إن نقص أنزيم جلكوز-6-فوسفيت ديهيدروجيناس ( G6PD ) في كريات الدم الحمراء ، الذي تم اكتشافه عام 1956، يعتبر من أكثر الأمراض الوراثية انتشارا ، إذا يعاني أكثر من 400 مليون شخص في كل أنحاء العالم من هذا النقص . يطلق على نقص هذا الإنزيم أنيميا الفول favism لأن الأفراد المصابين بهذا النقص مصابين بحساسية لنبات الفول . الأشخاص المصابين بنقص في نشاط هذا الإنزيم معرضون لخطر الإصابة بعدد من الاضطرابات الخطيرة والتي من الممكن أن تؤدي للموت إذا لم يتم علاجهم بطريقة صحيحة .

وبإختصار فإن أنيميا الفول favism عبارة عن فقر دم انحلالي شديد , يحدث عادة في أشخاص منحدرين من منطقة البحر الأبيض المتوسط , ويحدث عندما يقوم الشخص المصاب بنقص في أنزيم جلكوز-6-فوسفيت ديهيدروجيناس بأكل الفول أو يستنشق حبوب لقاح الفول .

نقص الإنزيم G6PD في علم الوراثة
من المعروف أن في البشر هناك 23 زوج من الكروموسومات التي تحدد الصفات الورائية الجسدية والخاصة بالتمثيل الغذائي المتنوعة . أحد هذه الأزواج الـ 23 من الكروموسومات هو زوج الكروموسوم إكس و واي X and Y ( والتي تعرف بكروموسومات الجنس) التي تحدد جنس الفرد بالإضافة إلى أشياء أخرى . الكروموسوم إكس مهم بشكل خاص لأنه يحمل الجينات الأساسية لبقاء الإنسان . يوجد جين مهم في الكروموسوم إكس وهو جين الإنزيم G6PD .

جميع الأمراض الوراثية التي لها علاقة بالكروموسوم أكس مثل نقص الإنزيم G6PD , تؤثر على الذكور أكثر من الإناث . سيظهر نقص G6PD في الإناث فقط عندما يكون هناك نسختان معيبتان للجين في الأنثى . وطالما وجدت نسخة واحدة صالحة لجين G6PD في أنثى, فإنه سيتم إنتاج أنزيم طبيعي وهذا الأنزيم الطبيعي يستطيع القيام بوظيفة الأنزيم المعيب . عندما تظهر ميزة موروثة معينة بمثل هذه الطريقة يطلق عليها صفة وراثية متنحية . في الذكور, وبسبب وجود كروموسوم إكس واحد فقط ، فظهور جين G6PD معيب واحد يكون كافيا لحدوث نقص الإنزيم G6PD .

من المعروف أن هناك أكثر من 400 سلالة أو شكل مختلف لنفس الجين الذي يسبب نقص الإنزيم G6PD . أنزيم G6PD المعيب قد يكون مختلف من شخص لشخص . وتختلف طفرات الجين من منطقة للأخرى , لكن سكان منطقة معينة عادة يتقاسمون تلك الطفرة . على سبيل المثال, في مصر يتواجد فقط نوع واحد من السلالات يسمى "سلالة أو طفرة البحر الأبيض المتوسط" Mediterranean variant , بينما في اليابان هناك نوع مختلف يدعى طفرة اليابان Japan variant .

ما هي فرص توريث نقص الإنزيم للأبناء؟

  • إذا كان الأب مصاب وكانت الأم غير مصابة وليست حاملا للجين
    • نسبة إنجاب أنثى مصابه (صفر%)
    • نسبة إنجاب ذكر مصاب (صفر%)
    • نسبة إنجاب أنثى حاملا لجين نقص إنزيم G6PD (أي لا تظهر عليها الأعراض المرضية) (100%)
  • إذا كان الأب مصاب وكانت الأم حاملا للجين
    • نسبة إنجاب أنثى مصابه (50%)
    • نسبة إنجاب أنثى حاملا للجين (50%)
    • نسبة إنجاب ذكر مصاب ( 50%)
  • إذا كان الأب غير مصاب وكانت الأم حاملا للجين
    • نسبة إنجاب أنثى مصابه (صفر%)
    • نسبة إنجاب أنثي حاملا للجين (50%)
    • نسبة إنجاب ذكر مصاب ( 50%)



