أرجو من أدارة المنتدى تثبيت الموضوع

سيلاحظ المتتبع لحركة سوق الأسهم أن النشاط قد بدأ يدب فيها بعد سبات , ومرد ذلك برأيي في المقام الأول هو الأقبال الكبير من قبل المستثمرين للولوج في هذا المضمار من الأستثمار الحيوي , ولست في هذا المقام بصدد التحدث عن تطورات وتقلبات السوق , لأن المتطلع الى تجربة شخص معين سيكفيه ذلك عناء التنقيب والبحث عن الأسباب , وذلك للتشابه الكبير بينهم في الخلفية الاستثمارية الغير ناضجة.

ان ولوج أعداد كبيرة من المستثمرين في هذا المضمار اعتبره بحق ظاهرة صحيحة تستحق تحية خاصة , لما لها من كبير الأثر في دفع النشاط الأقتصادي برمته , أو ما يمكن تسميته بالرأسمالية الشعبية , الا انني من الجهة الأخرى أجد نفسي ملزما بالتريث قبل القاء هذه ((( التحية ))) بصورة كاملة , وذلك بسبب الغياب الواضح للثقافة الأدارية التي من المفترض ان يتسلح بها المتعامل مع هذا النمط من الأستثمار لأنها ( أي الثقافة الأدارية ) تعتبر السلاح الذي يحقق الفعالية , وكفاءة التوازن , والاستقرار والأتساق.

ان الثقافة الأدارية التي أقصدها هي المعرفة اللازمة الأساسية بالأمور المالية والمحاسبية , والتي يجب لن يلم بها المتعامل في السوق , فهي التي تؤثر على سلوكه واتجاهاته , وقراراته , وبمعنى أخر هي منهج تفكير , ونهج تنفيذي , مبني على معرفة واتباع لقوانين واجراءات متقنة تساهم في صناعة القرار السليم.

ان الملاحظة الأولى الغالبة في السوق هي انعدام التوجه الاستثماري العقلاني المبني على التحليلت المالية عند الشروع في الاستثمار , والأعتماد الواضح على التوجه الاستثماري الوجداني , ومما لاشك فيه ان قرار بيع وشراء الأسهم يعتبر من المسائل العقلانية التي يجب ان لا تتأثر بالوجدان , وبنفس القدر بشكل معاكس في حالة وجود مساءل وجدانية تفشل حتما اذا بنيت على خط عقلاني , ولكن من الملاحظ ((( وللأسف ))) ان جل المتعاملين في السوق ممن يركنون الى الوجدان في عملية شراء الاسهم , حيث لايستند قرارهم على أسس جوهرية قوية مبنية على معرفة ودراية بالشركة التي يراد شراء أسهمها , ولا على التحليل المالي لأدائها , ولا على التحليل الفني لها من جهة أخرى , انما تتم بطريقة ارتجالية تبتعد كل البعد عن دقة التحليل على الأقل.

ان جوهر الثقافة الأدارية يتمثل في المعرفة التامة بقراءة الميزانية العامة , والمركز المالي للشركة , وكيفية حساب الأرباح والخسائر , أو قائمة الدخل , وقائمة التدفق النقدي , وقائمة التغييرات في حقوق المساهمين ويتم ذلك بعد المرور بثلاثة مراحل ((( تعليمية ))) وهي كالتالي :
* المرحلة الأولى : المعرفة الكاملة بأساسيات التحليل المحاسبي لعملية الأستثمار الخاصة بشراءالأسهم في شركة معينة , فهي اساس الثقافة الأدارية المنشودة
الا ان واقع الحال يقول وبصراحة ان الامية الفكرية الادارية في هذا المجال مازالت متفشية في سوقنا , والدليل على ذلك هو الجهل التام بأهمية التعليم الذاتي المتمثلة أساسا في بذل الجهد لأكتساب المعرفة في تحليل البيانات والمعلومات , وصولا لقرارات تحسن من نمط قرار الشراء أو البيع.
*المرحلة الثانية : اكتساب المقدرة على تحليل النتائج المالية , والتي تنبثق الكثير من التفاصيل , مثل عائدات الأسهم , ومضاعفة القيمة السوقية , وتطوير الأنتماء لهذا السوق بربط هذه التحليلات مع الثقافة المحلية السائدة في اطار منهج تحكمه العقلانية , مع عدم اغفال الوجدان الحسي في توقعات المستقبل للشركة التي ترغب في شراء أسهمها بهدف استثماري , أو حتى للمضاربة باستخدام التحليل الفني.
*المرحلة الثالثة : الاطلاع على مصادر الثقافة الادارية في الدول المتقدمة , وبذل الجهد الفكري في تحليل نتائج الصعود والهبوط لتك الاسواق.

