بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
الحمد لله الذي أعدّ دار الخلد لعباده وإمائه الأبرار وجعلها جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار .. والصلاة والسلام على المصطفى المختار نبينا محمد وعلى آله الطيبين الأطهار ومن تبع نهجهم واقتفى أثرهم ما تعاقب الليل والنهار .. أما بعد
الحديث عن الجنة وما فيها من نعيم تشتاق إليه نفوس المؤمنات وتفرج أسارير كل عبوسة كيف لا .. والله عز وجل يقول يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ((الحديد : 12)
واعلمي – رحمك الله – أن أي وصف أو نعيم ذكر في القرآن الكريم أو السنة المطهرة فهو للمؤمنين والمؤمنات على حد سواء إلا ما ورد الدليل بتخصيصه..
إلا أني سأوجه الخطاب لكِ أيتها المشتاقة في هذه الرحلة الماتعة لتكون أدعى لمعرفة ما ينتظركِ من النعيم الخالد .
ودخول الجنة والتنعم بنعيمها وملذاتها ثواب أكيد للمشتاقات المؤمنات العاملات للجنة كما أخبرنا بذلك سبحانه وتعالى في قوله وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ((النساء:124) ،
وقوله تعالى لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ( (الفتح:5)
من هذا الوعد الكريم سنرحل أيتها المشتاقات في رحلة ماتعة خاصة بنا
إلى الجنة وقبل أن ننطلق إلى رحلة الخلود في الجنة لنتعرف على أوصافها ، وطرقها ، علينا أن ننتبه أنها فوق ما نسمع ونقرأ ؛ فكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من أوصاف الجنة وأنهارها وقصورها وطعامها وشرابها .. لا يشبه شيئاً من جنسه في الدنيا إلا في الاسم !!
نعم أخيتي .. ففي الصفحات التالية ستحلقين مبحرة في عالم عجيب بديع ، وسنعيش سويعات ترفرف قلوبنا شوقا ولهفة في نعيم الجنة ، فأي نعيم وبأي وصف أصف لكِ الجنة ؟!
ألا فلتعجبي إن كنت متعجبة .. إن فيها من الخير مالا يخطر على بال ولا تعرفه أي واحدة بحال .. هل عرفتِ نعيم الجنة ؟ !!
إنه النعيم الذي لا يدركه إلا مالك النعم تبارك وتعالى .. وإن أخبرتكِ أيتها المشتاقة عن نعيمها فإنما أخبركِ عن القليل ! استمع إلى قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : [( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت! ولا أذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر! ) ثم قال رسول الله r : اقرؤوا إن شئتم فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ (] رواه البخاري
فللنساء من النعيم في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب البشر .. تلك هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه وأهل طاعته ..
فكم لها – أختي المشتاقة - من وصف يأخذ بالعقول .. ومن محاسن تأسر أولي الألباب تمعني هذا الحديث العجب العجاب قال r : (موضع سوط في الجنّة خير من الدنيا وما فيها )رواه البخاري ومسلم .
نعم لكِ يا أماه ويا أختاه ولكِ أيتها الابنة والصديقة الغالية ولكِ أيتها الزميلة
ذات المقام العالي ولكِ أيتها الزميلة ذات الحياة الصعبة هذه الرحلة المميزة ،
دائـماً نسمع عن الجنةودوماً نقرأ عن نعيـم الجنة ولكن هل فكرنا يوماً أن نتخيل أنفسنا ولو لساعات ونحن في تلك القصورونحن نتجول بين تلك الحدائق والأشجارهل تخيلنا تلك الأجواء الساحرة ..
يا رعاك الله من أنت وكيف أنت وما مظهرك ومخبرك في الجنة ؟!
ماذا تلبسين وبماذا تتزينين ؟! أين تسكنين ؟! ومن زوجك وحبيبك وفارس أحلامك ؟! وما هي صفاته ؟!
في الجنة لو اجتمعت كل ملكات الدنيا فسيكن دون أقل وصف للمشتاقات في الجنان ، لنعيش وإياكن عند أنهارها ، في قصورها ، داخل خيامها ، ونعيش وإياكن نتحدث عن صفاتها ، وفي رحابها ..
فلعل قلوبنا تشتاق ، وعزائمنا تصدق ، وجوارحنا تشمر لها تشمير الطالبات الجادات.
أختي الغالية .. لا أحد يمكنه أن يصف الجنة وصفاً دقيقاً ولكنها إضاءات يسيرة نحلق وإياكن فيها مستعرضين كلام الحق سبحانه وتعالى وأحاديث رسول الله r عنها وما ذكره السلف الصالح في ذلك ..
لعلها تكون معينا لنا على تحمل الدنيا وما فيها من أحزان وهموم وذنوب وظلم وابتلاء وفراق وفناء ..
رحلة النعيم الخالد :
قبل أن نبدأ حديثنا عن رحاب الجنة في وصف ملكها الكبير ، لا بد أن ننـسى الأشغال والأعمال والأهل والأموال ،لنعيش هذه اللحظات كأنما ننظر إلى الجنة رأي العين ، حتى إن الصحابة كما يقول حنظلةt: ( ‏نكون عند رسول الله ‏r‏ ‏يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين ...) رواه الترمذي
هلّا كنا كما كانوا ؛ نرى الجنة الآن رأي العين ..
إنها رحلة نادرة رائعة جميلة خلابة ، إنها رحلة الإيمان إلى أرض الجنة ما علمنا عنها من علم سيظل قصيراً مفتقراً إلى الكثير، وستظل نعيماً أبدياً
ولكنها محاولة متواضعة نتعرف من خلالها على ما ينتظرنا من نعيم نحن إماء الله الذليلات بين يديه ، فنقارن بذلك ما نعيشه في دار الفناء كي نقف لنختار أي الدارين أحق بالعمل ..
فتعالي معي أخيتي بكل الشوق ننطلق مع رحلة الحنين والشوق إلى الجنة نتنزه فيها ونستمتع بالنظر إلى أنهارها المطردة ، وقصورها المنيفة
نمتع قلوبنا وعقولنا بلمسة باردة هادئة من التفكر في آلاء الله ونعمه في جنات تم سرورها ، وعظم وصفها ، منتهى الأماني فيها .
ها هي الجنة بريحها وريحانها تأخذنا إليها
هي جنة طابت وطاب نعيمها ******** فنعيمها باق وليس بفاندار السلام وجنة المأوى ومنـ********ـزل عسكر الإيمان والقرآن
أمام أبواب الجنة :
في هذه الدنيا بعد مراحل من العناء والإرهاق الجسدي والنفسي في يوم شديد الحر كبير العطش لو كنتِ أمام باب قصر ملك أو أمام باب قاعة احتفالات كبيرة بماذا ستشعرين ؟
إنها نسائم التكييف البارد والبخور وأنواع العود والطيب .. تسبقك من مسافة عن باب قصر الملك ..
وما عند الله في الجنة خير وأبقى ..
فماذا عنها ؟!! وماذا سيصلك قبل دخولها ؟!!
تصوري أنكِ تنتظري دخولها وهي تتلألأ من بعيد ، وريحها يوجد من مسيرة مائة عام ، لو ابتعدت عنها مائة سنة شممت رائحتها .
‏ ‏ففي مسند الإمام أحمد عن ‏أبي بكرة‏ t ‏قال ‏سمعت رسول الله r ‏يقول : ( ‏إن ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام ..) .
ما أطيب ريحها وما أروعه !!
فتستنشقي نسيم طيب الكافور والمسك وتسمعي حسن تغريد الأطيار وخرير تلك الأنهار وما لا تصفه ألسنة الواصفين ولا يخطر ببال المتفكرين
هنا حالة من الطيران والشوق غير العادي تخيليه هل نركض أم نهرول أم هناك وسائل تسحبنا دون جهد للباب حسب العمل .
لاشك أنه السباق السباق والمزاحمة على أبواب الجنة

