[ قُصاصة وُجدت في جيب يحيى بن خالد البرمكي بعد موته , بكى منها هارون الرشيد]




لا أحد - درس تاريخ الدولة العباسية أو نظر فيه - يجهل ( البرامكة )


وهم
أسرة من أصل فارسي , كانوا وزراء لبعض الخلفاء العباسيين , ثم إن الخليفة
هارون الرشيد غضب عليهم ونكب بهم واعتقلهم وقتل بعضهم , فكانت نكبة من
نكبات التأريخ , عُرفت فيما بعد بنكبة البرامكة , والغريب أن والد هذه
الأسرة ( يحي بن خالد البرمكي ) كان بمنزلة الوالد لهارون الرشيد .



قال
الحافظ ابن كثير : ضَمَّ إليه المهدي ولده الرشيد فرباه وأرضعته امرأته مع
الفضل بن يحي , فلما ولى الرشيد عرف له حقه وكان يقول : قال أبي قال أبي .
وفوض إليه أمور الخلافة وأزمتها ولم يزل كذلك حتى نكبت البرامكة فقتل جعفر
وخلد أباه يحي في الحبس حتى مات .



( قال ) : وكان كريما فصيحا ذا رأى سديد يظهر من أموره خير وصلاح . قال يوما لولده : خذوا من كل شئ طرفا ؛ فإن من جهل شيئا عاداه .


وقال لأولاده : اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون .


قال له بعض بنيه وهم في السجن والقيود : يا أبت بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال !


فقال : يا بنى دعوة مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها .


وقد
كان يحيى بن خالد يُجري على سفيان بن عيينة كل شهر ألفَ درهم , وكان سفيان
يدعو له في سجوده يقول : اللهم إنه قد كفاني أمرَ دنياي , فاكفه أمرَ
آخرته !



فلما مات يحيى, رآه بعض أصحابه في المنام, فقال : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بدعاء سفيان .



قال الحافظ ابن كثير : وقد وُجد في جيبه رقعة مكتوب فيها بخطه :


( قد تقدم الخصم , والمُدَّعَى عليه بالأثر , والحاكمُ : الحكمُ العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة ) فحملت إلى الرشيد فلما قرأها بكى يومه ذلك وبقي أياما يتبين الأسى في وجهه .