التوكل
قال ابن عباس: التوكل هو الثقة بالله. وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك. قال الحسن: إن من توكل العبد أن يكون الله هو ثقته -- الإمام أحمد: هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق ، وقال: وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه والثقة به -- عبدالله بن داود الخريبي: أرى التوكل حسن الظن بالله -- شقيق بن إبراهيم: التوكل طمأنينة القلب بموعود الله عز وجل -- الحسن: الرضا عن الله عز وجل --

درجات التوكل( من كلام ابن القيم في مدارج السالكين):

1 - الأولى: معرفة الرب وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه وصدورها عن مشيئته وقدرته واليقين بكفاية وكيله وأنَّ غيره لايقوم مقامه في ذلك.
2 - الثانية : إثبات الأسباب ورعايتها والأخذ بها.
3 - الثالثة: رسوخ القلب في مقام التوحيد.
4 - الرابعة: اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه إليه بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب ولا سكون إليها ، وطمأنينته بالله والثقة بتدبيره.
5 - الخامسة: حسن الظن بالله عز وجل.
6 - السادسة : استسلام القلب لله وانجذاب دواعيه كلها إليه وقطع منازعته.
7 - السابعة : التفويض: هو إلقاء العبدِ أمورَه كلها إلى الله ، وإنزالها به طلباً واختياراً ، لا كرهاً واضطراراً. والتفويض هو روح التوكل ولبّه وحقيقته.
8 - الثامنة: الرضا

ويمكن اعتبار درجاتٍ للتوكل كما يلي :

1- الأولى : أن يكون المتوكل حاله في حق الله سبحانه والثقة بكفالته وعنايته كحاله في الثقة بالوكيل( هذا توكل العامة) 2- الثانية: حال المتوكل مع الله تعالى كحال الطفل مع أمه فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى أحد سواها ولا يعتمد إلا إياها والفرق بين هذه الدرجة والأولى أن هذا متوكل وقد فني في توكله عن توكله إذ ليس يلتفت قلبه إلى التوكل وحقيقته ، بل إلى المتوكَل عليه فقط وهي أقوى من الأولى 3- الثالثة: أعلاها ، وتكون باستسلام القلب لله وانجذاب دواعيه كلها إليه وقطع منازعته ، ويكون بين يدي الله تعالى في حركاته وسكناته مثل الميت بين يدي الغاسل لا يفارقه (وهو توكل الخاصة).

أقسام التوكل(مجاله ومتعلقاته)(مراتبه):

1 - توكلٌ العبد على الله في استقامة نفسه وإصلاحها دون النظر إلى غيره.
2 - توكلٌ العبد على الله في استقامة نفسه وكذلك في إقامة دين الله في الأرض ونصره وإزالة الضلال عن عبيده وهدايتهم والسعي في مصالحهم ودفع فساد المفسدين ورفعه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3 - توكلٌ على الله في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية كالرزق والزواج والذرية والعافية والانتصار على العدو الظالم أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية.
وبين القسم الثاني والثالث من الفضل ما لا يحصيه إلا الله فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله كفاه النوع الثالث تمام الكفاية ومتى توكل عليه في النوع الثالث دون الثاني كفاه أيضاً لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه و يرضاه.
4 - توكلٌ على الله في جلب محرم من إثم أو فاحشة أو دفع مأمور به.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

لا بد في التوكل من أمرين:
* الأول: أن يكون الاعتماد على الله اعتماداً صادقاً حقيقياً.
* الثاني: فعل الأسباب المأذون فيها.
فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب نقص توكله على الله فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه. ومن جعل اعتماده على الله ملغياً للأسباب فقد طعن في حكمة الله لأن الله جعل لكل شيء سبباً، فمن اعتمد على الله اعتماداً مجرداً كان قادحاً في حكمة الله؛ لأن الله حكيم يربط الأسباب بمسبباتها كمن يعتمد على الله في حصول الولد وهو لا يتزوج !! . انتهى

عوائق التوكل :

1 - الجهل بمقام الله من ربوبية وألوهية وأسماء وصفات .. 2- الغرور والاعجاب بالنفس .. 3- الركون للخلق والاعتماد عليهم في قضاء الحاجات .. 4- حب الدنيا والاغترار بها مما يحول بين العبد والتوكل لأنه عبادة لاتصح مع جعل العبد نفسه عبداً للدنيا.

