بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد،


لقد شرع الله عز وجل الصوم لغاياتٍ وحكمٍ عديدة، فالصوم هو عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه، وفيه تزكيةٌ وتطهيرٌ للنفس. وللصائم فرحتان: أما الأولى فتكون عند فطره، وأما الثانية فتكون عند لقاء ربه، وللصائمين بابٌ مخصصٌ من أبواب الجنة يسمى (باب الريان) لا يدخل منه سواهم، وسنتكلم بعون الله في هذا المقال عن الصيام، ومعناه في اللغة والشرع وأركانه.


الصيامُ لغةً: هو الإمساك، حيث يقول صاحب معجم مقاييس اللغة: « صوم، الصاد والواو والميم أصلٌ يدلُّ على إمساكٍ وركودٍ في مكان. من ذلك صوم الصائم، هو إمساكه عن مطعمه ومشربه وسائر ما مُنِعَهُ، ويكون الإمساك عن الكلام صوماً... »


والصيام في الشرع: هو إمساك المسلم المُكَلَّف عن الطعام والشراب والجِمَاع وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، مع النية في ذلك.


والركن في اللغة: هو قَوَامُ الشيء وجَانِبُهُ الأقوى، فالشي لا قوام ولا قوة له من دون الركن. وعلى هذا فإن أركان الصيام هي قوامه، حيث لا يصح هذا الصيام من دونها، وهذه الأركان يمكن استخراجها من خلال التعريف السابق، وهي عبارة عن ركنان أساسيان، وهما على النحو التالي:


الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، حيث يقول الله تبارك وتعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [سورة البقرة: 187]. وقد بين العلماء أن المراد بالخيط الأبيض: بياض النهار، وأن المراد بالخيط الأسود: سواد الليل.


النية، حيث ينوي ويقصد الصائم بصيامه وجه الله تعالى وحده، فيكون هذا الصيام بهذه النية عبادةً خالصةً لله عز وجل. والنية في اللغة: هي القصد، والنية مَحَلُّها القلب، فلا يجوز التلفظ بها، ودليل هذا الركن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم: « إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. » ويجب أن تُبَيَّت هذه النية في الصيام الواجب من الليل وقبل الفجر، كصيام رمضان وصيام الكفارات والقضاء والنذر، وأما في صيام التطوع فلا يُشْتَرط أن تُبَيَّت النية في الليل، فلا بأس لو أتى بها المسلم في النهار، كأن يستيقظ المسلم في نهار يوم ما، ويقرر بعد إستيقاظه أن يصوم هذا اليوم، فينوي ويمسك عن المفطرات ويُتِمُّ الصيام، فيكون صيامه صحيحًا.


تكلمنا فيما سبق عن أركان الصيام، ولكن ينبغي التنويه إلى أن من الصيام ما يكون بحد ذاته ركناً، وهو صيام شهر رمضان المبارك، فصيام شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة.