تقاليد بالية.. تمنع زواج الصغرى قبل الكبرى

تقدم لِخِطبتها شابٌّ ذو خلق ودين ونسب.. فأصبح الأهلُ بين نارَين.. هو شاب لا يُرد.. ولكنها البنت الصغرى..!! فلم تتزوجْ أختُها الكبرى بعدُ.. عرضوا عليه الكبرى.. لكنه رفض.. فالقلبُ يريد الصغرى.. رفض الأهل، فأغلق بابهم وخرج..!

رفضوه من أجل عاداتٍ وتقاليدَ لا تنكسرُ أبدا مهما كانت الفرص..! يتكرر الرد عن الأخت الصغرى.. فيُوسم أهلُ هذا البيت بأنهم لا يزوجون بناتهم.. وتبقى الكبرى وأخواتها في قائمة اللاتي ينتظرن القطار.. لكنه فات..!! ترى ما ذنبُهن؟ وما ذنب الكبرى إن كانت هي أيضا لا تمانع فقد ينفتح أمامها البابُ..؟؟

حول هذا الموضوع قلّبتُ أوراقا.. وسألتُ المتخصصين فيه.. ففي البداية وصفتها الأستاذةُ والداعية (خيرية الحارثي) بأنها عادات وتقاليد بالية
وأن هذه الظاهرةَ تدورُ رحاها حول قطبين أساسيين:
أولهما
العادات والتقاليد،
وثانيهما
ضعف الإيمان وعدم صدق التوكل على الله..
أما العاداتُ والتقاليد فكم جرَّت علينا من ويلات ما زلنا نتجرع عواقبها، لكننا لا نستطيع التخلص منها، وكأنها قانون ثابت لا يتغير.. ومنها ألا تتزوج الفتاة إلا من قبيلتها، أو من هو أكبر منها سنا.. وغيرها، أما قضية عدم تزويج الصغيرة قبل الكبيرة ففيه إجحاف وظلم، وتعصب للرأي دون النظر للعواقب، فقد تخطب الصغيرة إما لأنها الأجمل، أو يختارها الخاطب ملائمة لسنه، أو قد يكون بها من المواصفات ما يتمناه الخاطب.. فهل نحكم عليها بعدم الزواج لأن أختها التي تكبرها لم تتزوج؟!
فلو افترضنا أن الفتاة الكبيرة لم تخطب فما ذنب الأخريات ممن يصغرنها سنا.. أيحكم عليهن بالإعدام؟ويذبن في صمت تحت وهج عواطف ساخنة وآراء متعسفة؟
وتفوت عليهن فرصة الزواج المناسب.. خاصة إذا كان الخاطب ذا خلق ودين.. فربما لا يعود الخاطب ويضيع العمر.. وقد تنفلت الفتاة من عقلها فيصيبها اليأس أو قد تنحرف.

أما ظاهرة ضعف الإيمان وعدم التوكل على الله فإن المجتمع بحاجة للتربية الإيمانية وتثبيت القلوب على التوكل على الله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} [الطلاق: 3]. وما أحسنَ كلامَ ابن القيم - رحمه الله - "فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه.. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة، ولا يتأخر عن تدبيره خطوة واحدة، فيلقي نفسه بين يديه، ويسلم الأمر كله لله".

حرية الاختيار:

من الجانب الاجتماعي قالت الإخصائية الاجتماعية (هدى أحمد بخاري): إن كان الفارق في العمر متقاربا فلا يلاحظ، ويكون الاعتراض في حالة أن تكون الأخت الكبرى قد تقدم بها العمر، وهنا تكمن المشكلة؛ فقد نجد الغيرة والحسد بين الأخوات، ويكون مصدر قلق للأسرة، فهي تعيش في صراع بين تزويج الصغرى والخوف من أن يصبح مصيرها كالكبرى، برغم أن المحصلة النهائية على المستوى الديني والاجتماعي في الزواج هي النصيب والقدر، ويجب أن تعطى كل فتاة تصل إلى سن الزواج الرأي وحرية الاختيار في الزوج الذي ستتزوجه.

الأثر النفسي:

أما عن رأي الإخصائي النفسي الدكتور (سلطان الغريبي) فيقول: عدم زواج البنت الصغرى قبل الكبرى لا شك أنها قضية تؤرق الكثيرَ من الأسر والفتيات؛ فبعض الأسر ترزح تحت الضغط العددي الكبير للفتيات لديها؛ خصوصا عندما يكون التسلسل العمري للفتيات متقاربا جدا، فالإرث الثقافي للمجتمع السعودي يتبنى بإخلاص كبير مبدأ الزواج التراثي للفتيات، وعدم الحياد عن ذلك، فلو حدث أن تزوجت الصغرى قبل الكبرى تحت أي ظرف من الظروف فإن ذلك كفيل بأن يتسبب بإحداث أثر نفسي كبير للأخت الكبرى؛ يظهر ذلك من خلال نظرة الآخرين المليئة بالشك والريبة تجاهها، مما يفقدها الكثير من حظوظها في الزواج، ويظهر ذلك في بروز بعض الأعراض مثل: انهيار الثقة بالنفس، والكراهية تجاه الآخرين، والانطواء والعزلة، وعدم الاهتمام بالذات وغيرها.

والأثر النفسي والاجتماعي سيكون مضاعفا في حالة ما إذا كانت الأخت الكبرى حاجزا بين الأخوات الأخريات بحجة اشتراط زواج الكبرى أولا، سواء كان ذلك بإرادة منها لرفضها أو رفض أبويها لمن تقدم إليها لعدم أهليته، أو رغما عنها لعدم تقدم أحد لخطبتها لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك سيولد لديهن الحقد والضغينة تجاه الوالدين إذا كانا هما السبب في رد الخاطبين عنهن، وتجاه الأخت الكبرى أيضا، كما سيتولد لديهن القنوطُ واليأس وفِقدانُ الأمل والخوف من المستقبل، وقد ينتج عن ذلك اضطرابات سلوكية، وفساد أخلاقي في محاولة لإشباع غرائزهن وشهواتهن بطرق غير شرعية؛ فإيجاد حل لهذه القضية الاجتماعية مسؤولية الجميع مسؤولين وعلماءَ وأدباء ومشرعين؛ فعليهم أن يعملوا على تصحيح المفاهيم الخاطئة، وأن يعملوا على حماية الأسرة ومن ثم المجتمع من التفكك والانحلال، وعلى الآباء والأمهات خصوصا أن يراعوا مصلحة بناتهم، وأن يحافظوا عليهن بتزويجهن لمن يروا فيه الصلاح والاستقامة دون النظر إلى أولوية الكبرى قبل الصغرى، وأن يعلموا أن لكل نصيبا.

تكريس للعنوسة:

حول هذه القضية قالت الكاتبة (مشاعل العيسى): لم يرد دليل شرعي على وجوب الترتيب أو استحبابه؛ حتى أعتقد أن رفض زواج الصغرى قبل الكبرى فيه ظلم للصغيرة؛ لأن للصغيرة الحق نفسه الذي للكبيرة، كما أن في الرفض اعتراضا على قضاء الله وقسمته، أوليس خطبة الصغيرة قبل الكبيرة من القدر، والله هو الذي قسم لها ذلك؟ فبأي حق نرفض قسمة الله لمجرد أوهام وشكوك وعادات وتقاليد بالية، نحن نعرف أن زواج الصغيرة قبل الكبيرة مؤلم للكبيرة ومحزن لها، ومقلل من ثقتها بنفسها ووضعها في واجهة المجتمع المتسائل، لكن هذا الألم الذي تعانيه لا يجيز لنا ظلم أختها التي جاء رزقها قبلها، وهب أن الكبرى لم تتزوج ولن تتزوج فهل على جميع أخواتها ألا يتزوجن؟ هل نحرمهن لمجرد وجود واحدة منهن لم تتزوج؟ ثم ماذا لو طلقت الكبيرة هل يلزمنا تطليق الأخريات مراعاة لمشاعرها؟ إن عدم تزويج الفتيات في أي عمر ودون ترتيب نوعٌ من تكريس العنوسة والدعوة بطريقة غير مباشرة للانحراف.