صلاة الخوف





أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة ذات



الرقاع, وبيَّن القرآن الكريم صفة الصلاة ساعة مواجهة العدو قال تعالى: ( وَإِذَا



كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا



سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا



حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ



عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنْتُم مَّرْضَى أَن



تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) [النساء: 102].



فقد صلى المسلمون صلاة الخوف، وصفة هذه الصلاة أن طائفة صفت معه،



وطائفة في وجه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم



ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي



بقيت في صلاته، ثم ثبت جالسًا، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم([1]).





وفي رواية: أنه صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا, وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين،



فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان([2]). قال





الدكتور البوطي: ووجه التوفيق بين الحديثين أنه عليه الصلاة والسلام صلى



بأصحابه صلاة الخوف أكثر من مرة فصلاها مرة على النحو الأول, وصلاها مرة



أخرى على النحو التالي.





وكانت هذه الصلاة بمنطقة نخل التي تبعد عن المدينة بيومين([3]), ودل تشريع صلاة



الخوف على أهمية الصلاة فحتى في قلب المعركة لا يمكن التساهل فيها، ولا



يمكن التنازل عنها، مهما كانت الظروف؛ وبذلك تندمج الصلاة والعبادة بالجهاد وفق



المنهاج النبوي في تربية الأمة الذي استمد من كتاب الله تعالى، فلا يوجد أي



انفصال أو انفصام بين العبادة والجهاد.





وقد اختلف أهل المغازي والسير في تاريخ هذه الغزوة، وقد ذهب البخاري([4])



إلى أنها كانت بعد خيبر، وذهب ابن إسحاق([5]) إلى أنها بعد غزوة بني النضير،



وقيل بعد الخندق سنة أربع، وعند الواقدي([6]) وابن سعد([7]) أنها كانت في المحرم



سنة خمس.





وقد ذكر البوطي بأن تاريخ الغزوة كان في السنة الرابعة للهجرة بعد



مرور شهر ونصف تقريبًا على إجلاء بني النضير، وقال بأن هذا الرأي



ذهب إليه أكثر علماء السير والمغازي([8])





--------------------------------------------------------------------------------

([1]) انظر: السيرة في ضوء المصادر الأصلية، ص425.

([2]) مسلم (2/576) رقم 311.

([3]) انظر: فقه السيرة النبوية للبوطي، ص207.

([4]) البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع (5/62) رقم 4128.

([5]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/225).

([6]) انظر: المغازي للواقدي (1/395).

([7]) انظر: الطبقات لابن سعد (2/61).

([8]) انظر: فقه السيرة النبوية، ص194.