صفحة 26 من 35 الأولىالأولى ... 1620212223242526272829303132 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 376 إلى 390 من 518
  1. #376
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    التوحيد

    يقرر عالم الفرعونيات الشهر واليس بدج في كتابه الديانة الفرعونية، حقيقة مدعمة بالبراهين الاركيولوجية عن التوحيد. وسننقل نص كلامه لأهميته الفائقة ولتفنيده الكثير من الآراء التي تربط فكرة التوحيد إما بالعبرانيين، اذ يقال مثلاً «ان العبرانيين قد محنوا العالم فكرة التحيد او الاعتقاد بإله واحد»(4). او ان يقال ان اخناتون هو اول من دعا لعبادة الإله الواحد، او ان يقال انه أول موحد و«يعتقد ان موسى أخذ فكرة التوحيد عنه». وهو الرأي الذي يلاحظ عليه الباحث المعروف ميرسيا إلياد ما يلي:

    «يجب مبدئياً التأكيد على ان العبارة المستعملة من قبل اخناتون في صلاته (الإله الاحد ـ لا إله إلاّ هو) كانت مطبقة قبل ذلك، قبل الف عام من العمارنة، الآمون ورع وآتوم والآلهة الاخرى. وأضافة لذلك وكما لاحظ جون ويهن كان يوجد على الاقل إلاهان (ربّان) لأن اخناتون كان نفسه معبوداً كما لو انه إله معبود. وان صلوات المؤمنين (أي الجماعة المحصورة بالموظفين وأعيان القصر) كانت توجه ليس لآتون، وانما مباشرة لأخناتون. ويعلن الفرعون في صلاته الشهيرة ان آتون هو الهه الخاص: (انت في قلبي ولا احد آخر يعرفك باستثناء ولدك أخناتون ـ وانك كشفت الاسرار في تصميماتك وقدرتك). وهذا ما يفسر زوال (الآتونية) بشكل خاطف تقريباً بعد موت أخناتون».

    اخناتون لا يختلف اذن عن غيره من الفراعنة الذي دعوا الناس الى عبادتهم هم. ولم ينف الشرك كما يُزعم حين يقال انه اول الموحدين الذي وجّه العبادة نحو إله واحد.

    لنطلع على حقيقة الامر من واليس بدج الذي يقول:

    «حين يدرس القارىء نصوص الديانة المصرية، تحصل لديه القناعة بان المصريين قوم كانوا يؤمنون بـ(اله واحد) موجود بذاته، خالد، غير مرئي، أبدي، عليم، قدير، لا يحيط به عقل، خالق السماوات والارض والعالم الاسفل (= الآخرة)، خالق السماء والبحر، والرجال والنساء، والحيوان والطير، والسمك، والزواحف، والشجر والزرع، والكائنات غير الجسدية الذين كانوا رسله، ينفذون مشيئته ويُعملون كلمته، ولقد كان من الضروري ان نضع هذا التعريف الذي يحتل المقام الاول من ايمان المصري في بداية الفصل الاول من هذا المسرد الذي أوجزنا فيه الافكار الدينية الاساسية التي يؤمن بها، لآن كل لاهوته ودينه انما هما مؤسسان عليه. كذلك من الضروري ان نضيف اننا مهما اوغلنا في العمق رجوعاً الى الوراء مقتفين أثر أدبه فربما لا نقترب أبداً من زمان كان فيه المصري بدون هذا الايمان الرائع. صحيح انه ابتدع ايضاً أفكاراً وعقائد تتصف بالشرك، وانه هذبها في حقب معينة من تاريخه باذلاً كل جهد في هذا السبيل، إلاّ ان الامم المحيطة به، بل حتى الغريب الذي يقيم في مصر قد التبست عليه افعال المصري وتصرفاته فوصفها بالوثنية والشرك.

    لكن على الرغم من جميع هذه الانحرافات عن العقيدة الصحيحة التي كان التمسك بها مما يلائم من كانوا يؤمنون بالله ووحدانيته، لم تغب فكرته السامية عن الالوهة عن نظره أبداً، فكانت ما تلبث حتى تعود الى الظهور في أدبه الديني الذي انتجه على مرّ العصور. لا أحد يستطيع القول من اين جاءت هذه الخاصية الرائعة التي اختصت بها الديانة المصرية، وما ثمة دليل يثبت لنا صحة النظرية التي تذهب الى انه قد جاء بها قوم هاجروا الى مصر قادمين اليها من الشرق ـ كما قال بذلك البعض ـ ولا صحة النظرية الاخرى التي تذهب الى انها نتاج طبيعي انتجته الاقوام الاصلية الذين كانوا يشكلون سكان وادي النيل لعشرة آلاف سنة خلت ـ على رأي آخرين. كل ما نعلمه انها كانت موجودة هناك في حقبة موغلة في القدم بحيث لا يجدي معها ان نحاول ان نقيس بالسنين تلك الفترة الزمنية التي انقضت منذ ان نشأت هذه العقيدة ورسخت في قلوب الناس وعقولهم. وانه لأمر مشكوك فيه جداً ان نصل الى معرفة محددة تماماً عن هذه النقطة الهامة»(1).

    وبعد ان يقدم الاستاذ بدج دليلاً من نص يعود الى أيام الملك يوناس الذي حكم في مصر حوالي 3300 ث.م حيث يرد فيه اسم الجلالة «الله» اضافة الى الحديث عن الآلهة الاخرى مثل «فعظامك آلهة السماء وإلاهاتها وانت تقيم الى جانب الله...» و«حيث يلد الآلهة بعضهم بعضاً ويولد من يلدونه ويجددون شبابهم» يقال عن هذا الملك «تيتا ينتصب في هيئة الكوكب، يزن الكلام (او يجرب الافعال) هو ذا الله يستمع الى ما يقوله» كذلك «حلت عليك هيئة الله، فأصبحت عظيماً امام الآلهة». وعن بيبي الاول الذي حكم في حوالي 3000 ق.م: «ان بيبي هذا هو الله، أو ابن الله».

    بعد أن يقدم كل ذلك ينتقل الى مجموعة وصايا قال انها تلقي الضوء على فكرة الله التي تنسب الى حكماء مصر الأوائل. وهي الوصايا المعروفة باسم «وصايا كاقمنا» و«وصايا بتاحتب» التي يرجع تأليفها الى 3000 ق.م إلا ان اقدم نسخة موجودة منها الأن تعود الى 2500 ق.م وكان المراد منها ان تكون عملاً توجيهياً وارشادياً يهتدي بها الشاب اثناء قيامه بواجباته تجاه مجتمعه:

    1 ـ يجب ان لا تخيف رجلاً ولا امرأة، فالله يمقت الخوف. ولو قال امرؤ انه يعيش بتلك الوسيلة، لأفقره الله الى الخبز.

    2 ـ اما النبيل الذي يملك ثروة طائلة، فليفعل ما يشاء وليفعل بنفسه ما يحلو له. وإذا هو لم يفعل شيئاً على الاطلاق، فهذا ايضاً مما يحلوله. فالنبيل ما ان يبسط يده حتى يطول مالا يطوله غيره. لكنه ان أكل خبزه بأمر الله فلا جناح عليه.

    3 ـ ان كان عندك أرض تحرثها. فاعمل في الحقل الذي أعطاكه الله، خير لك من ان تملأ فمك من مال جيرانك.

    4 ـ إذا اتضعت في خدمة انسان كامل، فانت محمود السلوك عند الله.

    5 ـ ان كنت تريد ان تكون انساناً حكيماً فاجعل ابنك يسرّ الله.

    6 ـ سدّ حاجة من يعتمدون عليك ما وسعك ذلك. هكذا يفعل من آثرهم الله (بمحبته).

    7 ـ اذا ارتفعت بعد ضعة، واغتنيت بعد فقر، او صرت حاكماً على مدينة، فلا يقسُ قبلك بسبب علوّ شأنك، لأنك قد اصبحت عندئذ حارساً على الاشياء التي أنعم الله بها عليك.