نماذج عملية في التوكل واتخاذ الأسباب :

ترتيبات رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة للمدينة من استئجار دليل مشرك ليدله على طريق الهجرة للمدينة وغير ذلك - موقفه في غزوة بدر الكبرى - ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بين درعين - ما حدث له بذات الرقاع من رفع الأعرابي سيف النبي صلى الله عليه وسلم عليه . رواه البخاري ومسلم - دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة والبيضة على رأسه - كان يحمل الزاد والمزاد إذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة وجميع أصحابه.
إبراهيم عليه السلام في قصة حرقه بالنار- موسى عليه السلام في لحاق فرعون وقومه له عند البحر- أصحاب الكهف والرقيم في نومهم بالكهف تاركين الكفر وأهله. كان الأنبياء يفعلون أسباباً يحصل بها الرزق.
كان المهاجرون في مجموعهم أهل تجارة وكان الأنصار أهل زرع.

وقال أحد المشايخ :

التوكل على الله: هو الاعتماد عليه، والثقة فيما عنده فيما يبتغيه العبد من أمور الدنيا والآخرة. ولا يتحقق التوكل على الله إلا بأربعة شروط :

الشرط الأول: تقييد التوكل وحصره في الله تعالى، وفي هذا قال عز وجل: (ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه). وقال تعالى: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا). وهذا الحصر ينفي أي توكل على غير الله؛ فمن توكل على غيره في أي أمر من أمور الدنيا والآخرة فليس هذا بمتوكل على الله بل قد يقع في الشرك الأكبر، أو الأصغر حسب طبيعة فعله .
الشرط الثاني: الاعتقاد بأن الله هو القادر على تحقيق مطالب العبد وحاجاته، وأن كل ما يحصل له إنما هو بتدبير الله وإرادته. وفي هذا قال عز وجل: (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على" ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون). وقال تعالى على لسان نبيه شعيب: (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
الشرط الثالث: اليقين بأن الله سيحقق للعبد ما يتوكل عليه فيه إذا أخلص نيته، واتجه إلى الله بقلبه. وفي هذا قال الله عزوجل: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه). وقال: (أليس الله بكاف عبده).
الشرط الرابع: عدم اليأس والقنوط فيما يتوجه به العبد إلى ربه من التوكل عليه في قضاء حاجاته، وفي هذا قال الله عز وجل: (فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) .
فاقتضى هذا أن التوكل على الله شرط من شروط الإيمان، وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يتوكلون عليه، وأثنى عليهم في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم


ويقول الشيخ عبدالرحمن المحمود :

المسائل التي بها يتحقق التوكل على الله

إن التوكل على الله سبحانه وتعالى لا يتم إلا بأن يتحقق في الإنسان عدة أمور:

معرفة الله بأسمائه وصفاته

الأمر الأول: معرفة الله بأسمائه وصفاته، فمن لم يعرف الله بأسمائه وصفاته لا يكمل ثوابه، من لم يعلم أن الله هو الحي القادر علام الغيوب جبار السموات والأرض المتكبر بيده الأمر كله... إلى آخر أسمائه وصفاته لا يستقر في قلبه أن الله المتصف بهذه الصفات هو الذي يستحق التوكل، فينقص توكله على الله سبحانه وتعالى.

إخلاص التوحيد لله تبارك وتعالى

الأمر الثاني: إخلاص التوحيد لله تبارك وتعالى والبعد عن الشرك، فمن تعلق قلبه بغير الله فقد نقص توكله على الله سبحانه وتعالى، من تعلق قلبه بمخلوق مهما كان هذا المخلوق، ولياً، أو صالحاً، أو غنياً، أو ملكاً، أو غير ذلك، فمن تعلق قلبه بأحد من الخلق نقص إيمانه وتوكله على الله سبحانه وتعالى، ولكن إخلاص التوحيد لله تبارك وتعالى شرط أساسي لإخلاص التوكل، وصدقه باعتماد العبد وتوكله على الله وحده لا شريك له.

فعل الأسباب دون الاعتماد عليها

الأمر الثالث: أن الإنسان وهو يعتمد على الله سبحانه وتعالى يفعل الأسباب، لكنه لا يعتمد على الأسباب نفسها، وإنما يعلم أنها أسباب، وأن الله أمرنا بها، فلا يقع في قلبه أن هذه الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى في خلقه أنها هي التي تنفع وتضر، وهي وحدها المتصرفة، لا، وإنما يفعل السبب ويصدق في توكله على الله سبحانه وتعالى، وأنه تبارك وتعالى هو الذي بيده الأمر كله.

حسن الظن بالله سبحانه وتعالى

الأمر الربع: حسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فمن ساء ظنه بربه تبارك وتعالى نقص توكله أو عدم توكله. فعلى الإنسان أن يحسن ظنه بالله. كما ورد في الحديث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى).