" إهمال القلب وسوء الخاتمة "

إن إهمال العناية بالقلب تحلية وتخلية سبب لسوء الخاتمة والعياذ بالله .

وقد أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في الصحيحين من حديث سهل ابن سعد أنه قال : صلى الله عليه وسلم :
«إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس
وهو من أهل الجنة» زاد البخاري : «وإنما الأعمال بالخواتيم» (صحيح البخاري ومسلم) .

قال ابن رجب : (قوله : (فيما يبدو للناس) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت (جامع العلوم والحكم) .

وفي معرض كلام لابن الجوزي حول اليقين والرضا والصبر وهي من أعمال القلوب يقول : (ولابد من لقاء البلاء، ولو لم يكن إلا عند صرعة الموت، فإنها إن نزلت والعياذ بالله، فلم تجد معرفة توجب الرضا أو الصبر، أخرجت إلى الكفر) .



وأي قلب يثبت عند إمساك النفس، والأخذ بالكظم ونزع النفس، والعلم بمفارقة المحبوبات إلى ما لا يدري ما هو، وليس في ظاهره، إلا القبر والبلى، فنسأل الله عز وجل يقينًا يقينا شر ذلك اليوم، لعلنا نصبر للقضاء أو نرضى به (صيد الخاطر) .

وليتفكر اللبيب في حاله لو نزل به مفجع أو أصابه مرض عضال، هل عنده من الإيمان واليقين ما يعينه على الرضا أو الصبر، فإن سلم من ذلك فلن يسلم من صرعة الموت ومعاناة سكرته، وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : «اللهم إني أعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت» (أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني) اللهم احفظ علينا إيماننا، واختم لنا بالحسنى، وتولنا في الآخرة والأولى .

" الآفات القلبية سبب الخسران "

إن الآفات القلبية سبب في الخسارة في الآخرة ودخول النار .
وقد دلت على ذلك أدلة الكتاب والسنة .
ومن ذلك قوله سبحانه : " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [القصص: 83] .
وقوله في شأن أهل النار : " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " [الأعراف: 79] .

وقوله : " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ " [المطففين: 14-16] .
فنصوص القرآن تدل على أنه (يجب على الإنسان أن يطهر قلبه تطهيرًا كاملاً من كل زغل وخبث وأن يعتني بطهارة قلبه أكثر مما يعتني بطهارة بدنه؛ لأن طهارة القلب عليها المدار، وبها تكون طهارة الأعمال الظاهرة) (أحكام القرآن الكريم لابن عثيمين) .
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل ينازع الله إزاره، ورجل ينازع الله رداءه، فإن رداءه الكبر، وإزاره العز، ورجل في شك من أمر الله، والقنوط من رحمه الله» (أخرجه أحمد وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة) .
والحديث الذي رواه شفي الأصبحي (أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال : من هذا ؟ فقالوا : أبو هريرة، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت : أنشدك بحق وحق، لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، فقال أبو هريرة : أفعل لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمته، ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا، ثم أفاق فقال : لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت، ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى، فمكث بذلك ثم أفاق ومسح وجهه قال : أفعل لأحدثنك بحديث حدثنيه رسول صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارًا على وجهه، فأسندته طويلاً ثم أفاق، فقال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة، نزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن (وفي لفظ : رجل تعلم القرآن وعلمه وقرأ القرآن) ورجل يقتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب، قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به أثناء الليل وآناء النهار (وفي لفظ : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله : بل أردت أن يقال فلان قارئ) فقد قيل (وفي لفظ : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال : هو قارئ فقد قيل) ويؤتى بصاحب المال فيقول الله : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج لأحد ؟ قال : بلى، قال : فما عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله :كذبت، وتقول الملائكة : كذبت، فيقول الله : بل أردت أن يقال فلان جواد ، فقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال : فيما قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله : كذبت وتقول الملائكة : كذبت، ويقول الله عز وجل له : أردت أن يقال فلان جرىء، فقد قيل ذلك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي، فقال : «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة» (الحديث رواه ابن خزيمة واللفظ له والترمذي وقد صحح إسناده الألباني فى تعليقه على ابن خزيمة وأورده في صحيح الجامع وعزاه لأحمد ومسلم والنسائي والألفاظ بين القوسين منه) .

وفيه أن شفيًا دخل على معاوية فأخبره بهذا فقال صدق الله ورسوله : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [هود: 15، 16] .


وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يظهر الإسلام حتى تختلف التجار في البحر، وحتى تخوض الخيل في سبيل الله، ثم يظهر قوم يقرؤون القرآن، يقولون : من أقرأ منا ؟ من أعلم منا ؟ من أفقه منا ؟ ثم قال لأصحابه : «هل في أولئك من خير ؟» قالوا الله ورسوله أعلم قال : «أولئك منكم، من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار» (ال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به، ورواه أبو يعلي والبزار والطبراني أيضًا من حديث العباس بن عبد المطلب، وحسن الألباني الحديثين في صحيح الترغيب والترهيب) .

فهذه النصوص النبوية تتضمن الوعيد الشديد على من تلبس بالكبر أو الشك أو القنوط أو الرياء أو العجب، وكل هذه آفات قلبية، وليس الغرض استقصاء النصوص في ذلك .