وظيفة أنزيم G6PD مهمة لبقاء الإنسان
أنزيم G6PD يعتبر عامل مساعد أو محفز في تفاعلات الأكسدة والاختزال . وظيفة تفاعلات الأكسدة والاختزال هي نقل الإلكترونات من جزيء لآخر, الأكسدة هي خسارة الإلكترونات والاختزال هي زيادة الإلكترونات . وظيفة أنزيم G6PD هي تحفيز أكسدة الجلوكوز 6 فوسفات glucose-6-phosphate إلى 6-فوسفوجلكونيت 6-phosphogluconate , وفي نفس الوقت إختزال فوسفات نيكوتينامايد أديناين دينكليوتايد nicotinamide adenine dinucleotide phosphate أو +NADP إلى NADPH . أو ، فيما يتعلق بإنتقال الإلكترونات , يفقد الجلوكوز 6 فوسفات إلكترونين ليصبح 6-فوسفوجلكونيت و يكسب +NADP إلكترونين ليصبح NADPH . هذا التحويل ينتج سكر الريبوز ribose , الذي يعتبر عنصر أساسي لكل من الدي.إن.إيه DNA و الآر إن إيه RNA. هناك طرق أخرى خاصة بالتمثيل الغذائي لإنتاج الريبوز إذا كان هناك نقص في G6PD .

بالإضافة لإنتاج سكر الريبوز ، فإن إنزيم G6PD مسئول أيضا عن الحفاظ على المستويات الكافية لـ NADPH داخل الخلية . NADPH مادة حافزة أو عامل مساعد في عدة تفاعلات حيوية . يفيد NADPH للاحتفاظ بالجلوتاثيون glutathione في شكله المختزل . الجلوتاثيون glutathione المختزل ينقي أو ينظف الخلية من نواتج الأيض المؤكسدة الخطيرة ، فهو يقوم بتحويل الهيدروجين بروكسيد hydrogen peroxide الضار إلى ماء بمساعدة الإنزيم جلوتاثيون بيروكسيداس glutathione peroxidase . هناك طرق أخرى خاصة بالتمثيل الغذائي والتي يمكن أن تنتج NADPH في كل الخلايا في الجسم , باستثناء كربات الدم الحمراء حيث تفتقر للإنزيمات الأخرى التي تنتج NADPH . هذا مهم جدا لاستقرار كرات الدم الحمراء لأنها حساسة بصفة خاصة للتوترات المؤكسدة بالإضافة إلى أنها تحتوي فقط على إنزيم واحد لإنتاج NADPH لإزالة نواتج الأيض المؤكسدة الخطيرة . هذا هو السبب لماذا لا يوصف أدوية مؤكسدة للأفراد المصابين بنقص في إنزيم G6PD . فكريات الدم الحمراء في هؤلاء الأفراد غير قادرة على أن تتعامل مع هذا الضغط وبالتالي يبدأ تحللها .

التظاهرات الإكلينيكية
عندما لا تستطيع كريات الدم الحمراء نقل الأوكسجين في أنحاء الجسم بفاعلية ، تحدث حالة تسمى فقر الدم الانحلالي hemolytic anemia . بالإضافة لفقر الدم الانحلالي من الممكن أن يحدث الصفراء الخاصة بحديثي الولادة (اليرقان) ، ألم في البطن و / أو ألم في الظهر, دوار, صداع , عسر التنفس ( تنفس غير منتظم ) و خفقان (ازدياد في النبض) .


