شعرت بأنني سأموت!

عمري ثلاثة وعشرون عاماً، لم أكن مصدقة أبداً!


خصلات شعري تتجاوز نصف طولي، وبشرتي كالأطفال، وروحي كالمستحيل.


الدوار الذي شعرت به وسقطت بعده كان على فترات متباعدة يعودني، ولكن لم يلحظ أحد. كانت في كل مرة دقائق معدودة أعود بعدها أنثى جامحة بكل مفاتن الحياة ووهجها الخلاب.




في تلك الليلة.. لم أستطع منع الهاجس أكثر! كنت أشعر أن الحياة تُسحب مني رويداً رويداً.. سخرت من نفسي وأنا أفكر في الحديث له عن ذلك فليس ثمة ما يمكن وصفه..




أخذت مصحفي وبقيت أقرأ في طمأنينة لم أشعر بها قبلاً، أو هكذا بدا الأمر، الهدوء الذي غمرني حينها جعلني استرق بضع نظرات نحو ثلاث سنوات هي عمر طفلي المبتسم لدميته وهو يحضنها نائماً.


فكرت أن أصلي بحثاً عن طمأنينة أكثر، لكن نفس الهاجس داهمني من جديد وهذه المرة بدأت أشعر أنني أفقد الإحساس تدريجياً بحركة أطرافي..


ازددت التصاقاً بمصحفي وإن لم أعد قادرة على التلاوة فقد امتلأت عيناي بدموع غزيرة، وجبيني يتصبب عرقاً! للحظات تمنيت أن أصل لحضن أمي، تمنيت لو مت أن أموت في حضنها.. لكم أشعر بفقدانها! يبدو أنني سأموت فعلاً؟


لماذا أنا خائفة لهذه الدرجة! الموت حق! وهو لم يعقد اتفاقاً مع أحد! بكيت في فزع غريب، وجاهدت للسيطرة على نفسي.

وعندما نجحت قليلاً في ذلك جاءت الطمأنينة! طمأنينة من ذلك النوع المؤقت، استغليتها بالمسارعة إلى سجادتي وبدأت أصلي.. حينها بدأت السير في فناء أبيض من كل الجوانب، ليس له سماء ولا أرض ولا جوانب ولا جهات..
قابلت طفلة تشبه صوري التي التقطت لي قبل سبعة عشر عاماً.. ابتسمت لي وأنا أعبرها ونظراتي تتعلق بوجوه كثيرة بعضها ضاحك وأخرى باسمة، كانت أمي الحزينة الوحيدة من بينهم، فيما كان فؤادي الصغير يجر دميته الشقية المتمردة خلفه، وعندما اعترضت طريقهما مرا من خلالي ..! تنبهت إلى أنني لم أعد قادرة حتى على التحية.
انشطر السقف نصفين ورأيتني ارتفع تدريجياً باسمة. رأيته يتأمل صلاتي في سكون المحب. اعتادني كذلك.
تمنيت أن يقترب لحظتها. في ارتفاعي سقط المصحف من بين أصابعي ورأيته يشع نوراً على السجادة، حركت أصابعي فلم تستجب، سجدت في داخلي وأغمضت عيني وأنا أمد روحي باتجاههما، كانا يقتربان في ضحكهما، يداعبه كالعادة ثم يتسابقان نحوي. الثلاث سنوات هي التي تصل أولاً، أحتضنه كما لم أحضنه من قبل، وأمد يدي الأخرى مطوقة أباه.



رأيت ضياء أبيضاً نورانياً يغشى كل شيء ويقترب مني . استدار وارتفع كأنه يريد أن ارتديه. كانت معه نسمات كنسائم ما بعد مطر الصبـاح، كم هي الحياة حلوة.

شعرت به يطرد الرعب من قلبي، وسمعت أيضاً كصوت الباب يقفل. لم ألحظ أنني كلما توغلت في ارتدائه كان الحبيبان يغيبان أكثر فأكثر. اختفيا تماماً عندما أكملت ذلك وأنا أدعو ربي أن أعود مراراً لرؤيتهما، كنت أشعر أنه سيعوضني لأنني مت وأنا مازلت برعماً ندياً، هي الأمنية التي خطرت لي حينها.. ما من آلام فقد اختفت.



طوال الليالي التي عدت فيها لرؤيتهما كانا يبدوان حزينين أو فرحين إلى حد ما. لم يشعرا بي أبداً! لكنني في آخر المرات وجدتهما يتأملان صوري ويبكيان! وثمة أخرى كانت تقف صامتة وهي تعيد ترتيب أولويات الحضور.


بكيت كما لم أبك من قبل وتجرعت حينها كل الآلام من جديد، وسألت ربي ألا أعود من الموت مرة أخرى.