الصبر وأثره في حياة المسلم


قرأت كتاب جميل فأردت نقله لكم يتحدث عن موضوع مهم في حياة المسلم وهو الصبر تحت عنوان الصبر وأثره في حياة المسلم في البداية سانقل لكم كلمة الكاتب وهو الشيخ عبد الله بن جار الله آل جار الله
قال المؤلف :
أيها المسلم الكريم:
متى أصابك مكروه في بدنك أو مالك أو حبيبك، فاعلم أن الذي قدَّره حكيم عليم،
لا يفعل شيئًا عبثا يُقَدِّرُ شيئًا سدى،
وأنه تعالى رحيم قد تنوعت رحمته على عبده يرحمه فيعطيه،
ثم يرحمه فيوفقه للشكر ويرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيوفقه للصبر.
فرحمة الله متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها، ويرحمه أيضًا بأن يجعل ذلك البلاء مكفرًا لذنوبه
وآثامه، ومنميًا لحسناته،
ورافعًا لدرجاته،
ومن استكمل مراتب الصبر والشكر فهو الكامل في كل أحواله،
وإذا أصيب العبد بمصيبة فآمن بالقدر ولجأ إلى الصبر والاحتساب خفت وطأتها وهانت مشقتها،
وتم له أجرها وكان من الفضلاء الكرام،
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

أما أنا فأردت أن أحمل لكم هذا الكلام لعله يكون ذو فائدة ولا شك للأخوة والأخواة


منزلة الصبر
ومن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ منزلة الصبر.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعًا.
وهو واجب بإجماع الأمة. وهو نصف الإيمان. فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر. وهو مذكور في القرآن على ستة عشر نوعًا.
الأول: الأمر به. نحو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: 2] وقوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: 45] وقوله: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران: 200] وقوله وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ [النحل: 127].
الثاني: النهي عن ضده كقوله فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف: 35] وقوله: فلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال: 15] فإن تولية الأدبار. ترك للصبر والمصابرة وقوله وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33] فإن إبطالها ترك الصبر على إتمامها. وقوله وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا [آل عمران: 139] فإن الوهن من عدم الصبر.
الثالث: الثناء على أهله، كقوله تعالى: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ [آل عمران: 17] وقوله وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 176] وهو كثير في القرآن.
الرابع: إيجابه سبحانه وتعالى محبته لهم. كقوله: وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [البقرة: 146].
الخامس: إيجاب معيته لهم. وهي معية خاصة. تتضمن حفظهم ونصرهم، وتأييدهم. ليست معية عامة. وهي معية العلم، والإحاطة. كقوله وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 47] وقوله:  وَاللهُ مع الصَّابِرِينَ [البقرة: 249، والأنفال: 66].
السادس: إخباره بأن الصبر خير لأصحابه. كقوله وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: 126] وقوله وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء: 24].




السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم. كقوله تعالى وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 96].
الثامن: إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب. كقوله تعالى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [يونس: 39].
التاسع: إطلاق البشرى لأهل الصبر. كقوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155].
العاشر: ضمان النصر والمدد لهم. كقوله تعالى بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران: 125]، ومنه قول النبي : «واعلم أن النصر مع الصبر».
الحادي عشر: الإخبار منه تعالى أن أهل الصبر هم أهل العزائم. كقوله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى: 43].
الثاني عشر: الإخبار أنه ما يُلَقَّى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر، كقوله تعالى وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ [القصص: 80] وقوله وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 35].
الثالث عشر: الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات والعبر أهل الصبر كقوله لموسى أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5] وقوله في أهل سبأ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ: 19] وقوله في سورة الشورى وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [الشورى: 33].
الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنة، إنما نالوه بالصبر. كقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 26].
الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة. سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: بالصبر واليقين تنال الامامة في الدين. ثم تلا قوله تعالى وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24].
السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام، والإيمان، كما قرنه سبحانه باليقين وبالإيمان والتوكل. وبالشكر والعمل الصالح والرحمة( ).