"مسجد الخرطوم الكبير" تلك التحفة المعمارية والأثر التاريخى الفريد الذى يقع فى قلب العاصمة السودانية الخرطوم وسط الميدان الرئيسى، والتى أثارت دراسات تطويره وتجديده مع بداية شهر رمضان المبارك، جدلا بين جموع المواطنين بالعاصمة نظرا لما يمثله هذا المسجد من قيمة تاريخية وآثريه ومطالبتهم بالمحافظة على هذا التراث مع المضى قدما فى مشروع التطوير المقترح.

ويقول رئيس لجنة تحديث وإعمار المسجد بدر الدين طه، أنه من الأشياء التى ارتبطت ارتباطا وجدانيا برواد المسجد الكبير منبره القديم الذى يعتبر إرثا إسلاميا عريقا ويشكل لوحة جمالية مميزة بالمسجد، ومع أنه يشغل حيزا كبيرا بالجهة الأمامية إلا أن اعتياد الناس عليه لفترة طويلة وامتزاجه نفسيا وتاريخيا بأذهانهم جعل لجنة المسجد تتركه كما هو من غير أى تعديل.

وأوضح إن مشروع تحديث وتطوير المسجد ليصبح رمزا عالميا للإشعاع الفكرى والثقافى سيراعى هذا الأثر وكيفية المحافظة عليه، مشيرا إلى أن المشروع يتكلف فى مرحلته الأولى نحو 11 مليون دولار، ويقام على مرحلتين أولها المحافظة على المبنى القديم وصيانته وترميمه، والثانية عمل إضافات على منوال الحرم المدنى، بالإضافة إلى بدرومين يحتوى أحدهما على مصلى للنساء ومكتبتين ورقية وأخرى إلكترونية بجانب مكاتب إدارية وثلاث قاعات وموقف للسيارات.

وأضاف أن إعادة تحديث "مسجد الخرطوم الكبير" سيساهم فى زيادة مساحة استيعاب المسجد للمصلين من 2500 مصل إلى عشرة آلاف مصل.

وبنظره تاريخيه، نجد أن المسجد أسس على نسق تخطيط المدن الإسلامية التى يقع فيها المسجد دائما فى الوسط باعتباره مركز المدينة ومحور حركتها، افتتحه الخديوى عباس عام 1901 ويقع المسجد فى الجزء الغربى من مقابر الخرطوم القديمة وتم بناؤه وتشييده من الحجر الرملى وتكسوه زخارف إسلامية فريدة تحتوى على لفظ الجلالة ونوع فريد من النحت وقد استوفى المسجد بعد كل هذه السنوات اشتراطات التسجيل بمنظمة اليونسكو كأحد الآثار العالمية.

ويعد تخطيط مدينة الخرطوم كمدينة إسلامية، واضحا فى تخطيط وإنشاء مسجد الخرطوم الكبير الذى يعتبر أعلى مبنى فى الخرطوم عند إنشائه وهو مبدأ أساسى فى العمارة الإسلامية ألا يعلو أى مبنى على مبنى المسجد.

وبالمسجد مئذنتان إحداهما من الناحية الجنوبية والثانية من الناحية الغربية تميزتا بشكل معمارى بديع، حيث أنشئتا على شكل ثلاثة أبراج زينت بأشكال زخرفيه بديعة وهو ما يعرف بزخرفة "التوريف" والتى سيطر النحات فيها على الحجر الرملى النوبى واستطاع أن يصنع منه أشكال عالية الروعة، أما قمة المئذنة فقد قطعت على شكل كرة بيضاوية من قطعة واحدة من الحجر الرملى النوبى ويعلوها ثلاث كرات حديدية ثم هلال مقفول من الحديد مطلى بالفضة.

ولسور المسجد الخارجى أبواب أربعة اختيرت على شوارع رئيسية من شوارع المدينة، كما أضيفت بعض المبانى فى العقد الأخير من القرن الماضى داخل المسجد تتمثل فى مصليات غرب مبنى المسجد الرئيسى ومكتبة لبيع الكتب فى الجزء الجنوبى من سور المسجد، حيث إن هذه المبانى تشكل عمارة دخيلة على المسجد فى الشكل ومواد بنائها مخالفة لمواد بناء المسجد مما أدى إلى تنافر معمارى مع جسم المسجد.

ونجد بعض الزخارف فى أعلى الأبواب نحتت فى أصل حجر البناء بعد تقطيعه إلى كتل منتظمة على أشكال مستطيلة أو مربعة وبأحجام مختلفة مما أعطى واجهة المسجد تباين متناسق وجعل المسجد يزخر بالزخارف والحلى المعمارية، ولذلك أصبحت هذه المنارة الدينية التاريخية المميزة تحت إشراف الهيئة القومية للآثار ولا يمكن تعديل أو تغيير أى من مبانيه القديمة إلا بعد موافقة هيئة الآثار.