لا تحسب الناس نوعاً واحداً ... فلهم طبائع لست تحصيهن الوان

لما خلق الله تعالى الخلق جعل لكل واحد منهم عالمه الخاص بطبائعه وافكاره وميوله ومشاعره واحاسيسه , قال تعالى :
" قد علم كل اُناس مشربهم " .

وفي الحديث النبوي الشريف فعن أبي موسى رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض فجاء بنو آدم على قدر الارض فجاء منهم : الاحمر والابيض والاسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحَزن وبين ذلك " رواه ابو داوود والترمذي .

أي ان الناس في هذه الدنيا معادن مختلفة كمعادن الارض , فمنهم الصلب الخشن الذي يحمل صفات الصخر ومنهم اللين الذي يحمل صفات السهول ومنهم البخيل الذي يحمل صفات الارض الجرداء ومنهم الكريم الذي يحمل صفات الواحة الخضراء النضرة .

فمن ظن ان الناس نوعاً واحداً وطرازاً ثابتاً وعاملهم بطريقة واحدة وبلون واحد فقد اخطىء ولم يفهم من حوله وهذا سيجعله يخسر من حوله ولا يصل الى قلوبهم ولن يكون رقماً صعباً في التأثيرعلى من حوله .

فقد جعل الامام علي رضي الله عنه قاعدة ذهبية في هذا المجال بمقولته الرائعة : خاطبوا الناس على قدر عقولهم اتحبون ان يكذب الله ورسوله .

ويقول كارنجي : إذا أردت اصطياد السمك فقدم له ما يرغب فيه . ( بتصرف ) .

فالناس انواع مختلفة فلا يمكن ان يتساووا في كل شيء , فلا يستوي العاقل والاحمق , ولا العالم والجهول , ولا الذكي الالمعي والغبي البليد , ولا الكريم السخي والبخيل الشحيح , ولا الشجاع المقدام والجبان الرعديد .

عامل كل واحد منهم بالطريقة التي تناسبه وتجعلك تفهم لغزه وتفك شفرته لكي تكسب وده وتؤثر عليه , وقد علمتني الحياة ان لكل شخص مفتاحاً يناسبه فاستخدم المفتاح المناسب لتصل الى الهدف المنشود .

قصــــة ولقطــــة :

قد علم قدوة البشرية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم اصحابه كيفية فهم الناس وإنزالهم منازلهم وإكرام من يستحق الاكرام ؟ لأنه كان يعرف اصحابه ومن حوله ويعامل كل واحد منهم بطريقة تناسبه وتشعره بالارتياح والقبول , حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته فدخل عليه اصحابه حتى غص المجلس وامتلأ , فجاء جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه فلم يجد مكاناً , فقعد عند الباب فلف رسول الله ردائه فألقاه اليه وقال له : " اجلس على هذا " .
فأخذه جرير ووضعه على وجهه وجعل يقبله ويبكي , ثم لفه ورمى به الى النبي وقال : اكرمك الله يا رسول الله كما اكرمتني , فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً فقال : " اذا اتاكم كريم قوم فأكرموه " . رواه الحاكم

فكلما كان الانسان عارفاً بطباع من حوله فهذه المعرفة تجعله قادراً على كسب محبتهم , لأننا نتعامل مع القلوب لا مع الابدان , وكلما اعطيت شخصاً قيمته فقد ربحت صكاً بأمتلاك قلبه واحذر ان تفقد الرصيد بعد التثبيت .

ومها بلغ الانسان من السمو والنجاح والشهرة الا أنه تبقى فيه بشريته التي تطرب للتقدير والثناء والمدح ولذلك قالوا : الطبيب الحاذق هو الذي يتلمس مواضع الوجع قبل غرس الابرة .

فقد جعل جون غاردنر إحدى أهم صفاة القادة هي المهارة في التعامل مع الناس , فهذه المهارة تجعل لديك قدرة فائقة على نيل ثقتهم والمحافظة عليها .

ومن الفوارق بين القادة والمدراء : فالمدراء يركزون على النظام والبنية , وأمَا القادة فإنهم يركزون على الناس .

فمعرفة الناس وطبائعهم وميلوهم اصبح علماً يدرس وهذا العلم لا يكفي وحده ما لم يضاف له المخالطة والمعاملة والإحتكاك التي تظهر معادن الناس الحقيقية , ثم تصل بعد ذلك الى امتلاك الخبرة التي تحول المعرفة الى تطبيق واقعي ملموس .