ليس

مساً من الشيطان والمريض

ليس معوقاً
أعذر القدماء فى وصف ووصم مريض الصرع بأنه يعانى مساً من الشياطين، فالتشنج والتخشب وعض اللسان حتى النزف.. إلى آخر تلك المظاهر الصادمة التى جسدها الفنان محيى إسماعيل فى المشهد الشهير فى فيلم «الإخوة الأعداء »، كل هذه المظاهر قديماً كانت مزعجة وصادمة إلى أن ظهر التفسير العلمى وأصبحت تحت السيطرة، فطردت الشياطين من دائرة الصرع ، وبدأت تحل محلها تعبيرات بؤرة الصرع وكهرباء المخ.. إلخ.. أسئلة كثيرة تدور فى أذهان أسرة مريض الصرع المعذبة أكثر من المريض نفسه: هل هناك علاج؟، هل من الممكن أن يعيش بصورة طبيعية؟، هل يستطيع أن يتزوج وأن يقود السيارة؟، هل تستطيع الحمل والولادة؟.. هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عنها فى «بالطو أبيض ».
تاريخ الصرع بين المرض المقدس والجنون
المرض المقدس كان هذا هو الاسم الذى أطلقه اليونانيون على مرض الصرع لأنهم كانوا يعتبرونه من صنع قوى خارقة، فكان مريض الصرع يعالج معالجة خاصة، إذ يؤخذ للمعبد فيغسل ويدهن بالعطور والزيوت ويؤمر بالصيام وبأداء طقوس خاصة وبتقديم القرابين للآلهة الناقمة لكى تصفح عنه، واعتقد اليهود أن عدداً من الأمراض من ضمنها الصرع والجنون ما هى إلا عقاب للمذنبين، واعتقد هنود قبائل الأنكا أن المسبب للصرع هو قوى شريرة، وطردها يتم بإحداث ثقوب فى الجمجمة، لكن عدداً من أعلام الطب الإسلامى كـ«ابن سينا والرازى» قابلوا هذه التفسيرات غير الطبيعية للصرع بتفسيرات علمية من حيث المبدأ، أى على أنها حالات تنجم عن اضطراب دماغ الإنسان وعقله، وبالتالى توجهوا فى علاجهم نحو «تهدئة الدماغ وتطمين العقل، بل زرع الثقة فى نفس المريض»، لكن حتى هؤلاء بقوا يصنفون الصرع فى مجموعة الأمراض العقلية المعروفة خطأ بالجنون، لذلك بقى الجنون أحد المعانى المتداولة للصرع، ففى معجم من اللغة يُعرف «الصرع» بأنه داء يشبه الجنون ويقال: صرع بمعنى جن فهو صريع والصريع هو المصروع أو المجنون.
التشخيص.. السهل الممتنع

مرض الصرع

■ معرفة جيدة لتاريخ المرض، ووصف دقيق للنوبة الصرعية من أحد أقارب المريض أو من يشاهد حدوث النوبة، وهذه هى أهم مرحلة فى التشخيص.
■ مرحلة الفحص السريرى للمريض.
■ مرحلة إجراء رسام المخ الكهربى، الذى قد يظهر التغيرات الصرعية فى خلايا المخ بنسبة تصل إلى 50% من الحالات، ويجب هنا الإشارة إلى أن من 10 إلى 40% من حالات الصرع لا يظهر رسام المخ الكهربائى أى تغيرات صرعية، لكن هذا لا ينفى وجود مرض الصرع.
■ فى بعض حالات الصرع، خاصة فى حالات الصرع الجزئى، قد نحتاج لعمل أشعة مقطعية على المخ أو أشعة الرنين المغناطيسى على المخ.
■ الفحوصات المعملية التى يجب أن تجرى بصفة روتينية، مثل مستوى الكالسيوم والماغنسيوم والصوديوم والجلوكوز فى الدم إضافة إلى وظائف الكبد والكلى، وفى بعض الحالات قد يتطلب الأمر إجراء تحليل دم أو بول للسميات والمواد الكحولية والحبوب المخدرة التى قد يتعاطها بعض المدمنين، والتى قد تسبب نوبات صرعية.
خدعوك فقالوا «لابد أن تصاحبه تشنجات»


مرض الصرع


الصرع المعروف لدينا جميعاً هو الذى يتميز بفقدان الوعى وخروج زبد من الفم، وقد يحدث عض اللسان أو تبول لا إرادى أثناء النوبة، التى قد تستمر دقائق قليلة، لكن هناك نوعا آخر من الصرع العام المصحوب بسرحان أو غياب لفترة وجيزة، يتوقف خلالها نشاط الطفل ثم سرعان ما يستأنف نشاطه، غير مدرك أن نوبة قد حدثت، وهذا النوع يحدث فى الأطفال، وتكمن أهمية هذه النوبات فى أنها قد تؤثر على التحصيل الدراسى للطفل، وتحتاج إلى تعاون وثيق من المدرس وأهل الطفل وإخصائى أمراض المخ والأعصاب لسرعه تشخيصها.
العلاج فن وجرعة الدواء بميزان الذهب



