رمضان في عيون الشعراء

عز الدين فرحات*
14/9/1425
28/10/2004


في كل عام يرسل إلينا برقية يخبرنا فيها بموعد وصوله لنكون في استقباله؛ فهو يعلم مدى حبنا له وشوقنا إليه وانتظارنا لمجيئه.
ولأنه عزيز على نفوسنا جميعاً؛ فدائماً نكون في انتظاره لما يتحفنا به من هدايا ثمينة؛ لذلك تبدأ الاستعدادات لاستقباله قبل قدومه بأيام بل أسابيع، والبعض يستعد له قبل وصوله بأشهر.
ذلك الضيف هو شهر رمضان، ذلك الشهر الذي تهفو إليه القلوب، وتتشوق إليه النفوس يعبر عن ذلك كثير من الشعراء القدامى منهم والمعاصرين، فهذا شاعر يستعد لاستقبال الشهر الكريم قبل قدومه بشهر وينبه الغافلين لحسن الاستعداد له فيقول:


مضى رجب وما أحسنت فيه
وهذا شهر شعبان المبارك

فيا من ضيع الأوقات جهلاً
بحرمتها أفق واحذر بوارك

فسوف تفارق اللذات قهراً
ويُخلي الموتُ كرهاً منك دارَك

تدارك ما استطعت من الخطايا
بتوبة مخلص واجعل مدارَك

على طلب السلام من الجحيم
فخير ذوي الجرائم مَن تدارك


ويتشوق الشاعر محمد حسن فقي إلى شهر رمضان قبل مقدمه في قصيدته (رمضان)حيث يقول:

رمضان في قلبي همائم نشوة
من قبل رؤية وجهك الوضاءِ

قالوا: بأنك قادم، فتهلّلت
بالبشر أوجُهُنا.. وبالخيلاءِ

وتطلّعتْ نحو السماء نواظرٌ
لهلال شهر نضارة ورُواءِ

تهفو إليه، وفي القلوب وفي النّهى
شوق لمقدمه، وحسن رجاءِ

لِمَ لا نتيهُ مع الصيام.. ونزدهي
بجلال أيامٍ.. ووحي سماءِ

بهما نُحلّق في الغمام، ونرتوي
من عذبه.. ونصولُ في الأجواءِ

ونشفّ أرواحاً فننهج منهجاً
نُفضي به لمرابع الجوزاءِ


أما أديب العربية مصطفى صادق الرافعي فيعبر عن إحساسه بحلول الشهر الكريم بقوله:

فديتك زائراً في كل عام
تحيا بالسلامة والسلامِ

وتُقْبِلُ كالغمام يفيض حيناً
ويبقى بعده أثرُ الغمامِ

وكم في الناس من كلفٍ مشوقٍ
إليك وكم شجيٍ مُستهامِ


ويتغزل محمد السيد الداوودي في الشهر الكريم معبراً عن مدى أشواقه إليه فيقول:

لما دنوْتَ انهالت الأشواقُ
وهفا إليك الوالهُ المشتاقُ

لك غُرة كالشمس في ريعانها
في كل ناحية لها إشراقُ

لك طلعة فيها الحياة بهيّة
ترنو إلى قسماتها الأحداقُ

لك في حياة المسلمين مآثرٌ
طابت وطاب لهم بهنَّ مذاقُ


أما الشاعر فريد قرني فيدعو الشهر للإقبال ويخبره أنه في انتظار مقدمه يعد الشهور والأيام للاستفادة من أيام الشهر ولياليه فيقول:

ألا أقبل هدًى ورضاً ونورًا
وخيرًا عامرًا يغشى المزُورا

نعدُّ ليُمن موسمك التهاني
نُعِدُّ ليوم مقدَمك الشُّهورا

لنملأ بالنَّدى المُهجَ الصَّوادي
ونروي من سنا التقوى الصدورا

بنور تلاوة القرآن نَجْلي
بصائرَنا .. نضيءُ بها القبورا

نصومُ .. نقومُ في شوقٍ وجدّ
وعند الله نحتسبُ الأجورا

بك الأرواحُ ترشفُ وهي ظمأى
شرابًا.. منكَ تسكُبه طهورا

تلقّاهُ .. فيُسكرها هُيامًا
وتُسقاه .. فتغمُرها سرورا


ويقبل الشهر الكريم ويصل الضيف إلى مستقبليه فيصيح الشاعر خير الدين وانلي منبهاً جموع المسلمين أن ينتبهوا ويهبّوا لاستقباله حيث يقول:

رمضان أقبل يا أولي الألباب
فاستقبلوه بعد طول غياب

عام مضى من عمرنا في غفلةٍ
فتنبّهوا فالعمرُ ظلُّ سحابِ

وتهيّؤوا لتصبّرٍ ومشقةٍ
فأجور من صبروا بغير حسابِ

الله يجزي الصائمين لأنّهم
من أجله سخروا بكلّ صعابِ


أما الشاعر حسين عرب فيهلل فرحاً بإطلالة الشهر الكريم ويشرك الدنيا فرحته فيقول:

بشرى العوالم، أنت يا رمضانُ
هتفت بك الأرجاءُ والأكوانُ

لك في السماء كواكبٌ وضّاءةٌ
ولك النفوسُ المؤمناتُ مكانُ

سعِدت بلُقياك الحياةُ وأشرقت
وانهلّ منك جمالها الفتانُ


ويهلّل محمد راجح الأطرش في قصيدته {الوافد الحبيب} بمقدم الشهر الكريم فيقول:

وافيت يا شهرَ المثوبة
والفضائل والبشائرْ

أهلاً بمقدمك السعيد
ومرحباً يا خير زائرْ

يا نفحةَ الإيمانِ يا
فيضَ العقيدةِ والمنائرْ

نرنو إليك مسائلين
اللهَ تطهيرَ السرائرْ


وينثر الشاعر عبد القدوس الأنصاري باقة شعرية يرحب فيها برمضان فيقول:

فأنت ربيعُ الحياة البهيج
تنضّر بالصفو أوطانَها

وأنت بشيرُ القلوب الذي
يعرّفها اللهُ رحمانَها

فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام
يسلّ من النفس أضغانَها


ويناجي الشاعر أحمد محمد الصديق نفسه مع إطلالة شهر الصيام فيقول:

أطَلَّ عَلى النَّاسِ شَهْرُ الصِّيام
فَبُشْراكِ بالوافِدِ المـُكْرَمِ

هَلُمّي .. هَلُمّي .. بهِ نَحْتَفي
ونُعْلِنُ عَنْ فرحَةِ المَقْدَمِ

أُعيذُكِ مِنْ نَزَعاتِ الهَوَى
وفي مَوْسِمِ الخِصْبِ أنْ تُحرَمي

على عَتَباتِ الرّضا والسّلام
أطيلي الوقوفَ .. ولا تَسْأَمي

فإنْ جادَ بالعفْوِ رَبُّ السَّماءِ
فحسْبُكِ ذلكَ مِـنْ مَـغْـنَمِ

وحسبُكِ أَنّا عَفَرْنا الجَبينَ
لدَيهِ .. وفي حِصْنِـهِ نَحْتَمِي


فضائل رمضان
وعن فضل شهر رمضان كانت للشعراء مشاعرهم التي برزت في قصائدهم، ومنها للشاعر (محمود عارف) أبيات في فضل شهر رمضان، وأنه محراب العبادة، وموسم الأذكار والتراويح المضيئة التي تزكّي النفوس، وتطهر القلوب، وتطيب الأرواح إذ يقول:

رمضانُ محرابُ العبادة للورى
تغدو به الأرواح أطهرَ مرتقى

فيه التراويح المضيئة مسبحٌ
للقلب للإيمان يعمر مرفقا

ساعاته عمر الزمانِ مليئةٌ
بالذكر حيث العمرُ عاد محلّقا


ونقرأ للشاعر (محمد إبراهيم جدع) قصيدة يصف فيها رمضان بأنه خير الشهور، ولياليه مجالس للذكر وترتيل للقرآن، وفيه بشرى من العزيز الرحمن بالصفح والغفران يقول فيها:

رمضانُ يا خيرَ الشهور
وخيرَ بُشرى في الزمانِ

ومطالعُ الإسعادِ ترفـلُ
في لياليـــك الحسانِ

ومحافلُ الغفرانِ والتقـوى
تفيـــــضُ بكل آنِ

ومجالسُ القرآن والذكرِ
الجليـــلِ أجلُّ شانِ


أما (محمد علي السنوسي) فيتحفنا بقصيدة عن رمضان يصفه فيها بأنه أمل النفوس الظامئات وموسم الصيام والقيام والصلوات والدعوات، وأن الأرواح المؤمنة تسبح في هذا الشهر العظيم كأسراب الحمام؛ لأنها تخلّصت من الذنوب وتفرّغت للطاعة والعبادة والمحبة والسلام إذ يقول:
رمضان يا أمل النفوس الظامئات إلى السلام
يا شهرُ بل يا نهرُ ينهَلُ من عذوبته الأنام
طافت بك الأرواحُ سابحةً كأسراب الحمامِ
رمضان نجوى مخلص للمسلمين وللسلامِ
أن يلهم اللهُ الهداةَ الرشدَ في كل اعتزامِ
إن الصوم في حقيقته والهدف منه ليس امتناعاً عن الأكل والشرب فحسب بل هو مدرسة للتعفف والتقوى والإخاء والتواصل يوضح ذلك الشاعر خير الدين وانلي حين يقول:

الصومُ جنّةُ صائم في مأتمٍ
ينهى عن الفحشاءِ والأوشابِ

الصومُ تصفيدُ الغرائز جملة
وتحرّرٌ من رِبقةٍ ِلرقابِ

الصومُ مدرسةُ التعففِ والتقى
وتقارب البعداءِ والأغرابِ

الصومُ رابطةُ الإخاءِ قويةٌ
وحبالُ ودّ الأهل والأصحابِ

الصومُ درسٌ في التساوي حافلٌ
بالجود والإيثار والترحابِ


فرمضان شهر الفضائل التي لا تُحصى وهو ما يشير إليه الشاعر العراقي ثابت كريم الربيعي في قصيدته(عبق رمضان) حيث يقول:

شهر الفضائل إن أردْت حسابَها
لم يحصها جنٌ ولا إنسانُ

شرع المليكُ الصومَ فيه فريضةً
تزكو بها الأرواحُ والأبدانُ

من صام محتسباً وأخلص صومَه
هو في الجنان يظلّه رضوانُ


ويحث الشاعر عبد الرزاق الخالدي المسلمين على التمسك بالبعد الحقيقي الأصيل لشهر الصيام وليس بمجرد المظهر فقط الذي يتمثل في الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة، بل يدعو إلى اغتنام أيامه ولياليه في فعل الخيرات واجتناب السيئات حتى نفوز بالجنات فيقول:

قد جاء شهر الاعتكاف فكن به
في طاعة تعطى رفيع جنانِ

وتجنب الآثام والزم توبة
تُقصيك عن لهو وعن نسيانِ

خسئ اللعينُ وصُفّدت أحزابُه
بسلاسلٍ من سطوةِ الديّانِ

وافاك شهرك شهر أرباب التقى
رمضانك الموسوم بالغفرانِ

فاغنم لياليه وكرّم يومَه
بالصوم عن زورٍ وعن بهتانِ

فاجهد وشمّر فيه ساعد كيس
لا عاجزاً تبع الهوى بأماني

شهرُ الرضا فيه الجنان تفتحت
أبوابها كرماً لذي العرفانِ

لا تفتننّك عن هداك ضلالةٌ
تلهيك عن ذكر وعن قرآنِ

رمضان مدرسة ومشفى فالتمس
منه الشفاء ومنهج الرضوانِ

00000000000000000000000000000000000000000000000000 00


المصدر : http://www.islamtoday.net/articles/s...=28&artid=4394