  • صفراء حديثي الولادة (يرقان) Neonatal jaundice
    هذه إحدى المشاكل التي تحدث فورًا بعد الميلاد . الصفراء الخاصة بحديثي الولادة (اليرقان) حالة شائعة بين كل المواليد , لكن عندما تستمر فإنه يشتبه بنقص إنزيم G6PD . هذه الحالة عبارة عن تغير اللون إلى الاصفرار في بياض العين والجلد و الأغشية المخاطية بسبب تكدس أملاح الصفراء bile salts في هذه الأنسجة . يحدث هذا نتيجة مباشرة للنشاط الغير كافي لإنزيم G6PD في الكبد . في بعض الحالات, تكون الصفراء (اليرقان) الخاصة بحديثي الولادة شديدة بالقدر الكافي لتسبب الموت أو ضرر عصبي دائم .
  • فقر الدم الانحلالي Hemolytic anemia
    فقر الدم الانحلالي هو اضطراب أخر قد يسبب مشاكل للأفراد الذين يعانون من نقص إنزيم G6PD . يمكن أن تحدث نوبة فقر الدم الانحلالي بعد تناول بعض الأدوية المؤكسدة ، الفول, أو الإصابة ببعض الأمراض المعدية . قد تؤدي نوبة انحلال الدم إلى الموت إن لم يتم علاجها بشكل جيد . لهذا يمنع المصابين بنقص الإنزيم من تناول بعض الأدوية . الموضوع المشترك بين كل هذه الأدوية هو أنها أدوية مؤكسدة في الأفراد المصابين بنقص الإنزيم ، وأن هذا التوتر المؤكسد قد يتسبب في تغيير طبيعة أو تسطح جزيء الهيموجلوبين , وهو الحامل الرئيسي للأوكسجين داخل كرة الدم الحمراء . هذا يتسبب في خسارة الوظيفة البيولوجية للهيموجلوبين ويؤدي ذلك إلى عجز كرة الدم الحمراء عن نقل الأوكسجين خلال الجسم بفاعلية . لبعض الأسباب المجهولة حتى الآن نجد أن بعض الأفراد لا يصابون بفقر الدم الانحلالي الناتج عن تناول بعض هذه الأدوية . بالطبع, يجب استشارة الطبيب دائمًا قبل تعاطي أي عقار .

كان بريماكون Primaquine, وهو أحد الأدوية المضادة للملاريا ، الدواء الأول المتورط في التسبب بفقر الدم الانحلالي . يمنع تناول جميع أدوية الملاريا للشخص المصاب بنقص الإنزيم , لكن في حالات الملاريا الحادة البسيطة , يمكن إعطاء معظم الأدوية المضادة للملاريا بأمان . يجدر الملاحظة أن نقص الإنزيم G6PD قد يكسب الشخص مناعة ضد الإصابة بالملاريا وبالذات تلك التي يسببها الطفيل بلازموديوم فالسيبارام Plasmodium falciparum ، ويعود سبب ذلك إلى أن الطفيل يصيب كريات الدم الحمراء وفي حالة الأشخاص الذين يعانون من نقص الإنزيم فإنه ينقص لديهم أيضا مادة مهمة لاستمرار حياة طفيلي الملاريا .

بالإضافة لفقر الدم الانحلالي الناتج عن الأدوية ، يوجد أيضا فقر دم انحلالي ناتج عن تناول الفول ، ويدعى أنيميا الفول . فلقد كان نبات الفول أول منتج طعام يتورط في التسبب بإنحلال الدم في أفراد مصابين بنقص الإنزيم G6PD . استنشاق حبوب لقاح نبات الفول يمكن أن يسيبب فقر دم انحلالي ولهذا السبب نجد أن نقص الإنزيم G6PD يدعى أنيميا الفول .

خارج نطاق أنيميا الفول , تعتبر العدوى السبب الرئيسي للإصابة بفقر الدم الانحلالي . بعض أنواع العدوى المهمة التي يمكن أن تتسبب بحدوث انحلال الدم هي التهاب الكبد الفيروسي, الالتهاب الرئوي وحمى التيفوئيد .