من أي أبواب الجنة ستدخلين :

هناك أبواب وليس باب واحد فكم يا ترى عددها ؟؟!
للجنة أبواب يدخل منها المؤمنون والمؤمنات جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ(، وفي الصحيحين عن ‏سهل بن سعد t عن النبي r ‏قال : (‏ ‏فيالجنة ثمانية أبوابباب منهايسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل غيرهم)
وهناك باب للمكثرين والمكثرات من الصلاة ، وباب للمتصدقين والمتصدقات ، وباب للمجاهدين ، ففي الحديث المتفق عليه عن ‏ ‏أبي هريرة t أن رسولالله r‏ قال : (‏ ‏منأنفقزوجينفيسبيل اللهنودي فيالجنةيا عبداللههذا خير فمن كان من أهل الصلاةدعيمنبابالصلاة ومن كان من أهل الجهاددعيمنبابالجهاد ومن كان من أهلالصدقةدعيمنبابالصدقة ومن كانمن أهل الصيامدعيمنباب‏‏الريان‏ ، ‏قال‏ ‏أبو بكر الصديق : ‏يا رسولاللهما على أحديدعىمن تلكالأبوابمن ضرورة فهليدعىأحد من تلكالأبوابكلها قال رسولالله‏r‏: نعموأرجو أن تكون منهم )
فهذه أربعة أبواب سميت ، ولا نعلم عن أسماء البقية والله أعلم ، لنزداد شوقاً في طلبها ..
أبوابها حق ثمانية أتت ******** في النص وهي لصاحب الإحسانباب الجهاد وذاك أعلاها وبا ******** ب الصوم يدعي الباب بالريان ولكل سعي صالح باب ورب ******** السعي منه داخل بأمان

أين المفتاح ؟!! :

