دفعت إجراءات التقشف التي تعتبر أساساً لليونان للخروج من أزمتها المالية، رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو إلى إجراء تعديل وزاري يرمي إلى تسهيل إقرار القانون الخاص بإجراءات التقشف التي تمليها على أثينا الجهات المساهمة لقرضها رزمة مالية ثانية قد تصل إلى مئة مليار يورو.

وأصبح وزير الدفاع السابق ايفانغلوس فنيزيلوس- الرجل القوي الجديد في الحكومة اليونانية- وزيراً للمالية ونائباً لرئيس الوزراء من خلال التعديل الذي يرمي إلى تسهيل إقرار قانون التقشف الذي يعتبر أساسياً للبلاد والاتحاد الأوروبي.

وقد عين باباندريو، فنيزيلوس (54 عاماً) وزيراً جديداً للمالية خلفاً لجورج باباكونستانتينو ونائباً لرئيس الوزراء إلى جانب نائب رئيس الوزراء الحالي تيودوروس بنغالوس، كما أعلن متحدث باسم الحكومة.

وبذلك أصبح فنيزيلوس، الذي حاول عبثاً الفوز بقيادة الحزب الاشتراكي في منافسة باباندريو في 2007، الشخصية الأساسية في حكومة مصغرة تم فيها خفض عدد وزراء الدولة

وبقي باباكونستانتينو، مهندس إصلاحات التقشف وخطة الدعم الأوروبي لليونان، عضواً في الحكومة لكنه انتقل إلى وزارة البيئة.

وكان تنحي باباكونستانتينو الذي يحظى بالتقدير في الخارج متوقعاً، وقد انتقده نواب الحزب الاشتراكي الحاكم لإقدامه على فرض التقشف على اليونانيين من أجل الحصول على القرض البالغة قيمته 110 مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي و«صندوق النقد الدولي» في مايو 2010 للحؤول دون وقوع البلاد في الإفلاس.

وتولى فنيزيلوس، من سالونيكي (شمال) ثاني مدن البلاد والذي أتم قسماً من دروسه في فرنسا، مهمة التحضير للألعاب الأولمبية في 2004 في اليونان.

ووزير الخارجية الجديد في الحكومة هو سترافوس لامبرينيدس (49 عاماً) الذي كان رئيس الكتلة النيابية الاشتراكية اليونانية في البرلمان الأوروبي، وهو مقرب من باباندريو.

وأصبح بانوس بغليتيس، الذي كان حتى الآن يتولى منصب سكرتير الدولة للدفاع، وزيراً للدفاع.

وأعطي لعضوين في الفريق السابق قاما بإصلاحات صعبة، هما وزير الصحة أندرياس لوفيردوس وسكرتير الدولة للعمل جورج كوترومانيس، مسؤوليات إضافية.

وأصبح أستاذ سابق في الصحة العامة في لندن سكول أوف ايكونوميكس إلياس موسيالوس المتحدث الجديد باسم الحكومة.

وغادر اثنين آخرين مقربين من باباندريو هما تينا بيربيلي التي كانت حتى الآن وزيرة البيئة ووزير الخارجية ديميتريس دروتساس الحكومة.

وتنص خطة التقشف التي سيجرى التصويت عليها قبل نهاية الشهر على ادخارات إضافية تبلغ 28 مليار يورو (40 مليار دولار) قبل 2015، خصوصاً عبر رفع الضرائب وتطبيق خطة خصخصة كثيفة.

وإقرار هذه التدابير هو الشرط الضروري الذي وضعته البلدان المانحة والاتحاد الأوروبي و«صندوق النقد الدولي» للإفراج عن مساعدة مالية جديدة للبلاد، التي تجد نفسها بعد عام على المساعدة الأولى مرة أخرى على شفير الإفلاس.

ويجري التفاوض بين جميع الشركاء الأوروبيين على رزمة ثانية من المساعدة الأوروبية من 60 إلى 100 مليار يورو كما تفيد المصادر.

ومن المقرر أن تكون في جدول أعمال المناقشات بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اللذين سيلتقيان من أجل تقريب وجهات النظر الفرنسية والألمانية حول هذا الملف قبل اجتماع المجلس الأوروبي الأسبوع المقبل في بروكسل.

وكانت استقالات من البرلمان هددت أمس بإحباط مساعي جورج باباندريو إلى إجراء التعديل الحكومي ونيل الموافقة على إجراءات التقشف المطلوبة لإنقاذ البلد من العجز عن سداد الديون.

وألقى الاضطراب السياسي ظلالاً من الشك على الخطة الخمسية للحكومة الاشتراكية التي طالب بها مقرضون رئيسون لخطة الإنقاذ والتي تشمل زيادة الضرائب وتقليص الإنفاق وبيع ممتلكات للحكومة، الأمر الذي أثار مخاوف مستثمرين يخشون أن تؤثر المشاكل في الأسواق العالمية.

وذكر باباندريو في كلمة أمام البرلمان أنه سيلتزم بمسار الإصلاح، ويواصل السعي إلى توافق أوسع نطاقاً بين الأحزاب السياسية في اليونان.

وقال «ردنا على التحديات التي نواجهها هو الاستقرار والاستمرار على مسار الإصلاح».

لكن محللين قالوا إن باباندريو قد يواجه صعوبات متزايدة في سبيل تشكيل الحكومة الجديدة والحصول على موافقة على إجراءات التقشف وسط فوضى سياسية أعقبت إضرابات واحتجاجات عنيفة عمت أنحاء البلاد الأربعاء الماضي. واستقال نائبان اشتراكيان أول من أمس احتجاجاً، وسيحل محلهما اثنان آخران من الحزب نفسه.

وتراجعت الأسهم عالمياً إلى أدنى مستوى منذ ثلاثة أشهر، كما تهاوى اليورو، وارتفعت تكلفة تأمين الدين اليوناني ضد العجز عن السداد إلى مستوى قياسي جديد. وبدأت احتمالات أن تسفر الأزمة اليونانية عن فوضى وكارثة تلوح نذرها في الأسواق المالية، رغم أن العديد من المستثمرين مازال لا يعتقد أن كارثة ستحدث.

وقال «صندوق النقد الدولي» إن استمرار المساندة المالية لليونان يتوقف على تبني أثينا إصلاحات اتفق عليها بالفعل. وقالت مصادر في منطقة اليورو إن الصندوق سيفرج عن الدفعة التالية من المساعدات التي تشتد حاجة اليونان إليها في يوليو.

لكن مصادر أخرى قالت إن ألمانيا ومساهمين آخرين في حزمة الإنقاذ التي يمولها الاتحاد الأوروبي يريدون تأجيل تنفيذ اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بخصوص برنامج جديد للإنقاذ قيمته 120 مليار يورو إلى سبتمبر، بسبب خلافات بخصوص كيفية إشراك مقرضين من القطاع الخاص.

وفي تعبير عن الإحباط الدولي المتزايد من انعدام الإرادة السياسية للإصلاح في اليونان، حذرت المفوضية الأوروبية من أن أثينا يجب أن تنفذ برنامجها للتقشف حتى تستمر في الحصول على أموال.

وثمة خطة لزيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق بما قيمته 6.5 مليار يورو (9.4 مليار دولار) العام الجاري، وهو مثلي المتفق عليه بالفعل من خلال إجراءات تسببت في ارتفاع البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 16.2 بالمئة، واستمرار ركود عميق للعام الثالث.

وطالب الاتحاد الأوروبي و«صندوق النقد الدولي» بخطة التقشف الخمسية الجديدة كشرط للإفراج عن الشريحة التالية من المساعدات التي تبلغ قيمتها 12 مليار يورو والتي تحتاج أثينا إلى جزء منها لسداد دين يستحق السداد في أغسطس وكان عشرات الآلاف من اليونانيين تجمعوا الأربعاء الماضي أمام البرلمان احتجاجاً على إجراءات التقشف، بينما ألقى مثيرون للشغب قنابل حارقة على مقر وزارة المالية وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.

وقال أنطونيس ساماراس، زعيم المعارضة، إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو إجراء انتخابات مبكرة. وقال محللون إن ذلك لن يحدث إلا إذا فشلت الحكومة في اقتراع على الثقة.

وواجه رئيس الوزراء اليوناني أسابيع من المعارضة من أعضاء في حزبه «الباسوك» بشأن حزمة التقشف وقبل ساعات من إعلان رئيس الوزراء التعديلات الوزارية، تخلى نائب اشتراكي بارز في البرلمان، وهو وزير النظام العام السابق جورجوس فلوريديس، عن مقعده، وهو ثاني عضو اشتراكي يقوم بتلك الخطوة الأسبوع الماضي، لذا فلن يكون للاستقالة تأثير في أغلبية الحكومة البالغة 155 مقعداً في البرلمان المؤلف من 300 مقعد.

وقال فلوريديس إنه «لسوء الحظ أخفقت قيادة أكبر حزبين سياسيين مرة أخرى في أن ترتقي إلى مستوى الظروف الوطنية بطريقة لن تغتفر سياسياً».

وتعد الاستقالة أحدث انتكاسة لباباندريو الذي تعرض لغضب الرأي العام وانتقادات من داخل حزبه قبل إجراء التصويت على الجولة الجديدة من إجراءات التقشف.

وجاء قرار تعديل مجلس الوزراء بعد أن فشلت مفاوضات تشكيل ائتلاف مع أحزاب المعارضة والتي تزامنت مع اشتباك مثيري شغب مع الشرطة في وسط العاصمة أثينا خلال إضراب عام لمدة 24 ساعة.