الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

ا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال :ستب رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود ، قال المسلم : والذي اصطفى محمداً على العالمين ، فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فأخبره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله " رواه البخاري .

وقد بينت رواية أخرى أيضاً في صحيح البخاري سبب هذه الحادثة عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال
: بينما يهودي يعرض سلعة له أعطى بها شيئاً كرهه أو لم يرضه
قال : لا والذي واصطفى موسى عليه السلام على البشر ، قال : فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه ، قال : تقول والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، قال : فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً وقال : فلان لطم وجهي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم لطمت وجهه " قال : قال يا رسول الله والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر وأنت بين أظهرنا ، قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال : " لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، قال : ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث أو في أول من بعث فإذا موسى عليه السلام آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أو بعث قبلي ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متى عليه السلام " رواه مسلم في صحيحه .

وفي رواية للترمذي عن أبي هريرة قال : قال يهودي بسوق المدينة لا والذي اصطفى موسى على البشر ، قال فرفع رجل من الأنصار يده فصك بها وجهه قال : تقول هذا وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ) ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( فأكون أول من رفع رأسه فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وكذا قال الألباني وأخرجه احمد في مسنده وابن حبان .

قال ابن حجر : ولم أقف على اسم هذا اليهودي في هذه القصة وزعم ابن بشكوال أنه فيخاص بكسر الفاء وسكون النون ومهملتين وعزاه لابن اسحاق ، ثم قال : وأما كون اللاطم في هذه القصة هو الصديق كما صرح به عمرو بن دينار ، وأما سبب لطم الصديق لليهودي فهو لما فهمه من عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد تقرر عند مسلم أن محمداً أفضل وقد جاء في رواية أن الضارب قال لليهودي حين قال له ذلك : أي خبيث ، على محمد فدل على أنه لطم اليهودي عقوبة له على كذبه عنده .

وما جاء في رواية ( فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه ) فقد قال ابن حجر : وهذا يعكر على قول عمرو بن دينار أنه أبو بكر الصديق إلا أنه كان المراد بالأنصار المعنى الأعم فإن أبا بكر الصديق من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعاً ، بل هو رأس من نصره ومقدمهم وسابقهم . فتح الباري 6/444 .

وقال العلماء في نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء :
إنما نهى عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله بدليل ، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة فإلامام مثلاً إذا قلنا أنه أفضل من المؤذن لا يستلزمه نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان ، وقيل النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها كقوله تعالى ) لا نفرق بين أحد من رسله ( ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله ) تلك الرسل فضلنا بعضهم إلى بعض ( .

وأما قوله :
" ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " قال العلماء : إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعاً إن كان قاله بعد أن أعلم أنه أفضل الخلق ، وإن كان قاله قبل علمه بذلك فلا إشكال