إن فهم العلاقة المعقدة والمتبادلة بين (الاستيراد، التصدير، سعر العملة) يعتبر مدخلاً اساسياً لفهم الاقتصاد وأسواق المال ومناخ الاستثمار في بلد ما؛ ويتوقف على هذا الفهم، أهم القرارات بالنسبة للمستثمرين والمتداولين بل وحتى المواطنين العاديين.

فكيف نفهم هذه العلاقة؟!
تعتبر معادلة (إجمالي الناتج المحلي) هي المعادلة الأساس في الاقتصاد، وهي تُحسب كالآتي: {الانفاق الحكومي + الانفاق الشخصي + الانفاق الاستثماري + (الصادرات - الواردات)}
ورغم أهمية جميع عناصر هذه المعادلة في فهم النمو الاقتصادي، إلا إن التركيز سيكون على متغير (الصادرات - الواردات)
في حالة الفائض بالميزان التجاري، فذلك يعني أن صادرات البلد أعلى من وارداته.
بينما في حالة (العجز بالميزان التجاري)، فيعني أن البلد يستورد الكثير، بل وأكثر مما يصدره للعالم، وبالتالي يكون الرقم الناتج بالسالب.
ومن البديهي واليسير على الفهم، أن الفائض بالميزان التجاري يساهم بنمو الاقتصاد، فتنامي الصادرات تعني تحسن إنتاجية المصانع وتوظيفها المزيد من العاملين، إضافة لذلك، إن تدفق الأموال إلى البلد الناجمة عن التصدير، سيحفز إنفاق المستهلكين ويسهم من طريق أخرى بالنمو الاقتصادي.
على الجانب الاخر، يمثل (العجز التجاري) صخرة تثقل كاهل الاقتصاد، نتيجة لاضطرار البلد لدفع المزيد من الأموال لقاء السلع والخدمات التي أستوردها من الخارج، وهذا سينتج ميزان تجاري ذو رقم سالب (عجز الميزان التجاري).
من المهم ملاحظة، إن الواردات ليست ضرراً دائماً من وجهة نظر اقتصادية، فهي تعتبراً عنصراً حيوياً في الاقتصاد، حيث أن مستوى مرتفع من الواردات يعتبر مؤشراً لطلب محلي القوي واقتصاد متنامي، كذلك يعتبر الأستيراد أمر إيجابي في حال لو كانت هذه الاستيراد لأصول إنتاجية مثل الآلات والمعدات، فهو يؤشر لتحسن إنتاجية البلد على المدى الطويل.
وعليه فإن الاقتصاد السليم هو الذي تتنامى فيه الصادرات والواردات معاً، بل وحتى في حالات الميزان التجاري الذي يسجل عجزاً، أي تكون في الواردات أعلى من الصادرات! فذلك يعني أن الاقتصاد العالمي بصحة أفضل من الاقتصاد المحلي، وصحة الاقتصاد العالمي يوفر الفرصة للاقتصاد المحلي على تحقيق المزيد من النمو؛ فمثلاً رغم تفاقم عجزها التجاري، استمرت الولايات المتحدة بكونها أكثر الدول إنتاجية في العالم، مستفيدة من صحة الاقتصاد العالمي الذي ازداد الطلب فيه على منتجاتها.
ومع ذلك، فإن استمرار العجز التجاري لفترات طويلة، يمكن أن يؤثر سلباً على إحدى أهم المتغيرات الاقتصادية، وهو سعر صرف العملة المحلية.

الاستيراد والتصدير وأسعار الصرف:
العلاقة المتبادلة بين (واردات وصادرات) البلد وبين سعر صرف عملته هي علاقة معقدة، ولكن على العموم فإن ضعف العملة، الذي قد يبدوا أنه أمر سيء، ولكنه في الحقيقة يحفز الصادرات، ويخفض الواردات، ويجعلها أكثر تكلفة، وعلى العكس، فإن وجود عملة محلية قوية يعيق الصادرات ويجعل الواردات أرخص.
لنستخدم مثلاً يوضح كيف يقلل (الدولار القوي) من حجم الصادرات الأمريكية للصين.
افترض ان 1 دولار امريكي= 6 يوان صيني، تخيل أن جهاز الكتروني سعره 10 دولار، في الولايات المتحدة تم تصديره إلى الصين، سيكون سعر هذا الجهاز في الصين بسعر 60 يوان.
والآن في حالة أرتفع سعر الدولار مقابل اليوان، أي أصبح (1 دولار = 7يوان) فان الجهاز سيصبح سعره في الصين 70 يوان، وبالتالي سيصبح سعره أغلى ثمناً للمستهلك الصيني الذي سيبحث عن أجهزة ذات منشأ أرخص، بمعنى أن قوة دولار وارتفاعه بنسبة 16% مقابل اليوان الصيني قد قلل من تنافسية المنتجات الامريكية. أمام المنتجات الأخرى.
للنظر كيف يشجع (اليوان الضعيف) الصادرات الصينية، فمصنع لإنتاج القمصان، يبيع منتجاته في السوق الامريكية مقابل 10 دولار أي ما يساوي 60 يوان صيني، ولكن عندما يضعف اليوان الصيني نسبة 16%، فإن الـ (10$) في الصين تصبح 70 يوان بدلاً من 60 يوان، وهنا سيكون التاجر الصيني قادراً على خفض قيمة منتجاته، أي ستصبح المنتجات الصينية أكثر تنافسية في السوق الأمريكية.
وهكذا نرى، أن ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 16% مقابل اليوان ساهم بانخفاض صادرات الولايات المتحدة الإلكترونية التي أصبحت أقل جاذبية وتنافسية للمستهلك الصيني، بينما دفع المتنجات الصينية؛ لأن تصبح أكثر جاذبية للمستهلك الأمريكي بسبب رخص ثمنها عن تلك المصنعة في الولايات المتحدة.
ومن المثال أعلاه، نرى مدى تأثير تحركات العملة على واردات وصادرات البلدان، ولذلك تسعى بعض الدول في بعض الأحيان لحل مشكلاتها الاقتصادية باللجوء إلى أسلوب خفض قيمة عملتها المحلية وقمعها والاحتفاظ بها عند مستويات منخفضة بشكل غير طبيعي، كما فعلت الصين، خلال فترة 1994 – 2004، حيث احتفظت باليوان ثابتاً، ثم سمحت له بالارتفاع التدريجي مقابل الدولار الأمريكي، وهذا ما أعطى ميزة تنافسية للمنتجات الصينية وساهم بغزو التنين الصيني للأسواق الامريكية.