ان الترابط والتداخل والتشابك , بين هذه المراحل الثلاث , يشكل في مجمله روح الثقافة الأدارية المتخصصة في السوق , والذي اعتقد انها مفقودة تماما في بيئة سوق الاسهم لدينا , اما في الدول المتقدمة التي تهتم بالتأسيس المنهجي لنشاطاتها, فهناك العديد من معاهد التدريب النتخصصة , والتي تقوم بتوفير التدريب اللازم لصقل من يتعامل في سوق الاسهم وسوق الأوراق المالية الأخرى بالمعرفة والمهارة المطلوبة , حيث تمنح خريجيها شهادات تدريبية متدرجة يصل عددها الى اربعة عشرة شهادة , بدءا من مرحلة بناء القدرة على قراءة القوائم المالية وعناصرها , ثم القدرة على التحليل المالي لتتشعب بعد ذلك الى المتخصصين , والوسطاء , والمضاربين.

وكعادتنا , فاننا نفتقر الى مثل هذه المعاهد , وربما تنعدم هذه المعاهد التدريبية المتخصصة , ولاتوجد بطبيعة الحال شهادات مهنية تمكن حامليها من التعامل السليم في السوق , بل لا توجد حقائب تدريبية لشهادة واحدة من هذه الشهادات التدريبية المحترفة , ومن الجانب الأخر فقد تعدت الدول المتقدمة مرحلة المعاهد التدريبية , حيث استنبطت شهادات مهنية على الحاسب الالي يطلق عليها اسم اي سي دي ال كنوع من البلاغة والتفجير اللغوي من خلال تشبيهها برخصة قيادة السيارات.

ان انعدام المعاهد االتدريبية المتخصصة بسوق الاسهم يعود في المقام الاول الى عدم اهتمام المتعاملين بالاسهم أو قل جهلهم بأهمية التدريب والصقل في هذا الحقل , فكما لايمكن للشخص ان يقود سيارة دون حصوله على رخصة السيارة لأنه قد تدرب عليها , وعليه واعتمادا على نفس المعيار سوف لن يستطيع أحد أن يقود سفينة التعامل في أسواق الأسهم بأمان , مالم يكن قد تدرب عليها تماما , لأنه بهذا التدريب سيكتسب مهارات تمكنه من التعامل السليم في هذا الميدان والمضحك المبكي ان المتعاملين في السوق , لايجاهرون بجهلهم بهذه المعرفة
الحيوية , والتي تنحصر قي رصيدهم المعرفي البسيط الذي اكتسبوه من اقرانهم وأصدقائهم , ومعارفهم , ولست
في هذا المقام بصدد انتقاد هذا النمط من التعليم الذي لا لأعرف مصدره , الا انني ومن خلال هذا المنتدى
أنادي بصوت مرتفع بضرورة الأعتراف بوجود أمية فكرية في أساسيات الثقافة الأدارية المتخصصة بسوق المال , بالاضافة الى التحليل الفني , واستنادا على ذلك وجب
علينا جميعا أن نشمر عن ساعد الجد لمحو هذه الأمية , باتباع طرق منهجية تتمثل بالأتي:
1- العمل الؤب على انشاء المعاهد المؤهلة والمتخصصة , بغرض تقديم الجرعات التدريبية المكثفة حول أساسيات عمل سوق الأسهم والمال.
2 - التدرج في الدورات بالأساسيات وصولا الى شهادات التأهل الاحترافية كما هو الحال في الدول المتقدمة التي سبقتنا في هذا المضمار.
3 - العمل على اصدار النشرات اليومية المتخصصة التي تعني بأخبار الشركات من حيث أغراضها , وأهدافها , والنظرة المستقبلية للأداء , والأنجاز المتوقع وأخبار تعيينات مجالس الأدارات , والنتائج الشهرية
للشركات عوضا عن الربع سنوية , على أن يكون اصدار هذه النتائج اليومية برغبة وموافقة من الشركة
بالأضافة للنتائج الربع سنوية , الى جانب المقالات التعليمية والتثقيفية حول السوق.

ومع التحسن الوقتي في ارساء وتجذير قيم هذه الثقافة الأدارية المتخصصة , ستنتفي الحاجة تدريجيا الى الشماعة التي تعلق عليها اسباب صعود وهبوط أسعار الأسهم , وستتوقف نتيجة لذلك الأشاعات , والكتابات المضللة المطبلة الصفراء التي تصوب سهام نقدها نحو الاجهزة الرقابية , التي لاناقة لها ولا جمل في التدخل باقتصاديات السوق , وبهذا نبني روح التعلم والعمل , والفكر والعقل والوجدان , ونرسي دعائم يناء الفرد القادر على تحمل المسؤولية......................................... .................

أبو عبدالرحمن