العلاج الدوائى يمكنه ضبط النوبات من 60 إلى 70% من الحالات، وتزيد هذه النسبة مع وجود مضادات الصرع الحديثة، فتبلغ حوالى 85% من الحالات مع أهمية النقاط التالية:-
1 يتم اختيار الدواء العلاجى على حسب نوع النشاط الكهربى الزائد بالمخ.
2 يتم اختيار العلاج الذى يحقق أكبر كفاءة مع أقل أعراض جانبية بأقل جرعة ممكنة.
3 لا يتم الدفع بالدواء الثانى إضافة إلى الدواء الأول (أو استبدال الدواء الأول) إلا بعد التأكد من استعمال الجرعة الملائمة من الدواء الأول (بقياس مستوى الدواء فى الدم).
4 فى حالة اختيار الدواء الثانى فإنه يراعى أن يعمل بطريقة تختلف عن الدواء الأول، وألا ينتج عن إضافته حدوث تفاعلات دوائية قد تكون لها آثار جانبية.
5 يراعى عند أخذ الدواء أن يؤخذ فى مواعيد ثابتة وباستمرار وانتظام.
6 إجراء رسام المخ الكهربى وقياس مستوى الدواء فى الدم وإجراء تحاليل لوظائف الكبد، ويراعى أن يتجنب المريض خبطات الرأس، السهر، الجوع، والمجهود الذهنى أو العضلى الزائد، وأن تكون مشاهدة التلفزيون والجلوس أمام الكمبيوتر وألعاب الفيديو بعد استقرار الحالة وباستخدام شاشات غامقة وأحيانا بارتداء نظارات عاكسة للموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من هذه الأجهزة.
هل يمكن لمريض الصرع أن يتزوج وللمريضة أن تحمل


يمكن لمريض الصرع أن يتزوج ومريضة الصرع مسموح لها بالحمل، شريطة المتابعة الدقيقة لدى إخصائى أمراض المخ والأعصاب، واختيار العلاج الأقل تأثيرا على الجنين أثناء الحمل.
وأيضا فإنه يمكن لمريض الصرع أن يمارس الأنواع الخفيفة من الألعاب الرياضية وأن يتجنب فقط الألعاب الخطرة، مثل ركوب الخيل والدرجات البخارية والملاكمة والمصارعة والغوص، كما أنه يمكن لمريض الصرع أن يقود السيارة بشرط أن يكون قد تم ضبط النوبات الصرعية، وتوقفت النوبات تماما وأجرى له رسام المخ الكهربى مرتين أو ثلاثا، وثبت أنه طبيعى، أى أن مريض الصرع يستطيع أن يحيا حياة طبيعية تماما، وأن يتفوق فى دراسته مثل أى إنسان آخر طبيعى.
علاج الصرع بالجراحة
المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج (تحدث لهم نوبات ولو صغرى مع العلاج)، فهؤلاء لابد من إدخالهم برنامج تقييم حالات الصرع لإمكانية العلاج الجراحى، وتأجيل الجراحة هنا يؤدى إلى تفاقم الحالة وصعوبة الشفاء، وطريقة التقييم تتمثل فى تسجيل الشحنات الكهربائية للمخ بأجهزة خاصة تقوم بتحديد موضع البؤرة الصرعية.
ثم يأتى دور الجراحة لاستئصال البؤرة الصرعية، وهى معروفة بالغرب منذ 80 عاما، لكن التطور المذهل فى وسائل التشخيص والجراحة بالميكروسكوب جعل هذه الجراحات آمنة وفعالة ونتائجها 85%، خاصة حال وجود البؤرة بالفص الصدغى أو الأمامى للمخ، حيث تستأصل البؤرة بأمان تام، وأصعب هذه العمليات عندما تكون البؤرة متداخلة مع مراكز المخ كالحركة والكلام، وهنا تستخدم أجهزة خاصة لتحديد موضع تلك المراكز وإمكانية استئصال البؤرة دون المساس بمراكز المخ. أما الأطفال المصابون بنوبات السقوط المتكرر فتجرى لهم جراحات خاصة لمنع حدوث السقوط.


«دوستويفسكى» انتصر على المرض بالإبداع

الكاتب الروسى دوستويفسكى

كان الكاتب الروسى دوستويفسكى، أشهر روائى فى العالم، مريضا بنوع نادر من الصرع فى الفص الصدغى للدماغ يسمى «صرع الانتشاء»، هاجمه هذا المرض فى التاسعة من عمره وازداد إيقاعه فى العقدين الأخيرين، حيث تعرض لـ ١٠٢ نوبة صرع فى هذين العقدين، كانت النوبات تحدث غالبا ليلا، وكانت نوبات صرع من النوع الكبير «grand-mal seizure»، أما تلك التى كانت تحدث صباحا فكان يسبقها إنذار الصرع أو ما يسمى «أورة الصرع»، ما أدى بالأطباء إلى أن يستنتجوا أنه كان مريضا بالصرع فى الفص الصدغى مصاحبا بنوبات صرع من النوع الكبير.. استخدم الكاتب خبرته مع الصرع فى خلق أربع شخصيات مصابة بالصرع فى رواياته الاثنى عشر وهم:
- كيريلوف فى «الشياطين»
- سميردياكوف فى «الإخوة كرامازوف»
- نيلى فى «المهان والمجروح»
- الأمير مشكين فى «الأبله»
وتوضح رواية «الأبله» كيف يمكن التعبير عن المرض فى الأدب بطريقة أخاذة، بحيث يسمح لنا دستويفسكى بالتوغل فى عقل ومشاعر مريض الصرع من خلال شخصية «الأمير مشكين»، وكمثال يشرح لنا تفاصيل بداية نوبة صرع الأمير يسبقها إحساس بالسعادة والنشوة (أورة الصرع) فى هذه الفقرة:
«وقال إنه كان يظن أن هناك لحظة أو اثنتين فى قبل نوبة الصرع مباشرة، فجأة وسط الحزن والظلام الروحى والاكتئاب، تضىء دماغه لحظات.. زاد إحساسه بالحياة والوعى عشرة أضعاف فى تلك اللحظات التى تومض مثل البرق. وغمر عقله وقلبه ضوء مبهر. وشعر بهدوء عظيم، ولكن هذه اللحظات لا تدوم أكثر من ثوان قبل أن تبدأ التشنجات والتى كانت، بطبيعة الحال، لا تطاق».
هذا الوصف مشابه جدا لحالة الصرع لدى دستويفسكى نفسه، والتى قال عنها:
«أشعر للحظات بدرجة من السعادة، من المستحيل أن أشعر بها فى حالتى العادية. أشعر بالانسجام الكامل فى نفسى وفى العالم كله، والشعور قوى جدا للدرجة التى تجعل الفرد مستعدا للتخلى عن عشر سنوات من الحياة، ربما كل الحياة».
«شعرت أن الجنة نزلت إلى الأرض وابتلعتنى. كل واحد منكم أيها الأصحاء لا يعرف معنى السعادة التى نشعر بها نحن مرضى الصرع لثانية قبل أن تنتابنا النوبة».
كان دستويفسكى يعانى جسديا وعقليا بعد تشنجات كل نوبة، وكان التعافى منها يستغرق أسبوعا، وكان يصف أعراض ما بعد النوبة بأن ذهنه لم يكن صافيا، يشعر بألم فى رأسه ويضحك بطريقة عصبية ويشعر بالاكتئاب.
مريض وبطل رياضى
هناك بدهية مستقرة فى أذهان الأسرة المصرية، أن مريض الصرع ممنوع من ممارسة الرياضة، اليوم سنحطم تلك البدهية ونقدم لكم مجرد نماذج لأبطال رياضيين عالميين مصابين بالصرع:
بوبى جونز



حصل بوبى جونز، لاعب كرة السلة فى دورى المحترفين الأمريكى، على جائزة أشجع رياضى فى فيلادلفيا بعد تغلبه على الصرع والربو وأمراض القلب، واستطاعته ممارسة الرياضة بشكل محترف.
داى جرين



العداء البريطانى الحاصل على بطولة العالم فى مسافة الـ 400 متر مصاب بمرض الصرع، ويقول إن كل ما يهم لتحدى المرض هو التركيز وعدم الاستسلام فى التدريب.
تيكى وروندى باربر

تيكى وروندى باربر
الأخوان تيكى وروندى باربر عانيا من نوبات الصرع فى الصغر، وكلاهما بطل من أبطال كرة القدم الأمريكية، كما أن ابن اللاعب تيكى يعانى أيضا من نوبات صرع.



فلورينس جريفيث جوينر

تعتبر هذه العداءة الأمريكية أسرع امرأة فى العالم، حيث إنها تحمل الرقم العالمى فى سباقات الـ 100 والـ 200 متر، كانت تعانى هذه العداءة من نوبات صرع متعددة فى فترة التسعينيات.. الى ان توفيت بسبب الاختناق نتيجة نوبة صرع عام 1998.


الصرع فى أرقام
40 مليون شخص مصاب بالصرع في العالم
30 إلي 80 حالة سنويا لكل 100,000 نسمة هو معدل حدوث حالات جديدة للصرع
4 إلي 10 حالات لكل 1000 نسمة معدل انتشار الحالات الصرعية
65% من حالات الصرع غير معروفة الأسباب
10% من الحالات تكون بسبب إصابة الأوعية الدموية المخية بالجلطة أو النزيف أو الالتهابات
8% يكون بسبب عيوب خلقية بالمخ، و5,5% بسبب إصابات الدماغ
٣٫٥٪ بسبب نقص الأوكسجين وتدهور في خلايا المخ، و2,5 % بسبب العدوي والحميات