    8 ـ ان الله يحب من يطيع، ويمقت من يعصي.

    9 ـ الولد الصالح هبة من الله.

    ثم قدم بعد ذلك نصاً فيه نفس الفكرة عن الله سبحانه يعود الى عصر الاسرة الثامنة عشرة(1590 ـ 1310ق.م).

    وانما اطلنا في النقل عن هذه الفكرة ـ التوحيد ـ لتبيان قدمها لدى المصريين وهم الشعب الذي عاش بنوا اسرائيل في وسطه سنين طويلة واقتبسوا كثيراً من عاداته وافكاره وتقاليده. ولا يخفى ان الظهور المصري للحضارة والمدنية كان سابقاً بقرون عديدة للظهور العبراني على مسرح الاحداث في الشرق القديم. كما انه سابق في الظهور للفرعون اخناتون الذي زُعم انه اول موحد. بل ان لدينا مجموعة من الاسماء للاشخاص والاماكن في بلاد ما بن النهرين تعود الى حوالي 2500 ق.م وقد دخل فيها لفظ الجلالة «الله» وهو ما دافع عنه بحرارة مدعمة بالادلة اللغوية والاركيولوجية الباحث الالماني فردريك ديليتش في كتابه الممتع «بابل والكتاب المقدس». يقول هذا الباحث:

    «ان تلك القبائل السامية الشمالية التي نجدها حوالي 2500 ق.م مستقرة في منطقة بابل شمالاً وجنوباً والتي كان الملك حمورابي(1792 ـ 1750 ق.م) اكبر حكامها، تصورت وعبدت الله كائناً روحياً واحداً، ثم سرد قائمة باسماء اشخاص كانت شائعة انذاك التي وصفها بالجمال والاهمية بالنسبة لتاريخ الدين مثل: (ايلو ـ اتيا) وتعني: الله معي وإيلو ـ امتحر: دعوت الى الله. وياربي ـ ايلو: الله كبير. وياملك ـ ايلو: الله الحاكم. وافيل ـ ايلو: عبد الله. وموتوم ـ إيلو: رجل الله. وقد اثبت بما لا يقبل الشك ان ايل (el, ill) تعني الله تماماً وليس ما ذهب اليه احد الباحثين المعترضين على بحثه انها تعني: الهاً من الالهة. إذ لا يمكن عندها ترجمة تلك الاسماء المذكورة آنفاً بـ(الله). وتساءل هل يتغير ايضاً (باب ـ ايلو)(2) (bab - ilu) التي تعني (باب الله) الى (باب إله من الآلهة)؟ واجاب: كلا. ودعم رأيه بالقول ان شعباً لا يتمتع بثقافة فلسفية يسعى دائماً الى تعبير واضح محدد.

    وهل ننسى أبا الانبياء ابراهيم (ع) العراقي المولد والنشأة الذي عاش حوالي 1800 ق.م اشهر الموحدين صاحب الشجاعة التي جعلته يحطم بفأسه أصنام المعبد الكبير التي كان يقومه يسجدون لها وهو يعلم ما في ذلك العمل من خطورة على حياته؟

    وإذا كان الشرك الذي شاب ديانة التوحيد في مصر أو في بلاد ما بين النهرين يشكل مسوغاً لدى البعض لحذف التوحيد من ديانات القوم، فان الاولى ان تحذف تلك الفكرة لدى دراسة كل الاديان. إذ ان الشرك ما فتأ ينفذ هاهنا وهناك من المعتقدات والاديان وكانت مهمة الانبياء على الدوام التذكير بخطورته وتشخيصه والدعوة الى نبذه وقد توجت جهودهم تلك بدعوة النبي محمد (ص) التوحيدية الخالصة التي شنت حرباً لا هوادة فيها على كل المظاهر الشركية.

    ومن المعروف ان التوراة مليئة بالحديث عن الانحراف لدى بني اسرائيل نحو الشرك أو عبادة الاوثان والاصنام، وأمر العجل الذي سبكوه من الذهب وعبدوه لدى غياب نبيهم موسى في فترة المناجات اشهر من ان يشار إليه. وقد شهد القرن الثامن قبل الميلاد أشد فترات التدهور نحو الشرك حيث قاوم دعواته الانبياء هو شع وعاموس وميخا. ويفصل الاستاذ مالك بن نبّي ذلك بقوله «حدث في ذلك العصر أمران هامان: هبوط درجة رب العالمين الى مجرد إله قومي ـ من ناحية ـ ودخول كثير من الشعائر والطقوس الاشورية الكلدانية في العبادة من ناحية اخرى، حتى أصبحت الشمس تتمتع بتقديس حار في بيت المقدس، حيث كان هناك رجال يعبدون الشمس مشرقة، وفي أيديهم غصن، بالقرب من هيكل الرب نفسه». بل ان التوراة تتحدث عما هو أفضع من عبادة الاوثان مما هو مشروح بالتفصيل في سفري الملوك والأخبار إذ تتحدث حتى عن اداء اللواط والزنى في بيت الرب أيضاً. نجد في سفر الملوك الثاني(24: 4 ـ 7) عن الاصلاح الديني الذي قام به الملك اليهودي يوشيا(640 ـ 609 ق.م).

    «وأمر الملك حلقيا عظيم الكهنة وكهنة الرتبة الثانية وحراس الاعتاب أن يخرجوا من هيكل الرب جميع الادوات التى كانت قد صنعت للبعل والعشتاروت ولجميع قوات السماء. فأحرقها في خارج اورشليم في حقول قدرون، وحمل رمادها إلى بيت أيل. وأزال كهنة الاصنام الذين اقامهم ملوك يهوذا ليحرقوا البخور على المشارف في مدن يهوذا وحوالي اورشليم، والذين كانوا يحرقون البخور للبعل والشمس والقمر والابراج ولجميع قوات السماء. واخرج الوتد المقدس من بيت الرب الى خارج اورشليم الى وادي قدرون فأحرقه في وادي قدرون، وسحقه رماداً وذرّى رماده على قبور عامة الشعب. وهدم بيوت المأبونين في بيت الرب، حيث كانت النساء ينسجن ثياباً للعشتاروت».

    فنحن هنا أمام تجمع هائل لكل مظاهر الشرك المعروفة في البلاد المجاورة لهم وقد أدخلت بكاملها في الطقوس والتقاليد في بيت الرب نفسه او حواليه.

    وهناك عادة اجرامية لم يكن بنو اسرائيل يمارسونها بل جرى تحذيرهم منها على لسان النبي موسى (ع) نفسه وهو يبلغ عن الله. ونعني بها التضحية بالابناء لمولك وهو لقب إله الوثنيين من امونيين وفينيقيين كانوا يقدمون له أولادهم ذبائح يطرحونها عنده في النار، نقرأ في سفر الاحبار(20: 1 ـ 5):

    «وكلم الرب موسى قائلاً: قل لبني اسرائيل: أي رجل من بني اسرائيل ومن النزلاء المقيمين في اسرائيل اعطى من نسله لمولك، فليُقتل قتلاً: يرجمه شعب الارض بالحجارة. وانا انقلب على ذلك الرجل وأفصله من وسط شعبه، لأنه اعطى من نسله لمولك فنجس مقدسي ودنس اسمي القدوس. وان تغاضى اهل الارض عن ذلك الرجل في اعطائه من نسله لمولك فلم يقتلوه، انقلبت على ذلك الرجل وعشيرته وفصلتهم من وسط شعبهم، هو وجميع من زنوا معه ليزنوا وراء مولك».

    وعلى الرغم من شدة هذا التحريم لم يتورع كثير من ملوك اسرائيل أو الجماهير من تقديم أولادهم أضاحي لمولك ذاك وذلك بإلقائهم في النار. والتضحية بهذا الشكل القاسي انما تبرهن على قوة اعتقادهم ورسوخه بذلك التقليد الوثني، ومع ذلك ـ وهذا ما نريد تأكيده من وراء ايراد هذه النماذج ـ فقد ظل الخط التوحيدي خالداً في الديانة الموسوية وإلى يومنا هذا. حتى انه رغم كل التحريف الذى اصاب التوراة خلال قرون طويلة لم يستطع أحد ان يمس الفقرات المتعددة في شتى ارجاء هذا الكتاب المتعلقة بالتوحيد الخالص لله سبحانه. وظلت قوية الصدى نداءات موسى والانبياء الكرام التوحيدية والى يومنا هذا.

  2. #377
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    موسى والتوحيد

    قال موسى (ع) وهو يخاطب بني اسرائيل:

    «اسمع يا إسرائيل ان الرب الهنا هو رب واحد. فاحبب الرب الهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك. ورددها على بنيك وكلمهم بها، إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وقمت. واعقدها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها عل دعائم ابواب بيتك»(1).

    «وتكلم الله بهذا الكلام كله قائلاً: انا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية.

    لا يكن لك آلهة اخرى تجاهي. لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيء مما في السماء من فوق، ولا مما في الارض من أسفل، ولا مما في المياه من تحت الارض. لا تسجد لها ولا تعبدها، لأني أنا الرب الهك إله غيور، اعاقب إثم الآباء في البنين، إلى الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع رحمة الى الوف من محبّي وحافظي وصاياي»(2).

    «موسى (ع): ملعون الرجل الذي يصنع تمثالاً أو صورة مسبوكة ـ قبيحة لدى الرب ـ صنع يد النحات ويضعه في الخفاء. فيجيب جميع الشعب ويقول: آمين».

  3. #378
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    بعد السبي:

    بعد احتلاله لفلسطين عام 586 ق.م وجلبه اليهود سبايا من هناك الى بابل صنع نبوخذ نصر تمثالاً من ذهب طوله ستون ذراعاً وعرضه ستة أذرع، وأوقد قريباً منه اتوناً وطلب الى الشعوب والامم ان تسجد له، ومن لا يسجد يلقي في النار. وقد خالف هذا الأمر ثلاثة من وجهاء اليهود كان الملك قد عينهم على أعمال ولاية بابل.

    تقدم رجال كلدانيون واشتكوا على اليهود امام الملك قائلين: «يوجد رجال يهود الذين وكلتهم على أعمال ولاية بابل: شدرج وميشح وعبد نغو، هؤلاء ارجال لم يجعلوا لك أيها الملك اعتباراً. آلهتك لا يعبدون، ولتمثال الذهب الذي نصبت لا يسجدون...».

    وقد استدعاهم الملك وهو غاضب وسألهم عن سبب عدم سجودهم للصنم فقالوا: يا نبوخذ نصر، لايلزمنا ان نجيبك عن هذا الامر. هوذا يوجد الهنا الذي نعبده يستطيع ان ينجينا من اتون النار المتقدة..... ولكن معلوماً لك أيها الملك اننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتماثل الذهب الذي نصبته». وتواصل التوراة فتقول ان الملك قد القاهم في النار مقيدين إلا انها كانت برداً وسلاماً عليهم وانقذهم ملاك الرب».

    انه الدرس الذي يقدمه العهد القديم للمؤمنين اليهود، بأنه حتى لو كنت ذا منصب هام وثراء وجاه، وحتى لو هُددت بالاحراق بالنار فلا تنس الهك الواحد الاحد، ولا تسجد لصنم أو أي شيء آخر سواه. وان كل ما ورد في التوراة من تصريحات او تلميحات قد تفسر على أساس الشرك ينبغي ان تكون مرفوضة رفضاً قاطعاً. لأن الموسوية ديانة توحيدية ولا تقبل الشرك.

  4. #379
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي
    المسيحية
    تؤكد المسيحية ما جاء على لسان موسى (ع) عن كون الله تعالى الهاً واحداً لا ينبغي ان يشرك به. وهو ما ورد على لسان المسيح (ع) نفسه:
    «ان اول كل الوصايا هي: اسمع يا اسرائيل. الهنا رب واحد. وتحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى».
    وهو نص لا مجال فيه للقول بأن الله ثالوث ـ أي ثالث ثلاثة هم الأب، والابن والروح القدس ـ وهي فكرة غامضة لم تفلح الشروح الكثيرة في تفسيرها. وقد ادى هذا الغموض الذي أضيف على أصل الفكرة ـ فكرة الثالوث ـ الى ازدياد توجيه النقد الى الاحبار المسيحيين بأنهم يؤمنون بثلاثة آلهة وهو شرك يتناقض مع الفكرة التوحيدية التي بشر بها المسيح (ع) ودعا فيها الى توجيه التقديس والعبادة لله سبحانه وحده.
    بين أيدينا «معجم اللاهوت الكتابي» وهو جهد ممتاز يشكل خطوة متقدمة على طريق توضيح ما ورد في العهدين، القديم والجديد كتبه الاب كزافييه ليون دوفور اليسوعي باللغة الفرنسية وترجم للعربية. يقول هذا المعجم:
    «وقد نسب لقب (الرب) الى يسوع منذ فجر المسيحية بحسب شهادة بولس، الذي يذكر قانون الايمان المسيحي الأول (يسوع رب) رومة 10: 9، وهو يعبر هذا الاسم تماماً عن سر المسيح الذي هو في آن واحد، ابن الانسان وابن الله».
    إذن فأول من قال بربوبية المسيح هو (بولس) واسمه الأول (شاول) وهو يهودي متعصب ضد المسيح والمؤمنين به وكان «ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب» وقد فعل الشرور بحق القديسين المسيحيين في اورشليم حتى أنه أخذ رسائل من رئيس الكهنة اليهود الى حاكم دمشق تخول له صلاحية القاء القبض على المؤمنين المسيحيين الذي يصادفهم في الطريق من الرجال والنساء ليسوقهم موثقين الى اورشليم. إلاّ انه حينما اقترب من دمشق أبصر بغتة نوراً من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتاً يقول: شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده. وقد كان ذلك سبباً لايمانه بالمسيح.
    بولس إذن لم يلتق بالسيد المسيح ولم يتتلمذ عليه. وحين كان في «اورشليم حوالي السنة 36 م، ذعر من تبشير بطرس والآخرين. فلأنه كان لاهوتياً فقد شعر أكثر من بطرس ولاشك ان خطب الرسل تهدد بقلب أوضاع الدين اليهودية، لأنها تجعل يسوع ـ مع ان السلطات حكمت عليه كمجدّف ـ على قدم المساواة مع الله. ولما كان فريسياً غير متساهل في امور صحة الايمان، فقد عزم على محاربة هذه الشيعة الجديدة ـ أي المسيحية ـ فوافق على اعدام اسطفانس وذهب الى دمشق ليطارد تلاميذ اسطفانس الذين لجأوا اليها».
    إذن، فبولس الذي كان مذعوراً بحكم ايمانه اليهودي المتعصب من أن يوضع يسوع المسيح على قدم المساواة مع الله، تحول فجأة الى منادي بربوبية المسيح بعد ما جرى له على الطريق الى دمشق.
    نعتمد الآن على معجم اللاهوت الكتابي وهو كتاب مهم كما قلنا وعلماء القوم أدرى بمرامي كتبهم ومعانيها، وذلك لتكوين صورة عن السيد المسيح كما وردت في التوراة والانجيل أو كما يفسرها المعجم اعتماداً على ما في كتب العهدين حيث سيكون ما وضع بين هذين القوسين () منقولاً عن التوراة والانجيل:
