النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    الصورة الرمزية قاسم
    قاسم غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    843

    افتراضي صراع اليورو دولار في إطار العلاقات الاقتصادية الأوروبية الأمريكية( منقول وهام )

    الملخّص 

    يناقش البحث قضية تعميم اليورو وما يثيره من التساؤلات في البيئة الاقتصادية الدولية، أبرزها: هل باستطاعته أن يصبح عملة عالمية قوية؟، هل هو مؤهل لذلك؟، كيف ستكون تأثيراته على الاقتصاديات الأوروبية والدولية؟، هل ستنجح هذه العملة في اكتساب ثقة المتعاملين واحترام المستثمرين؟، هل ستنجح في صوغ هوية أوروبية موحّدة، أم أن غياب مثل هذه الهوية سيكون كافياً للقضاء عليها في المهد؟، هل ستشكل منافساً جدياً للدولار أم ترضى بموقعها كعملة عالمية ثانية؟. وما هي منعكسات الصراع بين اليورو والدولار على العلاقات الأوروبية الأمريكية؟... وغيرها من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عليها من خلال إلقاء الضوء على بعض ملفات اليورو.

    كلمات مفتاحية: الاتحاد الأوروبي، الإيكو، اليورو، تحديات سياسية، تحديات اقتصادية، صراع اقتصادي.

    مقدمة:
    بإطلالة الأول من كانون الثاني/2002 وصل الاتحاد الأوروبي ( European Union) إلى محطة بارزة في مسيرته الاقتصادية، ألا وهي بدء تعميم اليورو (Euro) كعملة موحدة للتداول على نطاق اثنتي عشرة دولة أوروبية (وقد توسعت فيما بعد إلى 27 دولة) مكونة بذلك ما أصبح يعرف في الأدب الاقتصادي بمنطقة اليورو. لقد شهدت البيئة الاقتصادية الدولية في الحقبتين الماضيتين مولد الكثير من التكتلات الاقتصادية، إلا أن الاتحاد الأوروبي بإنجازه هذا لا يكون قد تقدم عليها وحسب، بل يكون الوحيد من بين هذه التكتلات الذي أكد بالفعل أنه الأكثر قدرة على المضي قدماً في تنفيذ برامجه الموضوعة بقوة وجدية متناهية الدقة.
    لقد أثار حدث تعميم اليورو العديد من التساؤلات في البيئة الاقتصادية الدولية، أبرزها:
    • هل باستطاعته أن يصبح عملة عالمية قوية؟ وهل هو مؤهل لذلك؟.
    • كيف ستكون تأثيراته على الاقتصاديات الأوروبية والدولية؟ وهل ستنجح هذه العملة في اكتساب ثقة المتعاملين واحترام المستثمرين؟.
    • هل ستنجح العملة الأوروبية الموحدة في صوغ هوية أوروبية موحّدة، أم أن غياب مثل هذه الهوية سيكون كافياً للقضاء عليها في المهد؟.
    • هل ستشكل منافساً جدياً للدولار أم ترضى بموقعها كعملة عالمية ثانية؟.
    • هل ستشكل نموذجاً تحذو حذوه تجمعات إقليمية مماثلة، مما يفتح الباب أمام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب؟.
    • ما هي منعكسات الصراع بين اليورو والدولار على العلاقات الأوروبية الأمريكية؟...
    وغيرها من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عليها من خلال إلقاء الضوء على بعض ملفات اليورو.

    مشكلة البحث وأهميته:
    تنطلق مشكلة البحث من كون أن نظام النقد الدولي يعاني من عدم الاستقرار، ويتصف بأنه أحادي القطب وتشرف الولايات المتحدة عليه بمفردها، ولاسيما أن الكثير من دول العالم تربط عملاتها بالدولار الأمريكي مما يؤدي إلى أزمات خطيرة لاقتصاديات تلك البلدان في حال تغير أسعار صرف الدولار زيادة أو نقصاناً. وبالتالي تنبع أهمية البحث من خلال تسليط الضوء على العملة الأوروبية الموحدة كونها عملة مؤهلة لمنافسة الدولار عالمياً وبالتالي إمكانية أن يلعب اليورو دوراً في إعادة الاستقرار للنظام النقدي الدولي.

    هدف البحث:
    يهدف البحث إلى تسليط الضوء على العملة الأوروبية الموحدة من ناحية النشأة التاريخية والتحديات التي يفرضها انطلاق هذه العملة على المستوى العالمي، إضافة إلى دراسة العلاقة التنافسية بين اليورو والدولار الأمريكي، وبالتالي الوقوف على إمكانية أن يلعب اليورو دوراً هاماً في التنافس بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

    فرضيات البحث:
    يقوم البحث على الفرضيات التالية:
    • هل سيكون لليورو ثقل في النظام النقدي الدولي؟
    • هل يستطيع اليورو إعادة التوازن إلى هذا النظام؟
    • هل يستطيع اليورو منافسة الدولار في احتياطيات البنوك المركزية؟

    منهج البحث:
    سنعتمد في هذا البحث على المنهج التاريخي من خلال عرض المراحل التاريخية التي مر بها الاتحاد الأوروبي وبالتالي استعراض مسيرة العملة الأوروبية الموحدة، وعلى المنهج الوصفي التحليلي لتحليل المعطيات المتعلقة بالتحديات التي تواجه اليورو، وتحليل العلاقة المتبادلة بين اليورو والدولار في إطار العلاقات الأوروبية الأمريكية.
    وفي هذا الإطار سنحاول أن نستعرض في هذا البحث النقاط التالية:
    • مسيرة اليورو والمراحل التي قطعها الاتحاد الأوروبي للوصول إلى عملته الموحدة.
    • التحديات المستقبلية لعملة اليورو سياسياً واقتصادياً، والعقبات التي تعترض دورها المستقبلي في النظام النقدي الدولي.
    • صراع اليورو دولار في إطار العلاقة الأوروبية الأمريكية.

    النتائج والمناقشة:
    أولاً. مسيرة اليورو:
    بدأت مسيرة اليورو في الأول من كانون الأول/1958 بدخول معاهدة روما التي أنشأت الجماعة الأوروبية موضع التنفيذ، ومن ثم شكلت أساساً لوضع لبنة سياسات التنسيق النقدي. ثم جاءت المحطة الثانية في 21/آذار/1972 عندما تم تأسيس اتحاد العملات الأوروبية. أما المحطة الثالثة فجاءت في 13/آذار/1979 عندما تم البدء بتطبيق نظام النقد الأوروبي، والذي تم بموجبه إنشاء ما عرف آنذاك بسلة العملات الأوروبية والتي كانت تستخدم كأساس لحساب العملة الأوروبية المسماة في ذلك الوقت بالإيكو(European currency unit). ثم جاءت المحطة الرابعة في الأول من تموز/1987 عندما أعلن رسمياً عن هدف التوصل إلى اتحاد نقدي أوروبي في إطار معاهدة الجماعة الأوروبية. وقد تلت ذلك المحطة الخامسة في 26-27/حزيران/1989 عندما وافق المجلس الأوروبي على خطة إنشاء الاتحاد النقدي. ثم جاءت المحطة السادسة وهي الأهم في 7/شباط/1992 وذلك بتوقيع معاهدة الاتحاد الأوروبي في (ماستريخت)، والتي حددت هدف إنشاء اتحاد نقدي بحلول العام 1999. ووضعت معايير انضمام الدول إلى هذا الاتحاد وشروط ذلك، وهذه المعايير هي[1]:
    1. ألا يتجاوز معدل التضخم 1.5% وذلك لضمان الاستقرار.
    2. ألا يتجاوز العجز الحكومي 3% من الناتج الإجمالي.
    3. أن يكون الدين الحكومي أقل من 60% من الناتج الإجمالي.
    4. أن يكون سعر الصرف ثابتاً حول معدلات التذبذب المتفق عليها لفترة سنتين.
    5. أن تتم المحافظة على أسعار الفائدة المتوسطة والطويلة الأجل، بحيث لا تتجاوز 2%.
    هذا وقد تم تحديد فترة انتقالية لتنفيذ هذه الشروط على مدى خمس سنوات تبدأ في أول 1994 وتنتهي في نهاية 1998. وتوسعت معاهدة ماستريخت بفضل مراحل وضع العملة النقدية الأوروبية الموحدة موضع التطبيق التدريجي على هذا النحو:
    • المرحلة الأولى تتناول تحرير تدفق رؤوس الأموال والتعاون بين الدول الأوروبية الأعضاء في الأمور الاقتصادية والنقدية والضريبية. وتم فيها توقيع معاهدة ماستريخت حيث امتدت هذه المرحلة من 1/تموز/1990 وانتهت في 31/كانون الأول/1993 بعد الإنجاز الكامل للسوق الأوروبية الموحدة وتحقيق القدر الأكبر من التكافل والتكامل السياسي والاقتصادي بين الدول الأعضاء.
    • المرحلة الثانية تتعلق بالانتقال إلى الوحدة النقدية وتبدأ منذ كانون الثاني/1994 حتى 1/كانون الثاني/1999. ومهمتها إنجاز تنسيق متكامل للسياسات الاقتصادية عبر خفض التضخم ومعدلات الفائدة والسيطرة على العجز والدين العام للخزينة في الدول الأعضاء. وبهدف التوصل إلى تحقيق المعايير والشروط المتفق عليها والضرورية لإنتاج العملة الموحدة جرى إنشاء مجمع أوروبي نقدي (IME) عام 1994 مهمته الإعداد تقنياً لإنتاج العملة الموحدة. هذا المجمع شكل نواة للمصرف المركزي الأوروبي (BCE) الذي سيكون مكلفاً بإصدار العملة الموحدة. تطلبت هذه المرحلة البدء بتحقيق استقلال البنوك المركزية الأوروبية عن حكوماتها.
    • المرحلة الثالثة والأخيرة تتناول إتمام الوحدة النقدية الأوروبية بشكلها النهائي. وتبدأ هذه المرحلة في الأول من كانون الثاني/1999 وتنتهي مطلع العام 2002. وتتضمن إلغاء العملات الوطنية واستبدالها بالعملة الأوروبية الواحدة التي يسكها ويديرها مصرف مركزي أوروبي مستقل على رأسه مجلس إدارة معين من المجلس الأوروبي ومجلس حكام المصارف المركزية في الدول الأعضاء. وبموجب المعاهدة سيتخذ قرار الدخول في هذه المرحلة ابتداء من عام 1996 على أن يدخل حيزّ التنفيذ ابتداء من مطلع عام 1997 وخلال مهلة أقصاها أول كانون الثاني/1999[2].
    وفي بداية العام 2002 صار اليورو عملة يتداولها أكثر من ثلاثمئة مليون مواطن أوروبي، وبعدها بأسابيع قليلة اختفت العملات الوطنية لاثني عشر بلداً أوروبياً تنتمي إلى اليورولاند. وضم الاتحاد النقدي اثنتي عشرة دولة أوروبية لأن دولاً ثلاثاً فضلت البقاء خارجه تحت ضغط رأيها العام المعارض (بريطانية والسويد والدانمرك). ثم اكتسبت منطقة اليورو أهمية متزايدة مع توسيع الاتحاد الأوروبي ابتداء من العام 2004 ليصل في أواخر العقد الجاري إلى 27 دولة أو أكثر.
    ثانياً. التحديات المستقبلية لعملة اليورو:
    إن توحيد العملة النقدية بين دول متقاربة جغرافياً، واستبدال العملات الوطنية بها بالترافق مع سياسات انفتاحية، وحدود جمركية مفتوحة، وحركة تبادل تجاري واسعة النطاق، كل ذلك من شأنه أن يخلق ديناميكية أوروبية داخلية جديدة سترفع سقف التحديات الاقتصادية وتزيد من تداخلها.
    إن الشروط والمعايير الاقتصادية القاسية نسبياً التي فرضتها معاهدة ماستريخت على الدول الراغبة بالانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة اليورو تهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على مستوى قيمة النقد الجديد قبل إنزاله إلى أسواق التداول. فالاختلاف في طبيعة الأنظمة الاقتصادية الأوروبية، والتباين في القدرات الإنتاجية

    المحلية من دولة لأخرى، يحتّم إعادة صياغة شروط اقتصادية ومالية ونقدية تؤسس لتوازن وتوازٍ بين الدول، وتحول دون حصول اختلالات هيكلية تعيد مسألة الوحدة النقدية إلى الصفر. لا بل إن حصول أية اهتزازات نقدية واقتصادية كبيرة، خلال أو بعد تطبيق اليورو، سوف يطيح بالمشروع ويوفره إلى أجيال مقبلة، مما قد يبدّد الوحدة السياسية المرجوة التي تعتمد على الوحدة النقدية والتقارب الاقتصادي كأقرب طريق إليها[1].
    من هنا، فإن تطبيق العملة الأوروبية الموحدة سوف يحتّم على الدول التي تتمتع باقتصاد وطني قوي كألمانيا، أن تهتم بالدول الأخرى ذات الإمكانيات الوطنية المتواضعة نسبياً. لا بل إنها مدعوة لمساعدتها اقتصادياً. إن انحناء المارك الألماني أمام اليورو ينبع أساساً من قرار سياسي، والاستغناء عن قوة المارك على الصعيد الإقليمي الأوروبـي تستلزم مجموعة من الإجراءات النقدية والمالية التي تضمن الانتقال الطبيعي إلى العملة الجديدة دون الإضرار بالمكتسبات التي تحققت على يد العملة الوطنية السابقة. وبالتالي، فإن استمرار تقدم عملة اليورو سيكون مرتبطاً، بالدرجة الأولى، بمدى قدرة الدول الأوروبية الراعية لهذا المشروع النقدي على المحافظة على خط التطوير النقدي والإصلاح الهيكلي. كما يرتبط هذا التقدم، على نحو أساسي، بالدور المحوري الذي سيلعبه البنك المركزي الأوروبي الذي سيحل تدريجياً محل البنوك المركزية الوطنية. والمطلوب في المرحلة الأولى فصل التوجهات السياسية تماماً عن عمل البنك المركزي الأوروبي، ومنحه الفرصة والدعم لكي يعمل على نيل مصداقية نقدية واقتصادية على النطاق الإقليمي الأوروبي وثم على النطاق الدولي. ولقد أثّر الخلاف السياسي حول تسمية أول محافظ أو رئيس لهذا البنك في هذه الناحية المعنوية بالذات[3].
    ومع أن التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية المتنوعة كبيرة، إلا أنه ستكون لدى اليورو القدرة على إعادة صياغة الأسواق المالية الأوروبية والعالمية، وتحويل النظام المالـي الدولي المتعدد إلى نظام ثلاثي أو ثنائي، بحيث تسيطر ثلاث عملات رئيسية أو عملتان على مجمل الحركة الاقتصادية العالمية: اليورو، والدولار الأميركي والين الياباني. كما وسيرتبط النجاح الدولي للاتحاد النقدي الأوروبي بقدرة اليورو على تطوير فاعلية الأسواق المالية الأوروبية وزيادتها. ومن نتائج التحفيز المرجو، تطوير أسواق ائتمانية أوروبية واسعة النطاق، وإعادة هيكلية القطاع المصرفي الأوروبي وتنظيمه، فضلاً عن إنشاء نظام دفع أوروبي متكامل[3].
    إن طرح اليورو في الأسواق سوف يعيد خلط الأوراق في القطاع المصرفي، بحيث ستتزاحم المصارف الوطنية في الدول الأوروبية على إصدار السندات باليورو، كما ستحاول بمجملها توسيع دائرة نشاطاتها لتشمل القارة الأوروبية عبر تقديم خدمات مصرفية بالعملة الجديدة. فإذا تم اعتبار السوق الأوروبية واحدة موحدة، فلقد بلغ حجم السندات والأسهم والقروض المصرفية الأوروبية المتداولة في الأسواق المالية الأوروبية سنة 1995 نحو 27 تريليون دولار، مقارنة بـ23 تريليون دولار للولايات المتحدة الأميركية، و16 تريليـون دولار لليابان. إن الاستفادة من هذا التواجد لليورو في الأسواق المالية الدولية، يؤثر في حجم السيولة وعمقها في السوق كما ويخفض تكاليف التمويل[4].
    وكون اليورو أصبح العملة التي لا تتأثر بوجود الحدود الجغرافية بين الدول وبالتالي سيسهم في اندماج السوق، فإن التبادل عبر الحدود بين أنظمة الدفع المحلية سيرتفع على نحو ملحوظ حتى للدول التي لم تنضم إلى الاتحاد النقدي الأوروبي. كما أن إدخال العملة الأوروبية الموحدة سوف يسرع التحولات في أوروبة، ومنها تقليص، إن لم يكن إلغاء، حسنات العملات الوطنية كفوائد القروض المرتفعة، وسيحل محلها خدمات السوق الواسعة. ويمكن التركيز على بعض النقاط التالية كنتائج رئيسية ناتجة عن التحولات الهيكلية من استخدام اليورو:

    • منح المودعين والدائنين الأوروبيين أسعاراً منافسة لناحية الودائع والقروض.
    • خدمات مالية أكثر فاعلية.
    • استقطاب زبائن إقليميين ودوليين إلى الأسواق المالية الأوروبية[4].
    ورغم التفاؤل بقدرة اليورو على تحقيق مكاسب جمة لأوروبا، إلاّ أن الكثير من التحديات لا تزال تواجه هذه الإمكانية. فأوروبا الاتحادية تنازعها منطقان متعارضان: منطق السيادة الوطنية، التي لا يزال الجميع متشبثا بها، ومنطق الولاء الجماعي. ولا تزال أوروبة بعيدة عن الاتحاد السياسي والدفاعي وهي تنجز بفخر عظيم اتحادها النقدي. ربما كان في الأمر مفارقة، ولكن نجاح التجربة الفريدة أو فشلها لا بد أن يرمي بثقله على العلاقات الدولية برمتها. النجاح قد يشكل نموذجا يغري تجمعات إقليمية أخرى لأن تحذو حذوه، والإخفاق قد يعيد أوروبة إلى ما كانت عليه طوال قرون عديدة: إمارات ودولاً متناحرة، مع ما في ذلك من مخاطر على المشهد الجيوستراتيجي الدولي برمته.
    زد على ذلك فحتى بعد حوادث 11/أيلول في الولايات المتحدة فإن اليورو لم يقدر على انتهاز الفرصة ليقدم نفسه كعملة يلجأ إليها المشككون بالدولار والخائفون من تراجعه بعد هذه الحوادث. هذا على الرغم من أن منطقة اليورو التي تضم 304 ملايين نسمة هي القطب النقدي الثاني في العام بعيدا أمام الين الياباني. وهي وإن قل نتاجها الداخلي الكامل عن نظيره الأمريكي، إلا أن حصتها في التجارة العالمية أكبر من الحصة الأمريكية. لقد شكلت بلدان اليورو في عام 2000 نحو 17.7% من الصادرات العالمية للسلع والخدمات في مقابل 14.7% للولايات المتحدة. ويضم الاتحاد الأوروبي عدداً من أغنى الدول وأكثرها تطوراً في العالم ويبسط نفوذه على مساحة واسعة خارج حدوده: من أوروبة الوسطى والشرقية إلى إفريقية الغربية والوسطى مروراً بحوض المتوسط. وهناك أكثر من مئة بلد يدور اقتصادياً في الفلك الأوروبي، أو على الأقل يرتبط بصلات مالية وتجارية وثيقة بالاتحاد الأوروبي. وعلى غرار المجموعة المالية الإفريقية CFA هناك حوالي أربعين دولة اتخذت من اليورو عملة مرجعية في سلة عملاتها الأجنبية[5].
    لقد شكلت هذه العملة الموحدة عام 2000 نحو 13% من احتياطات التبادل، في مقابل 68% للدولار، رغم الهزات التي أضرت بها وتقلبات سعرها تراجعاً. ومن المرجح أن يرتفع هذا الرقم مع استمرار تداولها اليومي بدل العملات المحلية. لكن يجب عدم إهمال عوائق كثيرة منها التعقيدات التي تحكم إدارة منطقة اليورو والضغوط السياسية التي تتعرض لها، والفوضى التي تعصف بمؤسساتها، وإصرار المصرف المركزي الأوروبي على مقاومة التضخم في هذه المنطقة بحيث يبقى دون عتبة الاثنين في المئة، وهو هدف تلزمه به معاهدة ماستريخت. وبالمقارنة مع المصرف الفدرالي الأمريكي الذي يسهر على مكافحة ارتفاع الأسعار مع دعم النمو في الوقت نفسه، فإن نظيره الأوروبي لا يستطيع دعم النمو الاقتصادي إلا تحت عتبة عدم الإضرار باستقرار الأسعار. ثم إنه وإن كان المصرف المركزي الأوروبي متحرراً من حيث المبدأ من وصاية الحكومات، إلا أنه لا يستطيع أن يكون بمنأى عن الهزات السياسية والاقتصادية التي قد تضرب بعضاً من الدول الأعضاء في ظرف من الظروف[6].
    ويمكن القول: إنه من الناحية النظرية ترتكز الوحدة النقدية الأوروبية على مبادئ نظرية مناطـق العملة المثلى. وتقول هذه النظرية إنه يوجد مكاسب متنوعة من تطبيق عملة عبر الحدود بالمشاركة بين عدة دول، ومنها: زيادة شفافية الأسعار، تخفيض تكاليف الصفقات، زيادة حالة التأكد للمستثمرين وتعزيز المنافسة. كما أن تطبيق سياسة نقدية موحدة من خلال بنك مركزي مستقل، من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى استقرار الأسعار وذلك يفيد الدول الأوروبية التي تعاني من التضخم.

    من ناحية ثانية، من الممكن أن تؤدي السياسة الموحدة إلى بعض الخسائر والتكاليف إذا كانت تغييرات الفوائد تؤثر بطرق مختلفة في اقتصاديات الدول. إلا أن المؤكد أن اعتماد اليورو سيقلص عوامل الاهتزاز التجاري الناتج عن حركة التحويل من عملة لأخرى، وهذا له تأثير إيجابي على عقد الصفقات التجارية. فالوحدة النقدية ستحد من قدرة الدولار الأميركي، مثلاً، على التلاعب بعملة دولة صغيرة، من خلال صفقات بترولية أو عقود تجارية كبيرة [7]. لكن لا يقتصر الموضوع على الإيجابيات التي يحققها اليورو بالنسبة للأسواق الأوروبية وعلى المستوى الدولي أيضاً. فبالرغم من التخطيط الدقيق لعملية إصدار اليورو، إلا أن هناك نقاط استفهام وتحديات كبيرة تواجه اليورو وتعكس بعض الغموض على دوره المستقبلي في النظام النقدي الدولي وأهمها :
    1. العقبة الأكبر أمام اليورو تنبع من طبيعة هذه العملة كونها تضم في اسمها ومضمونها دولاً ذات اختلافات كبيرة فيما يتعلق بحجم الاقتصاد والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة. صحيح أن المصرف المركزي الأوروبي المسؤول عن توحيد السياسات النقدية المتعلقة باليورو يشكل مصرفاً مستقلاً تماماً، وتعتبر قراراته ملزمة لجميع الأطراف، إلا أن هذا المصرف سوف يعمل على نحو طبيعي على تحقيق مصالح دول منطقة اليورو عامة وبالتالي فإن أغلب قراراته سوف تكون توفيقية بما يحقق مصالح جميع الأطراف، وهذا قد يضعف من قوة اليورو على المستوى الدولي. وهذا هو السبب الأساسي الذي أدى إلى انخفاض قيمة اليورو بما يقارب 20% في السنة الأولى من صدوره عام 1999، ولكنه حقق استقراراً نسبياًً نوعاً ما وعاود الصعود مجدداً على نحو لافت للنظر حتى تجاوز عتبة الدولار [7].
    2. هناك عامل آخر يتميز به الدولار عن اليورو وهو الثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية في العالم. فالتدخل المتواصل في قضايا الشعوب وسياساتها والتدخل العسكري (الكوني) يعطي الدولار قوة كبيرة ويسهم في نشره بقوة في جميع أنحاء العالم. وهذا ما لاحظناه بعد أحداث 11/أيلول التي لم تؤثر في قيمة الدولار رغم ضخامة نتائجها السلبية على الاقتصاد الأميركي وذلك بسبب اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات مالية ونقدية معتمدة على المكانة الكبيرة التي يحتلها الدولار ومن ورائه الاقتصاد الأمريكي في العالم وهذا يشكل تحدياً كبيراً لليورو.
    3. ظهور الأحزاب اليمينية المتطرفة وازدياد دورها ونشاطها السياسي في الاتحاد الأوروبي، والتي تمتلك توجهاً نحو الانفصال عن الاتحاد وإعادة الهوية القومية لكل دولة منه. ويشكل هذا نقطة استفهام أخرى حول مستقبل هذا الاتحاد وعملة اليورو. ولو أن الاتفاقيات المعقودة بين الدول الأوروبية قلصت بشكل كبير إمكانية حدوث أزمات من هذا النوع قد تؤثر في مستقبل الاتحاد الأوروبي وتكامله إلا أن التاريخ أثبت أنه لا يسير على قواعد محددة.
    4. المطلوب من اليورو حالياً أن يحقق مستوى معقولاً من الاستقرار لأن الثقة المكتسبة من قبل التجار والمستثمرين تأتي من استقرار العملة حتى لا تكون عرضة للمضاربات والتقلبات، وتنفي احتمال تحقيق خسائر معينة في عمليات التمويل في أسواق الصرف. وليس المهم كما يعتقد بعضهم أن تصبح قيمة اليورو أعلى أو مساوية لقيمة الدولار بل المهم تحقيق نوع من الاستقرار النسبي تجاهه.
    5. تحديات تواجه اليورو أمام الدولار الأمريكي وهي تعرقل استمراره في الانتعاش بالنظر إلى السياسات الأمريكية المتغيرة في موضوع الضرائب والفائدة، حيث إن تخفيض الضرائب الأمريكية سيؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي وتحفيز الاستهلاك والاستثمار، وبالتالي زيادة معدل النمو مما يشكل دعماً للدولار أمام اليورو.
    6. القدرة على الاستمرار في النمو المتزايد إضافة إلى ازدياد معدل الإنتاجية. فارتفاع معدلات النمو في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا أدى إلى زيادة الضغوط على الأسعار في اقتصاديات الاتحاد الأوروبي [8].

    يتبع
    صراع اليورو الدولار

  2. #2
    الصورة الرمزية قاسم
    قاسم غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    843

    افتراضي رد: صراع اليورو دولار في إطار العلاقات الاقتصادية الأوروبية الأمريكية( منقول وهام )

