الاقتصادية - يعيش "وول ستريت" حالة من الاضطراب، كما أن هنالك غضبا عبر الولايات المتحدة من أن مئات المليارات من الدولارات يمكن أن يتم جرفها باتجاه أغنياء نيويورك الذي جعلوا النظام المالي على شفير الانفجار الداخلي. غير أن المعركة حول رأسمالية التمويل تم اختزالها خلال اليومين الماضيين لتقتصر على عدد قليل من الغرف في واشنطن دي سي. وشهد يوم الخميس محادثات هائجة، وبالغة العصبية في البيت الأبيض بين إدارة يبدو من الواضح أنه تم استنزاف قوتها، وبين كونجرس لا يريد أن ينجر إلى الأسفل معها.
وصف أحد كبار المساعدين الديمقراطيين الاجتماع بأنه "مرعب تماماً"، وتحدث عنه كعامل "شلل" للمحادثات. وأما دانا بيرينو، المتحدثة باسم البيت الأبيض، فتحدثت بلطف عن أمر بغيض، وعن "جدال تصل سكاكينه إلى الحناجر، وجعلت اللقاء يبدو وكأنه جلسة علاج إداري غاضبة". وأضافت "كان بإمكان الجميع طرح كل شيء على طاولة النقاش، كما كان بإمكانهم صب جام غضبهم إذا كان لديهم ذلك".

كان القرار المتهور من جانب ماكين بقطع متابعته حملته الانتخابية، والعودة سريعاً إلى واشنطن، بعد عودة خصمه، باراك أوباما، يتم الترويج له على أساس أنه مشاركة حزبية بنّاءة. غير أنه بدلاً من ذلك وفّر فرصة لتبادل عرض المواقف، والتهرب من تحمل المسؤولية، وتبادل اللوم.

إن التعقيد الباعث على الشلل في السياسة المحيطة بخطة الإنقاذ يبرز أولاً، لأنه ما من أحد متأكد ممّا إذا كان الإنقاذ سوف يلقى المديح من منطلق أنه قيادة حاسمة، أو أن تتم السخرية منه كفشل ذريع استولى على أموال الضحايا لمكافأة المجرمين.

إن الأموال الذكية هي في جانب الفشل الذريع، حيث كان المتظاهرون يندفعون في قاعات مبنى مكاتب مجلس الشيوخ، ويصرخون "ماذا بشأننا؟ أوقفوا صفقة الإنقاذ". وهكذا بدا ماكين غير واضح حول ما إذا كان يريد قيادة مخرج حل للازمة، أو قيادة الثورة الشعبية ضد الإنقاذ.

بعد أن سارع في العودة إلى عاصمة البلاد، فإن ماكين كان سلبياً بدرجة كبيرة في محادثات يوم الخميس النكدة مع زعماء الكونجرس في البيت الأبيض، حتى حسب قول مسؤولين عن حملته الانتخابية الذين قالوا "لم يهاجم جون ماكين أي اقتراح، أو يتبنى أية خطة. واكتفى ماكين بالحث على أنه يجب على جميع الأطراف التعاون لإقامة توافق حزبي من أجل حل يحمي مصالح دافعي الضرائب".

وجه مسؤولو حملة ماكين وهم يمضون في لعب ورقة التوافق الحزبي، اللوم إلى قيادة باراك أوباما للجانب الديمقراطي إزاء ما وصلت إليه المفاوضات من مأزق عصبي.

بالنسبة لأعضاء الكونجرس الديمقراطيين الذين حاولوا التوصل إلى صفقة قبل وصول ماكين لحرمانه من الحصول على الفضل في ذلك، فإنهم لم يظهروا أي حماس يذكر لإنجاز عرض البيت الأبيض دون وجود الجمهوريين إلى جانبهم. وكان بارني فرانك، رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب في صورته المعتادة المنمقة التي توحي بالعقلانية، حين قال "أخمن أنني وقّعت على القيام بوظائف أخرى، حيث لم أكن أعرف أنني سأكون الحكم في الحرب الأهلية الأيديولوجية الداخلية للحزب الجمهوري".

الحقيقة هي أن القضية الثانية التي تعمل على تعقيد المحادثات هي أن واشنطن بدأت تنافس بيروت كما كانت عليه في أوائل الثمانينيات، حين كان فيها رقم قياسي من التيارات السياسية المتنافسة المحشورة في مدينة واحدة. وأن الرئيس بوش واضح فيما يريده: أكبر كمية ممكنة من الأموال، بأقل خيوط متشابكة".

ولكن بينما يبدو أن معظم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، باستثناء بعض أصحاب المبادئ المتشددة، مقتنعون بدعم الصفقة، فإن كثيرين من الجمهوريين في مجلس النواب لا يدعمونها.

إنهم رافضون لأن عدم شعبية بوش أثر سلبياً على موقف حزبهم، كما أن البعض مرعوبون من غريزة الرئيس في إلقاء الأموال العامة في سبيل حل المشكلات.

وبالتالي فإنهم ليسوا أحرص على إنقاذ سمعته من نظرائهم الديمقراطيين. وحين جثا هانك بولسون، وزير الخزانة، على ركبة واحدة أمام رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، متوسلاً إليها تمرير الصفقة يوم الثلاثاء، فإن ذلك كان بمثابة لحظة نادرة من الطيش فيما كان يمكن أن يكون بديله جولة عصبية للغاية من المفاوضات.

غير أن الديمقراطيين قالوا إنه إذا أراد التوسل أمام أي شخص، فإن ذلك يجب أن يكون أمام نظرائهم الجمهوريين.

كما أن ميول ماكين الغريبة المتبجحة، واستراتيجيته القائمة على أساس "انتظر لترى" منبعثة من فشله في البروز كقطب بديل لبوش يستطيع الجمهوريون في الكونجرس الالتفاف حوله.

استطاع الديمقراطيون الظهور، على الأقل، بمظهر التنظيم، وعملوا بجد لإنجاز أي لحن يمكن أن يبدو كنصر لهم، ولأوباما. وشبّه هاري ريد، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، بصورة جادة، وصول جون ماكين، ببغل ضخم ومدمر مندفع إلى ساحة تشريعية تعمل بصورة سلسلة.

وقال بالأمس "كنا على وشك الانتهاء من ذلك، وما عليك بعد ذلك إلا أن تخمن من هو أي داخل إلى البلدة".

إن تحديد الفائزين والخاسرين من هذه الحلقات الأخيرة في هذه القصة سيعتمد على عوامل الاجتذاب المتنافسة في عدد من الأمور: الإنقاذ نفسه، والارتباط بالمسؤولية المالية، والرغبات في التوصل إلى توافق بين الحزبين، ومظهر الحسم. أما من ربح، وماذا ربح، وكم سيساوي كل منهما، فما زال حتى اللحظة الراهنة، موضع حدس الجميع.