ما حكم لعب الأولاد بالكوتشينة والشطرنج والطاولة للتسلية فقط؟ سمعت أن من لعب بهذه الأشياء فقد توضأ بدم خنزير فهل هذا صحيح ؟
يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبدالله سمك:
نعم هذا صحيح، ولمزيد من التفصيل:
اللّعب بالنّرد (الطاولة) محرّم عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على الصّحيح عندهم والحنابلة لحديث بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ).. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ).. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ لَعِبَ بِالْكِعَابِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ).. رَوَاهُ أَحْمَدُ .


وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخِطْمِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (مَثَلُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي مَثَلُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْقَيْحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي).. رَوَاهُ أَحْمَدُ .
ومقابل الصّحيح عند الشّافعيّة أنّه يكره اللّعب بالنّرد كما يكره الشّطرنج عندهم.


وأجمع المسلمون على أنّ اللّعب بالشّطرنج حرام إذا كان على عوضٍ أو تضمّن ترك واجبٍ مثل تأخير الصّلاة عن وقتها، وكذلك إذا تضمّن كذباً أو ضرراً أو غير ذلك من المحرّمات.
أمّا إذا لم يكن كذلك فاختلف الفقهاء على أقوالٍ: المذهب عند المالكيّة والحنابلة وهو اختيار الحليميّ والروياني من الشّافعيّة حرمة اللّعب بالشّطرنج مطلقاً.


وممّن قال بالتّحريم: علي بن أبي طالبٍ وابن عمر وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم وسعيد بن المسيّب والقاسم وسالم وعروة ومحمّد بن الحسين ومطر الورّاق، واستدلوا بأثر عليٍّ رضي الله عنه أنّه مرّ بقوم يلعبون بالشّطرنج فقال: ما هذه التّماثيل الّتي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمسّ جمراً حتّى يطفى خير من أن يمسّها.


وروى مالك بلاغاً أنّ ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما ولي مال يتيمٍ فوجدها فيه فأحرقها كما استدلوا بالقياس على النّرد، بل إنّ الشّطرنج شر من النّرد في الصّدّ عن ذكر اللّه وعن الصّلاة وهو أكثر إيقاعاً للعداوة والبغضاء، لأنّ لاعبها يحتاج إلى إعمال فكره وشغل خاطره أكثر من النّرد، ولأنّ فيهما صرف العمر إلى ما لا يجدي، إلا أنّ النّرد آكد في التّحريم لورود النّصّ بتحريمه ولانعقاد الإجماع على حرمته مطلقاً والمذهب عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول عند المالكيّة أنّ اللّعب بالشّطرنج مكروه.


ومن المعلوم أن اللّعب: منه ما هو مباح ومنه ما هو مستحب ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو محرّم.
أولا: فمن اللّعب المباح المسابقة المشروعة على الأقدام والسفن ونحو ذلك، لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ مع عائشة رضي الله عنها فسابقته على رجلها فسبقته قالت: فلمّا حملتُ اللّحم سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السّبقة » ومن اللّعب المباح المزاح والانبساط مع الزّوجة والولد ليعطي الزّوجة والنّفس والولد حقّهم.
وإباحة اللّعب إنّما يكون بشرط:
1 - أن لا يكون فيه دناءة يترفّع عنها ذوو المروءات
2 - أن لا يتضمّن ضرراً فإن تضمّن ضرراً لإنسان أو حيوانٍ كالتّحريش بين الديوك والكلاب ونطاح الكباش والتّفرج على هذه الأشياء فهذا حرام
3 - أن لا يشغل عن صلاةٍ أو فرضٍ آخر أو عن مهمّاتٍ واجبةٍ فإن شغله عن هذه الأمور وأمثالها حرم
4 - أن لا يخرجه إلى الحلف الكاذب ونحوه من المحرّمات
ثانيا: ومن اللّعب المستحبّ المناضلة على السّهام والرّماح والمزاريق وكل نافعٍ في الحرب لقول اللّه سبحانه وتعالى: «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ»، وقال النّبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القوّة في الآية: «ألا إنّ القوّة الرّمي ثلاث مرّاتٍ » .
ثالثا: ومن اللّعب المكروه اللّعب بالطّير والحمام لأنّه لا يليق بأصحاب المروءات والإدمان عليه قد يؤدّي إلى إهمال المصالح ويشغل عن العبادات والطّاعات .


رابعا: ومن اللّعب المحرّم عند الفقهاء: كل لعبةٍ فيها قمار لأنّها من الميسر الّذي أمر اللّه باجتنابه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} .