    ثالثاً. صراع اليورو الدولار:
    إن صدور اليورو وتعميم تداوله في 4/1/2002 في أسواق اثنتي عشرة دولة أوروبية زاد من التكهنات بأن العملة الوحيدة القادرة على أن تنافس الدولار وتنزله عن عرشه هو اليورو، وذلك بسبب مجموعة من المقومات الاقتصادية أهمها:
    1. قدرة كل طرف على التحكم في معدلات التضخم.
    2. قدرة كل طرف على النمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن معدل النمو في منطقة اليورو سوف يتفوق في تسارعه على الاقتصاد الأمريكي.
    3. قدرة كل طرف على تحقيق السيولة. في هذا الجانب من المتوقع أن تتفوق السوق الأمريكية على نظيرتها في منطقة اليورو (حجم سوق الأسهم الأمريكية هو ضعف ما هو عليه في منطقة اليورو).
    4. قدرة كل طرف على تحقيق الاستقرار. فالدولار يصدر عن سلطة سياسية واحدة بينما اليورو يصدر عن اتحاد مكون من عدة سلطات. هذا الأمر هو لمصلحة الدولار إلا إذا استطاعت المفوضية الأوروبية المحافظة على التماسك القائم حتى الآن بين أعضاء منطقة اليورو [6].
    ولا أحد يشك في أن أوروبا شرعت أبواب المواجهة مع الولايات المتحدة عندما أطلقت اليورو. لكن هذه المواجهة لم تنطلق من منطلق الحماس والاندفاع والرغبة في الثأر والانتقام، بل كانت نتيجة تفكير منطقي عقلاني يغلب فيه العقل على العاطفة، حيث إن الأوروبيين اقتنعوا أن القوة الاقتصادية بأشكالها كافة هي القاعدة التي ترتكز عليها العملة ذات القبول العالمي، وأنه لا سبيل للقوة الاقتصادية إلا بالاتحاد والمشاركة ولو كان على حساب بعض الجوانب الفردية. من هذا المنطلق ظهر اليورو وأصبح الصدام جاداً.
    ويبدو هذا الصراع للوهلة الأولى محسوماً لمصلحة الدولار إذا ما أخذنا الثقل النسبي لكلا العملتين في النظام النقدي العالمي حالياً. لكن بمقارنة الاقتصادين الأمريكي والأوروبي (اقتصاد منطقة اليورو)، يمكن لنا أن نستنتج أن الأيام سوف تحمل معها زيادة حتمية في ثقل عملة اليورو على حساب ثقل الدولار. لكن التأثير الخارجي سوف يكون في تسريع هذه الزيادة أو إبطائها، ولكن لا يمكن إلغاؤه. إن العملة الخضراء ما زالت اليوم هي العملة الوحيدة المستخدمة في التجارة الدولية (نصف المبادلات العالمية تقريباً ما زالت تجري بالعملة الأمريكية)، بحيث يتجاوز التعامل بالدولار الصادرات الأمريكية إلى العالم التي تقدر بحوالي 14،6% من التجارة الدولية. أما أوروبة فهي القوة التجارية العالمية الأولى التي يمكن لليورو أن يأخذ مكانه من خلالها. هذا فيما يتعلق بالمؤشرات لكلا الاقتصادين اللذين تستند إليها كل من العملتين، لكن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو تشكلان تكتلاً اقتصادياً يضم دولاً أخرى وهذه التكتلات الاقتصادية تؤثر على نحو ما في قيمة العملة المرتبطة بها [9]. فكتلة الدولار تضم كل دول أمريكة الشمالية والجنوبية بالإضافة إلى كثير من الدول الأخرى في العالم المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالدولار. أما كتلة اليورو المتوقع قيامها مع ازدياد أهمية اليورو عالمياً، فتضم الدول ذات الارتباط الوثيق بمنطقة اليورو كبقية الدول الأوروبية ودول الشراكة المتوسطية، وبعض الدول الإفريقية التي كانت مرتبطة سابقاً بالفرنك الفرنسي.
    ويعتقد المحللون أن أي بلد أوروبي خارج إطار الوحدة النقدية لن يستطيع أن ينتهج سياسة نقدية مستقلة تماماً، حيث إن ثقل اليورو سوف يؤدي إلى تهميش العملات الأخرى بما فيها الجنيه الإسترليني، لأن أغلب التعاملات الخارجية بين الدول الأوروبية تتم باليورو. وبذلك فإن التوجه سوف يكون نحو الانضمام إلى منطقة اليورو في المستقبل، مما سيعطيها ثقلاً أكبر على المستوى الدولي، وبالتالي فإن الصراع سوف يكون بين قوتين عالميتين كبيرتين. لكن يجب أن لا ننتظر من هذا الصراع انتفاء أحد القوتين أو إضعافهما كليتهما لكي نكسب في الحالتين، بل إن صراع الأقوياء هذا سينتهي إلى تقاسم المكاسب وتوزيعها فيما بينهم، لأنهم يدركون تماماً أنه مهما كانت نتيجة الصراع فالخسارة ستكون لكلا الطرفين، ولكن بنسب متفاوتة. وبالتالي فإن المنطق يقول: إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سوف يتقاسمان أغلب المكاسب على المستوى الدولي، مبقية القليل لليابان وباقي الدول الأخرى[9].
    لكن في هذا السياق لا بد لنا من طرح التساؤل التالي: هل يمكن لليورو أن يزعزع من هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي؟، وهل سيكتفي بمنافسة الدولار، أم أنه سيأخذ مكانه؟، وفي أي صف يمكن أن يكون هذا المكان، في الصف الأول أم في الصف الثاني؟.
    والجواب بالتأكيد يتوقف على قوة الاقتصاد الأوروبي وحسن ممارسة السياسة النقدية من قبل المصرف الأوروبي الجديد. فالوضع الاقتصادي الحالي لمنطقة اليورو يؤهله ليحتل موقعاً هاماً في الخارطة الاقتصادية العالمية، سواء لجهة عدد السكان أو بجهة الناتج المحلي الإجمالي، أو بجهة حجم المبادلات التجارية الخارجية، أو النمو المتحقق ... إلخ.
    وبالتأكيد، فإن انضمام بريطانيا والدانمرك والسويد لاحقاً سيزيد من قوتها الاقتصادية، وسيوفر فرصاً أفضل لأية منافسات قادمة سواء في الأسواق المالية أو في غيرها. لكن بعض التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن اليورو يحتاج لبضع سنوات قادمة كي يستطيع تثبيت أقدامه في السوق الاقتصادية المالية العالمية، في حين ترى تحليلات أخرى أن كل عوامل القوة متوافرة لأن يحقق اليورو ما يطمح إليه من تواجد فاعل ومؤثر في الأسواق، ومن إعادة التوازن المفقود للنظام النقدي العالمي المختل بفعل سيطرة عملة وحيدة عليه، وخاصة إذا ما علمنا أن قوة الدولار تكمن ليس في قوته الاقتصادية بل في القوة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة في العالم. وقد تراجعت هيبة هذه القوة كثيراً خلال السنوات الأخيرة على الرغم من عرض عضلاتها في الخليج العربي وضد الشعب العراقي، كما أن الولايات المتحدة شهدت عجزاً تاريخياً في ميزان المدفوعات وتزايداً حاداً في البطالة. لذلك فإن ما يظهر من قوة الدولار لا تكمن في اقتصاد قوي، بل في ضعف الآخرين. ولعل هذا ما عبر عنه وزير خارجية بلجيكا عندما قال تعليقاً على ضرب الولايات المتحدة للعراق يمكن أن ينسحب على أكثر من الجانب السياسي الذي كان مناسبة التعليق: "إن الأمريكيين أقوياء بسبب ضعفنا وانقسامنا نحن الأوروبيين"[10]. وبالتالي فإن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي إضافة للسبب السياسي والعسكري الذي تشكله واشنطن بسبب أنه العملة الوحيدة التي يبدو لها حجم ظاهر وثابت، مما يجعلها محل ثقة المتعاملين في الأسواق العالمية. وقد وجدت دول أوروبا الغربية أن بدء تعاملها باليورو سيحقق لها عناصر قوة ذاتية هي بحاجة إليها لتحقيق انعتاقها السياسي والاقتصادي وإنهاء عقود من الهيمنة الأمريكية عليها. وهذه القوة الجديدة حسب بعض التحليلات لم تأخذ حقها حتى الآن من التحليل الذي كان يتوقف فقط عند الجانب الاقتصادي مع أنها ذات جوانب سياسية هامة. ولا بد أن التحليل الدقيق سيكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن العملة الجديدة ستكون بمثابة انهيار جديد لجدار كبير أكبر حجماً من انهيار جدار برلين، وما تبعه من تشكيل خارطة سياسية واقتصادية عالمية جديدة. وهذا ما سوف نجده من خلال بعض المقارنات بين منطقتي اليورو والدولار:
    تتفوق دول الاتحاد الأوروبي في خدمات المواصلات والنقل والسياحة والأعمال المصرفية بنحو الضعف، ودول الاتحاد تنتج سنوياً /165/ مليار طن إسمنت مقابل /73/ مليار طن تنتجها الولايات المتحدة. وتنتج أوروبة /11/ مليون سيارة مقابل /6/ ملايين سيارة في الولايات المتحدة. وتمتلك أوروبة من الأساطيل التجارية ما حمولته /65/ مليون طن. أما حمولة الأسطول التجاري الأمريكي فلا تزيد على /18/ مليون طن. وتنتج دول الاتحاد الأوروبي /137/ مليون طن من الحديد مقابل /95/ مليون طن في الولايات المتحدة[11].
    وفي المجال المصرفي، وطبقاً لأعوام 1996، فإن مصارف الاتحاد الأوروبي تمتلك مصادر خاصة تقدر بحوالي /555/ مليار دولار، مقابل /233/ مليار دولار للمصارف الأمريكية. ويبلغ حجم رأس المال النشط في المصارف الأوروبية نحو /13.4/ مليار دولار مقابل /3.5/ مليار دولار الأمريكية. ومن بين أكبر /1000/ مصرف عالمي يوجد /330/ مصرفاً أوروبياً مقابل /156/ مصرفاً أمريكياً. وتستحوذ البورصات الأوروبية على 49.5% من النشاط الاقتصادي العالمي.
    أما ما تتفوق به الولايات المتحدة فهو قطاع النفط. إذ يبلغ الإنتاج الأمريكي سنوياً من النفط /414/ مليون طن أما الاتحاد الأوروبي فينتج /121/ مليون طن[12].
    لذلك يتوقع بعض الخبراء للعملة الأوروبية الموحدة مكانة كبيرة سوف تغير من الأوضاع الاقتصادية في العالم، وتخلق منافساً قوياً للدولار الأمريكي (الذي سيفقد مكانته كعملة أساسية في المعاملات الدولية وفي أسواق التبادلات التجارية تدريجياً). فيما يقلل آخرون من شأن إمكانية منافسة اليورو للدولار الأمريكي، ويشيرون إلى أن نجاح فكرة العملة الأوروبية الموحدة مرهون بعوامل شتى سياسية وتاريخية واقتصادية واجتماعية، والفكرة في أساسها مغامرة سياسية أولاً واقتصادية ثانياً على الرغم من كونها نقدية الدوافع واقتصادية المنافع. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول: إن معايير قبول عضوية الدول في الاتحاد الأوروبي قد صبغت بالرؤيا السياسية لعدم الانضمام للاتحاد أكثر بكثير من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الانضمام لعضوية النادي الأوروبي.
    وفي هذا السياق يمكننا أن نطرح التساؤل التالي: هل سيخسر الدولار وضعه كعملة احتياطية للبنوك في ظل اليورو؟
    خلال الألفي عام الماضية تغيرت العملات الرائدة دولياً لمرات كثيرة. فمن العملة الرومانية إلى البيزنطية إلى الجلدر الهولندي، ومن ثم الجنيه الإسترليني إلى أن وصلنا إلى الدولار، وهو عملة الاحتياطي العالمي المسيطرة لأكثر من خمسين عاماً مضت. وهذا الوضع الذي تمتع به الدولار طوال تلك المدة كان يقدم مزايا اقتصادية هائلة للولايات المتحدة الأمريكية، فهي تستطيع أن تدفع قيمة وارداتها، وأن تستدين بعملتها المحلية وكل ذلك بكلفة فائدة منخفضة. ولكن حصة الدولار من احتياطات العملات الدولية انخفضت من 80% في منتصف السبعينات إلى حوالي 65% اليوم، وهذا يطرح السؤال عما إذا كان الدولار في خطر من أن يفقد وضعه الطليعي كعملة دولية رئيسية. السؤال نفسه كان قد طرح في بداية التسعينات بعد الانحدار الطويل الذي عانى منه الدولار آنذاك، إلا أنه استمر بالظهور كعملة دولية رئيسية في ذلك الحين. ولكن في بداية التسعينات لم يكن هناك عملة بديلة للدولار، أما اليوم فيوجد اليورو الذي يمكن أن يظهر كبديل وكتحد للاحتياطات من العملة الخضراء. فحتى تصبح عملة ما عملة احتياطي دولي فإن بعض المقومات الرئيسية لا بد من توافرها، مثل: وجود اقتصاد ضخم ومتين يحمي هذه العملة، وتوفر أسواق مالية مستقرة وعميقة ومفتوحة، بالإضافة إلى معدلات تضخم منخفضة، وأخيراً وليس آخراً توافر الثقة بقيمة هذه العملة[9].
    وبالنظر إلى اليورو في ضوء معدلات أسعار العملات الحالية، نلاحظ أن المنطقة الاقتصادية لليورو ليست أصغر بكثير من تلك التي هي للدولار، كما أن منطقة اليورو هي أكبر مصدر في العالم. ومنذ نشأة العملة الأوروبية الموحدة أصبحت الأسواق المالية الأوروبية أعمق وأكثر سيولة. صحيح أن معدل النمو في منطقة اليورو أخفض من معدل النمو للناتج المحلي الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بمعايير الدولار فإن الوزن الاقتصادي لمنطقة اليورو قد نما قياسياً بالوزن الاقتصادي للولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية.
    نقطة ضعف الدولار تكمن في إخفاقه في لعب دور العملة الحافظة للقيمة، فمنذ عام 1960 انخفض الدولار بمعدل الثلثين تجاه العملات الأوروبية، وذلك إذا أخذنا العملة الألمانية كمؤشر لما قبل فترة ظهور اليورو في عام 1999، وانخفض الدولار بالنسبة نفسها تجاه الين الياباني. ومنطقة اليورو على عكس الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر دائن صافٍ في العالم، ولم يحدث من قبل أن كانت عملة الاحتياطي الرئيسية هي أكبر مدين صاف كما هو الحال الآن مع الولايات المتحدة، لأن المدين قد يكون مستعداً لأن يستخدم تعويم العملة لتخفيض عجزه الخارجي، وهو أمر مرغوب فيه بالنسبة لعملة تلعب دور الاحتياطي[12]. ويتساءل المشككون بوضع الدولار عن السبب الذي يدفع المستثمرين لحيازة موجودات بعملة دولية قادت سياساتها إلى تهديد وضع عملتها كعملة احتياطية، وعلى الرغم من هذه الشكوك إلا أنه يمكن القول: إن الدولار الأمريكي قدم بوصفه عملة الاحتياطي العالمي المسيطر خلال أكثر من نصف قرن مزايا اقتصادية هائلة للولايات المتحدة الأمريكية، وعزز سيطرتها الاقتصادية دون خوف من أن يفقد يوماً وضعه الطليعي كعملة دولية رئيسية.