أين المفتاح لنفتح الباب ؟!!
تلك الدار لا تُفتح إلا بمفتاح قد تعاهدته صاحبته واهتمت به ..
وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ليس مفتاح إلاّ له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك ، وإلا لم يُفتح لك [1] ..
فإياكِ أن تثلمِ منها شيئا .
يقول ابن القيّم :
هذا وفتح الباب ليس بممكن******** إلا بمفتاح على أسنانمفتاحه بشهادة الإخلاص والتو********حيد تلك شهادة الإيمانأسنانه الأعمال وهي شرائع الـ********إسلام والمفتاح بالأسنان
كيف حلق الباب ؟!! :
والآن اسمعي أخيتي إلى الشفيع r وهو يتحدث عن وفد الرحمن : ( وينتهون إلى باب الجنة فإذا حلقة من ياقوت حمراء على صفائح الذهب ) [2] .
حلقة واحدة تتكون من ياقوتة حمراء ما هذه الياقوتة التي على باب بوسع مسيرة أربعين سنة ثم على صفائح من ذهب .. يعني خزين الملوك والبنوك وباطن الأرض لن يغطي صفيحة ولن يكون مشاركا معه سوى بكلمة ذهب .
والآن انظري من يتقدم ويقرع باب الجنة ..
يتقدمنا أفضل الخلق سيد ولد آدم صلوات ربي وسلامه عليه محمد المبعوث رحمة للعالمين ليقرع باب الجنة

والمشتاقات خلفه .. يتطلعن إليه وإليها

قال رسول الله r : ( أنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة)أخرجه مسلم
يخرج سيد ولد آدم يوم القيامة محمد عليه الصلاة والسلام ، فإذا به يأخذ حلقة من حلقات أبواب الجنة ، فيقول الملك: من أنت ؟ فيقول : أنا محمد - بكل أدب وتواضع عليه الصلاة والسلام - فيقول الملك: لك أمرت ، لا أفتح لأحد قبلك .
فتصوري أن الباب قد فُتح ، وتخيلي أنكِ تنظرين إلى ذلك الباب ، وأنكِ تنتظرين الإذن لتدخلي إلى تلك الجنان ..

ما أوسع هذه الأبواب !!

والآن تأملي رعاك الله قوله تعالى حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ((الزمر:73)
لنتأمل أخيتي مدى سعة تلك الأبواب التي تُفتح ..
سبحان الله .. هذه الأبواب في غاية الوسع والكبر ..
واسمعي إلى الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو يصف وسع باب من أبواب الجنة كما في مسند الإمام أحمد فيقول : (‏ ‏ما بين‏مصراعين‏ ‏فيالجنة كمسيرة أربعين سنة)
وابشري أخيتي فلهذه الأمة باب مختص بهم يدخلون منه دون سائر الأمم كما بلغنا المبعوث رحمة للعالمين r بذلك حيث قال : ( ‏باب أمتي الذي يدخلون منه الجنة عرضه مسيرة الراكب ‏المجود ‏ ‏ثلاثا ثم إنهمليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم ‏ ‏تزول ) رواه أحمد
وهذا مطابق للحديث المتفق عليه إن ما بين المصراعين كما بين مكة وبصرى فإن الراكب المجد غاية الإجادة على أسرع هجين لا يفتر ليلاً ولا نهاراً يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه .
وتخيلي أخيتي عرض الباب - سبحان الله - تحتاجين إلى ثلاثة أيام من الإسراع على حصان حتى ينتهي عرض الباب فقط أي ما يقارب 1500كم تقريباً .. فما بالك بطوله ..
إنها ساعة من ساعات الازدحام عند أبواب الجنة
فلم الازدحام ؟ إنه الضمأ والشوق
و يا رحمة الله ما أوسع فضل الله
فلنحمد الله جميعاً أختي الغالية أن جعلنا من أمة محمد r .
واعلمي رحمكِ الله قوله سبحانه جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ ((ص : 50) فإن فيه معنى بديعاً وهو أنكِ إذا دخلتي الجنة لم تغلق أبوابها عليكِ بل تبقى مفتحة كما هي[3] ، وكلمة مفتحة عائدة على الأبواب الثمانية وليس أبواب قصرها المقصورة عليها والله أعلم ..
إن في تفتيح الأبواب لكِ إشارة إلى تصرفكِ وذهابكِ وإيابكِ وتبوئكِ في الجنة حيث شئت ودخول الملائكة أو الولدان عليكِ كل وقت متى شئت بالتحف والهدايامن ربكِ ، وأيضاً إشارة إلى أنها دار أمن لا يُحتاج فيها إلى غلق الأبواب كما كنت تحتاجين إلى ذلك في الدنيا .
ولما كانت الجنات درجات بعضها فوق بعض كانت أبوابها كذلك وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت ، فعاليها أوسع مما دونه وسعة الباب بحسب وسع الجنة فإن أبوابها بعضها أعلى من بعض[4] ..
تخيلتي أختي الغالية الإبداع الهندسي الذي لا تعرف البشرية له مثيل ..فسبحان الخالق المبدع الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .