بسم الله الرحمن الرحيم
( سبحان الذى أسْرَى بعبدِِه ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )
صدق الله العظيم
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد الهادى المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم
سوف نتحدث عن لمحات عن مكانة القدس فى الاسلام
"قصةُ القُدسِ التي تُروَى حزينَهْ!
قصةُ القدسِ دماءٌ وجراحٌ
وكراماتٌ طعينهْ!
ليسَت القُدسُ شِعاراً عربياًّ كي نَخُونَهْ!
لا ولا القُدسُ يتامى وطحينا ومَعُونَهْ!
إنها القُدسُ وحسبي أنها أختُ المدِينَهْ!"

القُدس في اللغة:
القدس مأخوذ من القداسة، وهي الطهارة، قال ابنُ فارِس رَحِمَه الله في مادة (قدس): "القافٌ والدالُ والسِّين أصلٌ صحيحٌ... يدلُّ على الطهْر. ومن ذلك الأرضُ المقدَّسة هي المطهَّرة. وتسمَّى الجنَّة حَظِيرةَ القُدْس، أي الطُّهر. وجَبْرَئيلُ عليه السلامُ رُوح القُدُس. وكلُّ ذلك معناه واحد. وفي صِفَة الله تعالى: القُدُّوس، وهو ذلك المعنى؛ لأنّه منزَّهٌ عن الأضدادِ والأندادِ والصّاحبةِ والوَلَد تعالى الله عمَّا يقولُ الظالِمُون عُلُوّاً كبيراً".
وقال الراغِبُ الأصفهاني رَحِمَه الله: "التقديسُ: التطهيرُ الإلهي المذكُورُ في قولِه: (ويُطَهِّرُكم تَطهِيرا)، دون التطهيرِ الذي هو إزالةُ النجاسةِ المحسُوسة، وقوله: (ونحن نُسبِّحُ بِحَمدِك ونُقدِّسُ لك) أي: نطهر الأشياء ارتساما لك. وقيل: نقدِّسك، أي: نَصِفُك بالتقديس. وقوله: (قُلْ نزَّلَه رُوحُ القُدُس) يعني به جبريلَ من حيث إنه يَنزِلُ بالقُدس من الله، أي: بما يُطَهِّرُ به نفوسَنا من القرآن والحِكمةِ والفيضِ الإلهي. والبيتُ المقدس هو المطهَّر من النجاسة، أي: الشرك، وكذلك الأرضُ المقدسة. قال تعالى: (يا قوم ادْخلُوا الأرضَ المقدَّسةَ التي كتبَ الله لكم) وحظيرة القدس. قيل: الجنة. وقيل: الشريعة. وكلاهما صحيح، فالشريعة حظيرة منها يستفاد القدس، أي: الطهارة".
وقال الزمخشري رَحِمَه الله في مادة (قدس): "سبّحوا الله وقدّسوه وهو القدّوس... وخرج إلى البيتِ المُقدَّس وإلى القُدس وإلى الأرضِ المقدَّسة‏... وقدَّس الرجل‏:‏ أتى بيتَ المقدِس كما تقول‏:‏ كوَّفَ وبصَّرَ... وأنزلَك الله حظيرةَ القُدُس وهي الجنة‏.‏ وفي الحديثِ ‏(قُلْ ورُوحُ القُدس معك): أي ومُعِينُك جبريلُ عليه السلام‏.‏ وقيل‏:‏ وعِصمةُ الله وتوفِيقُه معك‏". ‏ وقال ابنُ حَجَر رَحِمَه الله: "(المُقدَّس) قال ابنُ عباسٍ رضِيَ الله عنه: المُبارَك. والقُدس اسمُ البَلد والمسجد. قولُه: (رُوح القُدس) أي جبريل".

سببُ تسمية القُدس بالمسجد (الأقصى):
قال القرطبي رَحِمَه الله: "قوله تعالى: (إلى المسجد الأقصى) سُمِّيَ الأقصى؛ لِبُعْدِِِِِِِِِِِِِِ ما بينَه وبين المسجد الحرام، وكان أبعدَ مسجدٍ عن أهلِ مكةَ في الأرض يُعَظَّمُ بالزيارة".

تاريخ بناء المقدس:

فقد ثبتَ أنَّ بيتَ المقدس كان ثانِيَ بيتٍ بُنِيَ لله في تاريخِ البشرية بعد البيت الحرام بمكة المكرمة، فقد قال الله عزَّ وجلَّ: (إنَّ أوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلناسِ لَلَّذي بِبَكةَ مُبارَكاً وهُدًى لِلعالَمِين فيه آياتٌ بيِّناتٌ مَقامُ إبراهيمَ ومَن دَخَلَه كان آمِناً وللهِ على الناسِ حِجُّ البَيتِ مَن استَطاعَ إليه سبيلاً). وروى البخاري رَحِمَه الله في كتاب (الأنبياء)، عن أبي ذرٍّ رَضِيَ الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرض أوَّل؟ قال: (المسجد الحرام). قال: قلتُ: ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى). قلتُ: كم كان بينَهما؟ قال: (أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصَلِّ، فإنَّ الفضل فيه). وفي روايةٍ (ثم قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، والأرض لك مسجد).

المسجد الأقصى أولى القِبلَتَيْن:

فقد كان المسلِمُون في أوَّلِ الأمرِ يُصَلُّون إلى بيتِ المقدِس ويُولُّون وُجُوهَهم قِبَلَ القُدسِ الشريف، قبلَ أنْ يتحوَّلُوا إلى استِقبالِ الكعبةِ المشرَّفة. كما قال الله عزَّ وجل: (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّـٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ). قال السعدي رَحِمَه الله: "أخبر تعالى أنه سيعترضُ السفهاءُ من الناس, وهم الذين لا يعرفون مصالِحَ أنفُسِهم, بل يُضِيعونها ويبيعونها بأبْخَسِ ثمن, وهم اليهود والنصارى, ومَنْ أشْبَهَهم مِن المُعتَرِضِين على أحكامِ الله وشرائعِه؛ وذلك أنَّ المسلمين كانوا مأمُورِين باستِقبالِ بيتِ المقدسِ مُدةَ مقامِهم بمكة، ثم بعد الهجرة إلى المدينة نحو سنة ونصف لِما لله تعالى في ذلك من الْحِكَمِ التي سيُشِير إلى بعضِها, وكانت حِكمَتُه تقتضي أمرَهم باستِقبالِ الكعبة، فأخبرهم أنه لا بُدَّ أنْ يقولَ السفهاءُ من الناس: (مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) وهي استقبال بيت المقدس، أي: أيُّ شيء صرَفَهم عنه؟".
والآية تتناوَلُ اليهودَ والمُنافِقِين وكُفَّارَ قريش؛ لاتِّصافِهم بالسَّفاهةِ وعَداوةِ الدِّين؛ قال ابنُ الجَوْزي رَحِمَه الله: "قوله تعالى: (سيَقُولُ السُّفَهاءُ من الناس) فيهم ثلاثةُ أقوال: أحدها: أنهم اليهود قاله البراءُ بن عازب ومجاهد وسعيد بن جُبَير. والثاني: أنهم أهلُ مكةَ رواه أبو صالح عن ابنِ عباس. والثالثُ: أنهم المُنافِقُون ذَكَرَه السدي عن ابنِ مسعود وابن عباس. وقد يُمكِنُ أن يكون الكلُّ قالوا ذلك". وقال ابن كثير رَحِمَه الله: "الآية عامةٌ في هؤلاء كلِّهم".
وقد استَغلَّ (السُّفَهاءُ) مِن جميعِ هؤلاءِ الأعداءِ قضيةَ تحويلِ القِبلةِ من القُدس إلى الكعبة؛ لِيُطلِقُوا شُبُهاتِهم وشائعاتِهم، كما قال القرطبي رَحِمَه الله: "المُرادُ بـ(السفهاء) هنا: اليهود الذين بالمدينة قاله مجاهد. السدي: المنافقون. الزجاج: كُفَّار قريش لَمَّا أنكَرُوا تحويلَ القِبلةِ؛ قالوا: قد اشتاقَ محمدٌ إلى مَولِدِه وعن قريبٍ يَرجِعُ إلى دينِكم، وقالت اليهودُ: قد التبَسَ عليه أمرُه وتَحيَّر، وقال المنافِقُون: (ما ولاَّهُم عن قِبلَتِهم)؟! واستهزؤوا بالمسلِمِين".
تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة:
قال القرطبي رَحِمَه الله: "روى الأئمة واللفظ لمالك عن ابنِ عمر قال: (بينما الناسُ بِقُباء في صلاةِ الصُّبح إذْ جاءَهم آتٍ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزلَ عليه الليلةَ قُرآنٌ وقد أمرَ أنْ يَستَقبِلَ الكَعبةَ؛ فاستَقبلُوها وكانت وُجُوهُهم إلى الشامِ فاستدارُوا إلى الكعبةِ)، وخرَّجَ البخاري عن البراءِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى بيتِ المقدِسِ ستةَ عشرَ شهراً أو سبعةَ عشرَ شهراً وكان يُعْجِبُه أنْ تكونَ قِبْلَتُه قِبَلَ البيتِ، وإنه صلَّى أولَ صلاةٍ صلاها العصرَ وصلَّى معه قومٌ فخرج رجلٌ مِمَّن كان صلَّى مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فمَرَّ على أهلِ المسجدِ وهم راكِعُون، فقال: أشهَدُ بالله لقد صلَّيتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكة؛ فدارُوا كما هُم قِبَلَ البيت. وكان الذي مات على القِبْلة قبل أنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ البيتِ رجالٌ قُتِلُوا لم نَدُرِ ما نقولُ فيهم؛ فأنزل الله عزَّ وجل: (وما كان الله لِيُضِيعَ إيمانَكم) ففي هذه الرواية صلاة العصر وفي رواية مالك صلاة الصبح، وقيل: نزل ذلك على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مسجدِ بني سَلِمة وهو في صلاة الظهر بعد ركعتين منها فتحوَّلَ في الصلاة؛ فسُمِّيَ ذلك المسجدُ مسجدَ القِبْلَتَين".
وقال ابن كثير رحمه الله: "قال البخاري... عن البراءِ رَضِيَ الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى بيتِ المَقْدِس ستةَ عشرَ شهراً أو سبعةَ عشرَ شهراً، وكان يُعجِبُه أنْ تكونَ قبلتُه قِبَلَ البيت، وأنه صلَّى أولَ صلاةٍ صلاَّها صلاةَ العصر، وصلى معه قومٌ؛ فخرج رجلٌ ممن كان صلى معه؛ فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة؛ فداروا كما هم قِبَلَ البيت، وكان الذي قد مات على القِبلة قبلَ أنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ البَيتِ رجالا قُتِِلُوا لَم ندر ما نقول فيهم؟ فأنزل الله (وما كان الله لِيُضِيعَ إيمانَكم إنَّ الله بالناسِ لرءوفٌ رَحيم) انفردَ به البخاري مِن هذا الوجه. ورواه مسلمٌ مِن وجهٍ آخر".
الحِكمة من تحويلِ القِبلة:
وقد كانت الحِكمةُ مِن تَحويلِ الكعبةِ ابتلاءَ الناس وتمحِيصَهم لِتَمييزِ الخبيثِ من الطيِّب، ومعرفةِ الصادق في إيمانِه وتسليمِه من الكاذب الذي ينقلب على عَقِبَيه، كما قال الله عز وجل: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
ولقد أحسن سيد قطب في بيانِ بعضِ الْحِكَم، فقال رَحِمَه الله: "كان هذا حادِثاً عظيماً في تاريخِ الجماعةِ المسلمةِ، وكانت له آثارٌ ضَخمةٌ في حياتِها؛ لقد كان تحويلُ القِبلةِ أولا عن الكعبةِ إلى المسجدِ الأقصى لِحِكْمةٍ تربويَّةٍ أشارَتْ إليها آيةٌ في هذا الدرسِ (وما جَعَلْنا القِبْلةَ التي كنتَ عليها إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتبَِّعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ على عَقِبَيْه)؛ فقد كان العربُ يُعَظِّمُون البيتَ الحرامَ في جاهِلِيَّتِهم ويَعُدُّونَه عُنوانَ مَجْدِهم القومِي، ولَمَّا كان الإسلامُ يُرِيدُ استِخلاصَ القُلوبِ لله وتَجْرِيدَها مِن التعلُّقِ بِغَيْرِه وتَخْلِيصَها مِن كلِّ نَعْرَةٍ وكلِّ عَصَبيةٍ لغيرِ المنهجِ الإسلامِي المرتبِطِ باللهِ مُباشرةً المجرَّدِ مِن كلِّ مُلابَسَةٍ تاريخيةٍ أو عُنصُرِيةٍ أو أرضِيةٍ على العُموم! فقد نَزَعَهم نَزعاً من الاتجاهِ إلى البيتِ الحرامِ، واختارَ لهم الاتجاهَ فَترةً إلى المسجدِ الأقصَى؛ لِيُخَلِّصَ نُفوسَهم مِن رَواسِبِ الجاهليةِ ومن كلِّ ما كانت تتعلَّقُ به في الجاهليةِ؛ ولِيَظهَرَ (مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) اتِّباعاً مُجَرَّداً مِن كلِّ إيحاءٍ آخَرَ، اتباعَ الطاعةِ الواثِقةِ الراضِيةِ المستَسْلِمةِ مِمَّنْ يَنقَلِبُ على عَقِبَيْه اعتِزازاً بِنَعرةٍ جَاهِلِيةٍ تتعلَّقُ بالجنسِ والقومِ والأرضِ والتاريخِ; أو تتلبَّسُ بها في خَفايا المشاعِرِ وحَنايا الضَّميرِ أي تَلَبُّسٍ مِن قريبٍ أو مِن بَعيدٍ. حتى إذا استسلَمَ المسلمُون واتجهُوا إلى القِبلةِ التي وَجَّهَهم إليها الرسولُ صلى الله عليه وسلم وفي الوقتِ ذاتِه بدأ اليهودُ يتَّخِذُون مِن هذا الوَضعِ حُجَّةً لهم؛ صَدَرَ الأمرُ الإلهي الكريمُ بالاتجاهِ إلى المسجِدِ الحرامِ؛ ولكنَّه ربَطَ قُلُوبَ المسلمِين بحقيقةٍ أخرى بشأنِه هي حَقِيقةُ الإسلامِ، حقيقةُ أنَّ هذا البيتَ بناه إبراهيمُ وإسماعيلُ؛ ليكون خالصاً لله، وليكون تُراثاً للأمةِ المسلمةِ التي نشأت تلبيةً لِدَعوةِ إبراهيم ربَّه أنْ يبعثَ في بَنِيه رسولا مِنهم بالإسلامِ الذي كان عليه هو وبنوه وحَفَدَتُه".

