات، وما نحبُّ وما نكره.. كنت منجذباً بقوة، ليس إلى الفتاة بحدِّ ذاتها، وإنما إلى القصة ككل، لقد كنت وحيداً وبعيداً عن عالم الأنثى، وفجأة وجدت هذا العالم مفتوحاً أمامي، وإن كان وهمياً.. في بعض الأحيان، كانت تراودني المخاوف مما قد يكون مجهولاً، ومع ذلك لم أتوقَّف، ولم أحسب الساعات التي مرَّت وأنا أدخل في مناقشات مختلفة.




لم أكن أدرك أنَّ هذه الساعات ستترك أثراً في نفسي، وبعد مرور أشهر، بدأت أطلب مقابلتها، تردَّدتْ في البداية، إلا أننا تقابلنا، لم نكن قد خضنا في أيِّ حديث حول الحب أو الارتباط، ولكن كان واضحاً وجود إعجاب متبادل، وعندما التقينا مرة بعد مرة أدركت وجود تطابق لما رسمته في خيالي، وبالفعل تطوَّرت علاقتنا إلى ارتباط حقيقي بعيداً عن المجهول”..


و يضيف: “أنا لا أعتقد بالحب الإلكتروني، ولكن من الممكن أن تكون الإنترنت طريقاً للحب، ليس من الممكن أن أحبَّ المجهول، ولكن هذا الحديث كان سبباً للتعارف الحقيقي، وبالتالي الحب.. بالنسبة إليَّ، كان الموضوع رائعاً، لأنني لولا هذه المحادثات لما كنت خرجت من عزلتي، ولم يكن من الممكن أن أتعرَّف إلى شخصية إحدى الفتيات بمختلف جوانبها بهذه الأريحية”..



وبالنتيجة، تتفاوت الآراء، ويبقى الكثير ممن أحبُّوا عبر الإنترنت قد انخدعوا به, إما نتيجة كذب الطرف الآخر، أو نتيجة بناء الحب على أوهام، فالكذب في الشبكة العنكبوتية لا حدود له، لعدم وجود أيّ رادع، إنه عبارة عن مسرحية أبطالها ممثلون، ونادراً ما يتطابق الواقع مع التمثيل.. قد تنجح علاقات وتستمرُّ وتنتهي بالارتباط، ولكن تبقى نادرة، وتبقى نتائجها في علم الغيب، على العكس من تلك المكشوفة للعيان تشكيك في صدقية الحب الإلكتروني .


يشير الباحث الاجتماعي، خالد عبد الرزاق سليمان، إلى ظاهرة الحب الإلكتروني في الجزيرة بالقول: “التواصل في عمومه يشترط حضوراً طبيعياً جسمانياً بين الأشخاص, لكن مع تطوُّر وسائل الاتصال الحديثة, وخاصة الإنترنت, ظهر الشكل الإلكتروني والافتراضي للتواصل, الذي يوسِّع إمكانات التواصل بشكل غير مسبوق, والحب هو أكثر أشكال التواصل أصالة وخصوصية , والحب عبر القنوات الإلكترونية والافتراضية يعطي للأشخاص إمكانات هائلة، ويوسّع مداهم الجغرافي والثقافي، ويزيح الكثير من الإشكالات والإحراجات الموجودة في التواصل التقليدي، لكنه في الوقت نفسه يجلب معه إشكالاته الخاصة أيضاً.



فالأشخاص لا يعرفون مع مَن يتحدَّثون, وما هي درجة صدقية أقوالهم, لكنه مع ذلك يجذب شريحة كبيرة واسعة من الشباب، ما يعطي لهذه الظاهرة أهمية من حيث الأسباب التي تدفعهم إلى هذا الشكل من الحب بدلاً من الحب التقليدي, وهذه الأسباب- في رأيي- تتمثَّل في خلق واقع افتراضي للشخص بديل لواقع قد لا يكون راضياً عنه, وخلق شخصية افتراضية قد تمثِّل طموحه اللاشعوري, وأيضاً في ذلك تجاوز للمعطيات والقيود الثقافية في بعض المجتمعات التقليدية”