خيرًا فعلت الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، بنشرها هذا الكتاب القديم الجديد بعنوان "لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم"، الذى سبق نشره فى مجلة المنار فى أواخر عام 1930_ والتى كان يرأس تحريرها محمد رشيد رضا أكبر من تتلمذوا على الإمام محمد عبده– والذى جاء ردا على السؤال الذى طلب الشيخ محمد بسيونى عمران- إمام مهراجا جزيرة سمبس برنيو(جاوه) من أستاذه محمد رشيد رضا أن يطرحه على الأمير شكيب أرسلان ليجيب عليه فى رسالة تنشرها المجلة.

وقد بدأ شكيب أرسلان جوابه بالإشارة إلى انحطاط وضعف المسلمين فى المشارق والمغارب عامة وقال "إن حالتهم الحاضرة لا ترضى، لا من جهة الدين ولا من جهة الدنيا"، وقال إن من أهم عوامل انحطاط المسلمين الجمود على القديم، فكما أن آفة الإسلام هى الفئة التى تريد أن تلغى كل شىء قديم، دون نظر فيما هو ضار منه أو نافع، كذلك آفة الإسلام هى الفئة الجامدة التى لا تريد أن تغير شيئا، ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول التعليم الإسلامى ظنا منهم بأن الاقتداء بالكفار كفر وأن نظام التعليم الحديث من وضع الكفار.

قد أضاع الإسلام جاحد وجامد، أما الجاحد فهو الذى يأبى إلا أن يفرنج المسلمين وسائر الشرقيين ويخرجهم من جميع مقوماتهم ومشخصاتهم ويحملهم على إنكار ماضيهم.
وضرب شكيب أرسلان أمثلة لدول العالم التى حافظت على قومياتها مثل إنجلترا وفرنسا وأيرلندا والفلمنك وسويسرا وألمانيا وروسيا والكروات والصرب واليابان التى قال إنها أمة كانت منغلقة على نفسها إلا أنها بعد النهضة العصرية " تلافت اليابان ما كان بشكل مذهل.. إلا أن الماضى مازال عند اليابانيين مقدسا معظما فى جميع طبقاتهم، لأنه فى هذا الماضى المقدس يجد اليابانيون جميع شعورهم بقيمتهم الحاضرة ".

وتساءل أرسلان: لماذا لا نسمى اليابان وأوروبا رجعية بتدينهما؟ وقال كل قوم يعتصمون بدينهم ومقومات ملتهم ومشخصات قومهم الموروثتين ولا ينبذون بهذه الألقاب إلا المسلمين، فإنه إذا دعاهم داع إلى الاستمساك بقرآنهم وعقيدتهم.. وباللسان العربى وآدابه والحياة الشرقية ومناحيها قامت قيامة الذين فى قلوبهم مرض وصاحوا لتسقط الرجعية!!

وقال إن "جميع هؤلاء الخلائق تعلموا وتقدموا وترقوا وعلوا وطاروا فى السماء، والمسيحى منهم باق على إنجيله وتقاليده الكنسية، واليهودى باق على وثنه وآرزه المقدس.. وهذا المسلم المسكين يستحيل أن يترقى إلا إذا رمى بقرآنه وعقيدته ومآخذه ومتاركه ومنازعه ومشاربه ولباسه وفراشة وطعامه وشرابه وأدبه وطربه وغير ذلك وانفصل من كل تاريخه، فإن لم يفعل ذلك فلا حظ له من الرقى، فهذا من ضرر الجاحد الذى يقصد السوء بالإسلام وبالشرق أجمع ويخدع السذج بأقاويله.

أما الجامد فإنه- كما يقول أرسلان-ليس بأقل ضررا من الجاحد وإن كان لا يشركه فى الخبث وسوء النية، وإنما يعمل ما يعمله عن جهل وتعصب فالجامد هو سبب الفقر الذى ابتلى به المسلمون لأنه جعل الإسلام دين آخرة فقط، والحال هو أن الإسلام دين دنيا وآخرة، وأن هذه مزية على كل الأديان، فلا حصر كسبه فيما يعود إلى الحياة التى هى وراء هذه، كما هى ديانات أهل الهند والصين، ولا زهّده فى مال الدنيا وملكها ومجدها كتعليم الإنجيل، ولا حصر سعيه فى أمور هذه المعيشة الدنيوية كما هى مدنية أوروبا الحالية.

وفى خلاصة الجواب قال شكيب أرسلان: إن الواجب على المسلمين- لينهضوا ويتقدموا ويعرجوا فى مصاعد المجد ويترقوا كما ترقى غيرهم من الأمم- هو الجهاد بالمال والنفس الذى أمر الله به فى قرآنه مرارا عديدة وأضاف أن الجهاد بالمال والنفس هو العلم الأعلى.. فإذا تعلمت الأمة هذا العلم وعملت به هانت لها جميع العلوم والمعارف ودنت منها جميع القطوف.