شارع الحمراء ( بيروت)

[محمدسالمان]

شارع الحمراء
بيروت

انه شارع الحمراء ذاته. الشارع الذي يتدفق إليه الناس كل يوم، كطوفان يجتاح المكان، سيما الشعراء والمثقفين، الحقيقيين منهم والمدّعين، الذين يرتادون مقاهي وحانات هذا الشارع أكثر من إرتيادهم لمنازلهم. والمقهى، في أساس التسمية، هو المكان الذي يحتسي فيه الناس القهوة. لكنه في القاموس اللبناني يتعدى هذا التعريف، ليكون ملجأً لكتاب وشعراء، وسواح ومتسوقين ومهرباً من روتين المدينة، ومكاناً للإنطلاق مجدداً للعبث في تفاصيلها.
طقوس خاصة
بيروت كانت دائماً مكاناً لإحتواء المثقفين والسياسيين المعارضين، ومنبراً لمهاجمة السلطات، وممارسة النقد السياسي اللاذع، ولم تشذّ الحمراء ومقاهيها عن هذه القاعدة أبداً، فظلت على الدوام، مقصداً لجميع هؤلاء. ومقاهي الحمراء هي من صنف مقاهي الأرصفة التي نشأت في بدايات الخمسينات والستينات، مع الإزدهار الإقتصادي والإجتماعي الذي شهدته بيروت، فكانت المودكا (التي اقفلت وتحولت الى متجر للألبسة) و"الويمبي" و"الهورس شو" و"الكافي دو باري" وغيرها من المقاهي تستقبل على طاولاتها أشهر الشعراء والمثقفين، وبعض الشباب الباحثين عن علاقات مع رجالات الصحافة والإعلام، علهم يحصلون على كلمات السر الضرورية لولوجهم الى عوالم الثقافة والكتابة والإبداع. ولكل مقهى في الحمراء طرائق سلوكه، وطقوسه الخاصة، فالكافي دو باري، يدل اسمها عليها وعلى نمط روادها الذين ينتمون الى مؤيدي الثقافة الفرنسية بشكل أساسي، فيما رواد "الستار باكس" مثلاً، يبقون من طلاب الجامعة الأميركية، إضافة الى بعض المتطفلين على الثقافة الأميركية المتجهة الى قضم العالم كساندويش هامبرغر.
شارع الحمراء الذي يمتد على مسافة لا تتعدى الكيلومتر الواحد،>ولاذي لا يتجاوز عرضه ال 15متراً < مليء بالمقاهي والحانات المشهورة التي تستمد استمراريتها من روادها القدامى والجدد، من جيل الحرب وجيل السلم، من الشباب والكهول. فللشباب همومهم أيضاً، وبينهم شعراء وكتاب وصحافيين وطلاب جامعات، يذهبون الى تلك الأمكنة، الهادئة منها والصاخبة، في محاولة لإيجاد الذات "المثقفة" على طاولاتها، أو للقاء بالوجوه المشهورة، أو لتمرير الوقت واللهو والمرح. وكانت مقاهي شارع الحمراء تستقطب شعراء كبار أمثال محمد الماغوط، ويوسف الخال، وأدونيس، وبول شاوول، وغيرهم الذين أنتجوا معظم شعرهم على طاولات تلك المقاهي، حيث يلجأون الى عزلتهم الداخلية ويبقون في الآن ذاته في خضمّ هدير الحياة ودبيبها، إلا انها(مقاهي الحمراء) الآن، وإن كانت لا تزال تستقطب بعضاً من جيل هؤلاء، لكنهم يبدون غرباء عن محيطهم، في ظل غزو الشعراء الشباب لهذه المقاهي، لاحتلال كراسيها التي كان يجلس عليها السابقون، الأحياء منهم والموتى.
المقهى رئة المدينة. والمكان الذي يتنفس فيه الجميع، ويتخلصون فيه من همومهم. هو أحد طقوس الحرب اللبنانية البشعة، مع أنه لا يشبهها. هو مكان للعبث وتحدي الروتين.. بالروتين. هو مكان يجمع بين الصمت والكتابة. بين الصخب والهدوء، بين العزلة وكيمياء الإختلاط الإجتماعي. هو مكان لإستراحة المحاربين، بعد معارك أهلية طاحنة، بين مسلمين ومسيحيين، يجلسون الآن على الطاولات ذاتها، ويخلطون لعابهم بنفس القهوة، ونفس المشروبات.

حياة الليل
الحياة في شارع الحمراء لا تقتصر على النهار فحسب، بل إن لليل نبضه وأمكنته في هذا الشارع الذي لا يعرف النوم. فالشباب بشكل عام، يشكلون العصب الأساسي لحانات الحمراء، التي تجمع "شللاً" من الأصدقاء والعشاق ومحبي السهر والسمر . يستقبل "البارومتر"، على سبيل المثال لا الحصر، ليلياً أعداداً لا بأس بها من الشبان والصبايا، الباحثين عن المرح والمشروب والمأكولات الجيدة بأسعار مقبولة.. والمكان يستقطب عادة الفئة اليسارية من الشباب اللبناني، نظراً للطابع اليساري للمكان، إن عبر الصور الملصقة على جدرانه أو عبر الموسيقى الرحبانية التي تعبق في المكان.

غير بعيد عن "البارومتر" يقع مطعم "الريغيستو"، وهو مكان ليلي آخر، له نمطه وطابعه الخاص، المميز بالخدمة الجيدة والمأكولات الغربية، والمشروبات على أنواعها، وفيه يجتمع كثيرون لتمضية سهراتهم حتى ساعات متأخرة من الليل، ينتقلون بعدها الى "جدل بيزنطي" في كراكاس، حيث يجتمع الشعراء، ويلقون قصائدهم بين كأسٍ وأخرى. أو قد يذهبون الى "الشي اندري" حيث مجموعة اخرى من الشعراء والمثقفين تجتمع كل ليل جمعة لتشرب وتسمر وتلقي الشعر في فضاء المكان. الى هنا يأتي هؤلاء، ليتنفسوا بعضاً من حريتهم وشعرهم وأفكارهم التي لا تجد لها مكاناً في خضم اللعبة الإجتماعية التي تجري خارج أسوار الحي البيروتي الذي يغنيه خالد الهبر قائلاً: "خذني معك وديني ع شارع الحمرا...

[شذى22]

شارع جميييل ولبنان كلها غايه فى الجمال
شكرا لك