المسجد الأقصى المُبارَك:
فقد قال الله عزَّ وجل: (سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ). قال ابن كثير رحمه الله: "(من المسجد الحرام) وهو مسجد مكة (إلى المسجد الأقصى) وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام, ولهذا جمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم, فدل على أنه هو الإمام الأعظم, والرئيس المقدم, صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقوله تعالى: (الذي باركنا حوله) أي في الزروع والثمار". وقال القرطبي رحمه الله: (الذي بارَكْنا حولَه) قيل: بالثمار وبمجاري الأنهار. وقيل: بِمَن دُفِنَ حوله من الأنبياء والصالِحين؛ وبهذا جعلَه مُقدَّسا". وقال السعدي رَحِمَه الله: "ومِن بَرَكتِه تَفضِيلُه على غيرِه من المساجد، سوى المسجدِ الحَرام ومَسجدِ المدينة، وأنه يُطلَبُ شدُّ الرَّحلِ إليه للعبادةِ والصلاةِ فيه، وأنَّ الله اختصَّه مَحَلاًّ لِكَثيرٍ مِن أنبيائه وأصفِيائه". وقال سيد قطب رَحِمَه الله: "وَوَصفُ المسجدِ الأقصى بأنه (الذي بارَكْنا حَولَه) وَصْفٌ يَرْسُمُ البَرَكةَ حافَّةً بالمسجِد فائضةً عليه. وهو ظِلٌّ لم يُكُنْ لِيُلْقِيهِ تَعبِيرٌ مُباشِرٌ مثل: (بارَكْناه)، أو (بارَكْنا) فيه. وذلك من دقائقِ التعبيرِ القرآني العَجيب".

الأقصى من المساجد التي تُشَدُّ إليها الرِّحال:

روى البخاري رحمه الله في كتاب التطوع، باب (مسجد بيت المقدس) عن قزعة مولى زياد قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه: يحدث بأربع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأعجبنني وآنفنني، قال: (لا تُسافِرُ المرأةُ يومين إلا معَها زوجُها أو ذو مَحْرَم، ولا صومَ في يومَين: الفطر والأضحى، ولا صلاةَ بعد صلاتين: بعد الصبح حتى تطلعَ الشمس، وبعد العصرِ حتى تغرب. ولا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي).
وقال القرطبي رَحِمَه الله: "ونذكر هنا قولَه صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس). خرَّجَه مالك من حديث أبي هريرة. وفيه ما يَدُلُّ على فضلِ هذه المساجد الثلاثة على سائرِ المساجِد؛ لهذا قال العلماء: مَن نذَرَ صلاةً في مسجدٍ لا يَصِلُ إليه إلا برحلةٍ وراحلةٍ فلا يفعَلْ، ويصلي في مسجدِه، إلا في الثلاثةِ المساجدِ المذكورَة؛ فإنه مَن نذَرَ صلاةً فيها خرجَ إليها. وقد قال مالك وجماعةٌ من أهلِ العلم فيمَن نذرَ رِباطاً في ثَغرٍ يَسُدُّه: فإنه يلزمُه الوفاءُ حيث كان الرِّباط؛ لأنه طاعةُ الله عزَّ وجل".
فليت شِعري من لنا بشَدِّ الرِّحالِ إلى المسجد الأقصى؟ والصلاة في القُدس الشريف؟

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبِه ومن والاه.

-----------------------------------------------------
نقلا عن الدكتور - محمد عمر دولة
شبكة المشكاة الاسلامية