ليست مسألة قوة ذاتية للدولار ولن تكون كذلك. المسألة تنحصر بتشعبات الازمة اليونانية ومخاطر تمددها وما تتركه هذه الاجواء من اثقال على العملة الاوروبية الموحدة.
من الصعب جدا الركون الى التباشير القائلة بان عصر الدولار قد هلّ والايام السوداء باتت من الماضي. ارتفاعاته الحالية تبقى غير مأمونة وهي لا يمكن ان تكون تأسيسية لمرحلة من الصمود والسعي التصاعدي المستمر بقوة ذاتية مرتكزة الى خلفية اميركية صلبة ومأمونة.
الازمة اليونانية تركت للعاملين في السوق دروسا وعبر . أهم هذه الدروس تتعلق بالقدر الذي يمكن ان تخلفه مشكلة الديون التي تثقل خزائن الدول . بالتحديد هذه النقطة ستكون يوما عبئا ثقيلا على الدولار - وهذه الساعة قد لا تكون بعيدة - عندما تقرر الاسواق فتح الدفاتر الاميركية والتدقيق فيها واضعة الارقام كلها تحت مجهر يبقى حتى الان محجوزا لليونان.
من المؤكد ان تشبيه الوضع المالي الاميركي بالوضع اليوناني سيكون من مباعث السذاجة غير المقبولة ولكن مقارنته بالوضع الاوروبي العام مشروع وضروري. هنا يبدو هذا الوضع اصعب واسوأ مما هو حال مديونية الاتحاد الاوروبي بالمجمل.
ايضا مديونية الولايات المتحدة الاميركية هي اعلى، قياسا على الناتج القومي، مما هي عليه في اسبانيا، والعجز العام في الميزانية هو اعلى مما هو عليه في ايطاليا.
ان الاصلاحات المالية المطلوبة في الولايات المتحدة من اجل تخفيض العجز والدين العام هي اقسى مما يتطلبه الوضع في اوروبا عامة، وستكلف البلاد نسبة من النمو اعلى مما تكلفه الاصلاحات الاوروبية.
الى ذلك لا بد من التنويه بان الدين العام الاميركي يتم تمويله من مصادر خارجية وهذا يزيد الطين بلة ويبرز كخطر داهم في حال قرر الدائنون - لسبب ما - سحب اموالهم . ما حدث يوم امس الخميس في ال وول ستريت واسواق المال عامة يترك انطباعا سيئا عما يمكن ان يحدث، وبالسرعة الهائلة، ان تحركت الرياح في لحظة ما بعكس ما تشتهيه تطلعات الربان.
هذا الواقع يسمح لنا بالتأكيد على ان نجاة اليورو مما يواجهه اليوم اسهل بكثير - وهو امر بالنسبة لنا محسوم ايجابا - من نجاة الدولار فيما لو قرر السوق فجأة التدقيق في الحسابات الاميركية ومحاسبة المرتكبين كما قرر فعل ذلك في زاوية من زوايا اوروبا.
هذا الكلام لا يُقصد به حتما الحسم بكون اليورو بات على العمق الذي بلغه كمحطة قياسية لا اعماق اخرى بعدها، وانما التنويه بكون الدهر يومان وان اتى يوم الدولار - وهو آت - فالحساب سيكون ايضا عسيرا.