    الاستنتاجات والتوصيات:
    1. يمكن القول إنه من الناحية النظرية ترتكز الوحدة النقدية الأوروبية على مبادئ نظرية مناطـق العملة المثلى. وتقول هذه النظرية إنه يوجد مكاسب متنوعة من تطبيق عملة عبر الحدود بالمشاركة بين عدة دول، ومنها: زيادة شفافية الأسعار، وتخفيض تكاليف الصفقات، وزيادة حالة التأكد للمستثمرين وتعزيز المنافسة. كما أن تطبيق سياسة نقدية موحدة من خلال بنك مركزي مستقل، من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى استقرار الأسعار وذلك يفيد الدول الأوروبية التي تعاني من التضخم.
    2. من الممكن أن تؤدي السياسة الموحدة إلى بعض الخسائر والتكاليف إذا كانت تغييرات الفوائد تؤثر بطرق مختلفة في اقتصاديات الدول. إلا أن المؤكد أن اعتماد اليورو سيقلص عوامل الاهتزاز التجاري الناتج عن حركة التحويل من عملة لأخرى، وهذا له تأثير إيجابي على عقد الصفقات التجارية. فالوحدة النقدية ستحد من قدرة الدولار الأمريكي، مثلاً، على التلاعب بعملة دولة صغيرة، من خلال صفقات بترولية أو عقود تجارية كبيرة.
    3. إن المسار الاقتصادي الأوروبي والدولي الذي سينتج عن تطبيق اليورو لا يمكن أن يحدد على نحو قاطع وحازم نظراً لتفاعل العوامل والظروف الاقتصادية بطريقة يصعب تحديدها مسبقاً. إلا أن الثابت والمؤكد أن هذه العملية ستحمل في طياتها تغييرات اقتصادية كبيرة ستطال كل أطراف المجتمع الاقتصادي الدولي.
    المراجع:


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17