كيف تتعامل مع المشكلات؟؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
مـدخـل وتـوطـئـــــة:
لا يخفى على المتأمل أنّ الحديث عن المشكلات حديثٌ كثيرٌ ومتجدد لا يكاد ينقطع، و لعله سيظل هكذا ما تعاقب الليل والنهار, فليس في هذه الحياة أحد ٌيعيش بمعزلٍ عن المشاكل, وخاصّةً الشباب، فهم - بحكم المرحلة الحرجة التي يمرون بها- أكثرُ شرائح المجتمع تأثراً و معاناةً من المشكلات و الصّعوبات.
وبحكمِ تعاملي اليوميّ مع القضايا الشبابية تَرِدُني أسئلةٌ كثيرةٌ تدور حول جملةٍ من المعضلات التي يواجها الشباب، ويعانون منها. ومن البَدَهيّ أنّ هذا السيل المتدفق من الأسئلة يصب في محيط التساؤل عن طرق العلاج الناجع لهذه الإشكالات.
إنّ هذه المشكلات فضلاً عن كثرتها فهي متنوعةٌ، تختلفُ مجالاتُها وتتفاوت. فعلى سبيل المثال: نجد شاباً يشكو من كثرة دخوله على المواقع الإباحيةِ في الإنترنت، ويحاول أن يتخلص من هذا الأمر، فلا يستطيع. وآخرَ يشكو من عدم استطاعته الاستيقاظ لصلاة الفجر، وقد حاول جاهداًَ فلم يستطع. و آخرَ يعاني من كثرة ممارسته للعادة السرية، وقد حاول الإقلاع عنها فلم يستطع...وإلخ.
ومن جملةِ كمٍ غير قليل من الأسئلة التي وقفتُ عليها، تبيّن لي أنّ كثيراً من هؤلاء الشباب الذين مرّوا ويمرّون بأمثال هذه المصاعب، يسعون بأنفسهم في البداية، لإيجاد حلولٍ جذريةٍ لهذه المشكلات، فيبذل أحدهم أقصى جهده محاولاً الانفكاك و التخلص من قيود أزمته, فإذا عجز - وغالباً ما يكون العجز حليفه - لجأ بعد ذلك للبحث عن الحل والعلاج عند غيره.
إن كثرة هذه الأسئلة والمشكلات تلفت أنظارنا إلى أمرٍ مهم للغاية، وهو أننا بحاجة إلى منهج متكاملٍ في التعامل مع مشكلاتنا.
إنّنا كثيراً ما نتناول بعض المشكلات ونتحدثُ عنها بالتفصيل، ونقدم للناس خطواتٍ عمليةً، كثيراً ما تكون مفيدةً. لكن التناول بهذا الأسلوب وعلى هذا النحو سيظل قاصراً على أفرادِ مشكلاتٍ ووقائعَ بعينها دون غيرها. وسنظل بهذه الصورة نتعامل مع جزئياتٍ محصورةٍ ونغفلُ الكليات.
ومن هنا تنبع الحاجة إلى التركيز على محاور، ونقاط منهجية، للتعامل مع المشكلات بصورةٍ كليّةٍ وشاملةٍ نستطيع تطبيقها على جميع مشكلاتنا باختلافِ أسبابها وتنوّعِ أنماطِها.
وانطلاقاً من هذه النقطة، فلن أتناول مفرداتِ مشكلاتٍ ووقائعَ كالتي أشرت إليها، إلا إذا اقتضى الأمر إيرادها على وجه التمثيل والتوضيح.و سأحاولُ حصر نطاق المحاضرة بالتركيز على بيان بعض الأمور والنّقاط التي أعتقد أنها تحسِّن كثيراً من طريقة مواجهتنا وتعاملنا مع المشكلات.
ولعل من نافلة القول، أن نبيّن أنّ موضوع هذه المحاضرة يعني بالدرجة الأولى شريحتين:
الأولى: شريحة الشباب و الفتيات باعتبارهم - كما أسلفنا القول - من أكثر الشرائح معاناةً من المشكلات.
الثانية: شريحة المربين، من المعلمين والمصلحين والآباء والأمهات، باعتبار احتكاكهم المباشر بمشكلات الأبناء، فهم بحاجةٍ إلى منهجٍ يتعاملون به مع هذه المشكلات، ويستفيدون منه في تعويد أبنائهم على التعامل مع مشكلاتهم بطريقةٍ هادئةٍ وموضوعيةٍ، خاصّةً ما يتعلق منها بمسألةِ التديّن.
خطورة المشكلات المتعلقةِ بالتديُّن:
إنّ الإنسان - بحكم طبيعة الحياة - تواجهه مشكلاتٌ كثيرة ومتنوعة. وكثيراً ما يكون لها أثرٌ بالغٌ علي حياته، إذ أنّها تكبِّله وتسيطر على تفكيره، وتترك أثراً سيئاً على كثير من جوانب حياته الدنيوية المادية، فتتضاءل إنتاجيته، وتتشتت أفكاره وطاقاته. و برغم هذا، فقد يتحملها الإنسان، وقد يوطّن نفسه على التأقلم والتعايش مع الآثار المترتبة عليها، مهما كانت وخيمةً.
لكن هذا الأمرُ لا ينطبق بأيِّ حالٍ من الأحوالِ على قضايا ومشكلات التّدّين، إذ أنّ لها حساسيةً ووضعيةً خاصّةً, لا تقبل التعايش والتأقلم. وهذه الحساسية من شأنها زيادة الضغط على الشاب, لأنّها تُشعِرُ هُ بخطورة المشكلة، وقابليتها للتطور والتأثير علي تدينه.ممّا قد يفضي به إلى خسارةِ دينِهِ وبالتالي آخرته.
ومن هنا تظلّ المشكلاتُ المتعلقة بالسلوك الدينيّ أكثرُ المشكلاتِ خطورةً على الإطلاق، ولهذا فهي تأتي على رأس قائمة الاهتمامات، باعتبار أنّ الدينَ أهمُّ أولويّات الحياة بلا منازع، فهو أثمنُ ما يملكُ المسلمُ في هذه الحياة، ولأجل ذلك نجدُ المسلمَ يضحي بماله وولده، ويقدمُ نفسه رخيصةً في سبيل الله عز وجل. ولو خُيِّرَ بين الكفر أو القتل لاختارِ أن يقتلَ، لِما ذاق من حلاوة الإيمان، والذي يمثل لباب الدّين، ولذا جاء في الحديث ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ... وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ). رواه البخاري (15)، ومسلم (60).