هذا التقرير المقدم من الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني وهو أكبر بنك كويتي واستراتيجي في الكويت بل له تمركز قوي على مستوى الشرق الأوسط ، يذكرني بكلام الأستاذ أحمد بوتيبان صاحب الجدول السحري في العملات عندما قال إن الدولار والولايات المتحدة متجهه إلى أمور غير ظاهرة

التقرير معكم منشور في جريدة الراي الكويتية


مهما أطلق الجمهوريون من تهديدات بعدم الموافقة على رفع سقف الاقتراض، ومهما حاول الديموقراطيون استنساخ رؤسائهم وقادتهم السابقين لينقذوهم من هذه الورطة، فإن على الحكومة الأميركية استحقاقات تتجاوز حدود المناوشات السياسية، وتفرض على السياسيين مسؤوليات مهمة تتعلق بلقمة عيش الأميركيين قبل كل شيء.
وإلى جانب الفوائد على سندات الدين، أمام الحكومة الأميركية استحققات تتعلق برواتب المتقاعدين وافراد الجيش والشرطة وموظفي الوزارات المختلفة. ويبلغ اجمالي هذه الاستحقاقات والالتزامات من 3 أغسطس وحتى 15 أغسطس 2011 فقط، 156 مليار دولار. فيما الإيرادات المتوقعة (من ضرائب وغيرها) قد تصل الى 83 مليار دولار. لذلك فإن العجز الدفتري لمدة 14 يوما يبلغ 73 مليار دولار، لا خيار أمام الحكومة إلا اقتراضها بإصدار سندات سيادية، وهنا بيت القصيد.
ليس من السر القول إن عدم توصل القادة الأميركيين إلى حل في شأن رفع سقف الدين سيطلق ما يشبه رصاصة الرحمة على كل الآمال بتعافي الاقتصاد العالمي وانتعاشه، بل من شأنه أن يولد أزمة عالمية جديدة وخيمة العواقب. فهل الجمهوريون على استعداد للتضحية باقتصادهم وبالعالم في سبيل ارضاء طموحاتهم السياسية؟ وهل يعي أصحاب القرار مسؤولياتهم ليس فقط تجاه شعبهم بل أيضا تجاه شعوب العالم؟
لكن الأهم في هذه المأساة الأميركية هو ما يتعدى اللحظة الآنية، إلى ما يتعلق بصورة الولايات المتحدة والثقة بها وبقدرتها على قيادة الاقتصاد العالمي. لقد بلغ الارتباك بأحد الأحزاب في الولايات المتحدة إلى التوسل للحزب الآخر برفع سقف الدين لما يكفي لسنة واحدة فقط. فهل تحولت الولايات المتحدة- وهي أكبر اقتصاد في العالم وصاحبة أقوى جيش في العالم- الى متسول فاقد القرار؟
من المؤكد أن الولايات المتحدة ستعيش فترة من التقشف الحقيقي وسينخفض النمو الاقتصادي الى الصفر أو ما دونه، ولكن ذلك كله لن يكون كافياً، لأن المصروفات وزيادة الضرائب ستكون محورية في مرحلة ستجد فيها الولايات المتحدة حتماً صعوبات في الاقتراض من الصين واليابان ودول الخليج ذات الفوائض. وهذه بالنهاية نتيجة منطقية للانفاق المتزايد من دون احتساب، ونتيجة طبيعية لمن يعيش بمستوى يفوق قدرته على الانفاق، وهو ما كان عليه حال الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية.
ليس لنا إلا الأمل بأن يتوصل العقلاء الى حل لهذه الأزمة، بانتظار الوقت الذي تصبح فيه الصين والهند دولاً عظمى تشارك الولايات المتحدة قيادة العالم. للتخبط الذي تعيشه الولايات المتحدة عبَر كبيرة ودلالات كثيرة، أهمها أن العالم اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب، يكون فيه للولايات المتحدة ما لغيرها، وعليها ما عليهم.


* الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني
عضو مجلس إدارة معهد التمويل الدولي (IIF) ومجموعة «بريتون وودز» العالمية بواشنطن

المصدر :
http://www.alraimedia.com/Alrai/Arti...&date=01082011