الكراسي المصفوفة بشبه دائرة تعتليها أجساد ملتحفة السواد همهمات مبتورة... أحاديث تتناثر مترافقة مع الدمعات التي تسقط بين لحظة وأخرى..


تَهمس إحدى النساء وهي تهز رأسها ربما بعدم إقناع " بعد الدفن تهدأ النفوس!"


ماذا سيهدئها والرجل عامود البيت، غادره محمولاً على الأكتاف في تابوته الخشبي! خلِّف وراءه أطفالا أكبرهم في السادسة.


موجة حزن شاحبة تغيم على المكان,ودموع الزوجة تنسل بسكون مذهول، تحس البيت أشبه بخرم ابره والعالم أصبح خاوياً..


وأشرق صبحٌ جديد , خيم فيه على البيت سكونٌ مملوء بالمرارة


استيقظت باكراً كعادتها على أمل أن تُحضر له افطارا وتشاركه من خلاله حديثاً صباحياً مع فنجان قهوته المعتاد قبل أن ينطلق الى عمله فقد أمِلت أن يكون الأمس مجرد كابوس مزعج استيظقت منه سريعاَ


شعرت بمرارة الحزن والفقد عندما أدركت مُحاولتها البائسة لاسترجاع الماضي


انطلقت لتلك الشرفة في محاولة لاسترجاع ذكرياته المتبقية , كانا كعادتهما يجلسان صباحا يتحاوران بشأن الحياة وماتخبئه لهم ولم يدركا انها تخبئ لها وجعاً مملوء بفقده


أدمنت ماتبقى من ذكراه ,عشقت كل تلك التفاصيل الغائبة عنها ,فلم يعد هاهو هنا ليؤنس وحدتها ولاليكون رفيقا مؤنسا لها,فما عادت ترى في الدنيا مأوى لحزنها ووجعها ,وانتهت كل احلامها بفقدانه.


أمست وأصبحت على ذكراه تعاتب الفقد


أيها الفقد لمَ تسلُبنا ارواحنا التي كرهنا الدنيا دونها ولم يظل من بعدك الحزن جليساً لنا


لم يعد لورقات التقويم اي معنى دون وجوده فقد كانت تعد الأيام والساعات للقاءه حين يغيبُ عنها ,أما الان فقد رحل بلا رجعة.


لم يعد هناك اي داعي لاستمرار الأيام مجددا فقد بات كل شئ باهتاً رمادياً فلم يعد في الحياة أي لون مبهج بعد رحيله


واصبحت تلك الشرفة هي ماضيها وحاضرها


تحتفظ فيها بما تبقى من ذكرياته لها وحدها