    1 ـ «يسوع: رب، ومسيح، وابن الله» ص869.
    2 ـ «ان المسيح الذي ارتفع إلى السماء وتمجد هو ديّان اليوم الأخير» ص870.
    3 ـ «ان الله قد أقام يسوع رباً ومسيحاً (اعمال 2: 36)، وجعله ابن الله (رومة 1: 4، أعمال 13: 33) وانه قائم عن يمين الله (اعمال 7: 56 وربما أيضاً 2: 33 ـ 35، 5: 31، مرقس 14: 62 رومة 8: 34). وأخيراً ان المسيح يشارك الله في قدرته الالهية اللامتناهية (راجع متى 28: 18)» ص870.
    4 ـ «يسوع الصاعد الى السماء هو رب ومسيح» ص780.
    5 ـ «يسوع ابن الله الوحيد: ان لقب ابن الله يقترن عادة بلقب المسيح (متى 16: 16، مرقس 14: 61)». ص34.
    6 ـ «هكذا تتجلى عقيدة التجسد بكل أبعادها: ارسل الله ابنه الواحد الى العالم ليخلص العالم (يوحنا 4: 9 ـ 10 و14)» ص35.
    7 ـ «ان الله الذي يعلنه لنا يسوع هو أبوه، وعندما يخاطبه يسوع، فهو يفعل هذا بدالة الطفل وتلقائيته: أبا. ولكن هو أيضاً الهه، لأن الآب، الذي له الالوهية بدون ان يستمدها من أحد آخر، يعطيها كلها للابن المولود منه أزلياً، وللروح القدس الذي فيه يتحد كلاهما. هكذا يعلن لنا يسوع عن مطابقة الآب والله، وعن السر الالهي، وعن سر الثالوث. ويردد بولس ثلاث مرات العبارة التي تعبر عن هذا الاعلان: (اله ربنا يسوع المسيح وأباه)» ص95، 96.
    8 ـ وعند الحديث عن موت يسوع ودمائه يقول المعجم: «هذا الدم هنا هو دم ابن الله ذاته (بطرس 1: 18 ـ 19، عبرانيين9: 12) راجع اعمال 20: 28، رومة 3: 25» ص596.
    9 ـ وعن التوجه في الصلاة «ان الكنيسة في طقوسها توجه كل صلاة الى الله الآب بربنا يسوع المسيح» ص367.
    10 ـ «يسوع رب كل البشر (رومة 14: 9)» ص369.
    11 ـ «تتخذ عبارة الايمان (يسوع رب) مظهر الاحتجاج على ادعاءات الاباطرة بالالوهية. يوجد Kyrios (الرب) بين (الآلهة المزعومين) ولكن يسوع هو (الرب) الوحيد المطلق (اكورنتس 8: 5 ـ 6) الذي يخضع له الآخرون. ويبين أيضاً كتاب الرؤيا ان لقب (رب الارباب) الذي ثبت استعماله منذ زمن طويل جداً في الشرق (حوالي عام 1100 قبل المسيح) لا ينبغي اطلاقه على الامبراطور المؤلّه، بل يليق بالمسيح وحده، كما يناسب الآب (رؤيا 17: 14، 19: 16، راجع تثنية 10: 17، اتيموتاوس 6: 26)» ص369.
    12 ـ «يسوع يعد بمنح الروح» ص389.
    13 ـ «يسع يمنح الروح» ص389.
    14 ـ «غضب يسوع: إلاّ ان هناك ما هو أشد هولاً من اسلوب الالهام هذا، وما نريد في المأساة من اختبار الانبياء الرازحين بين الله القدوس والشعب الخاطىء، ألا وهو رد فعل انسان هو الله ذاته. ففي غضب يسوع يظهر غضب الله» ص588.
    15 ـ يسوع رب، ومسيح، ابن الله» ص869.
    16 ـ «ان يسوع هو (ابن الله) هذا هو ايمان المسيحي(1 يوحنا 4: 15، 5: 5) الذي تعلنه الانجايل بلا انقطاع (مرقس 1: 11، 9: 7، 14: 61، لوقا 1: 35، 22، 70. متى 2: 15، 14، 33، 16، 16، 27: 40، 43) بمثابة صدى لكلام يسوع عن الابن (متى 11: 27، 21: 37 ـ 39، 24: 36). اما حركة الوحي فتؤدي الى الاعلان (لعله منذ الرسالة الى أهل رومة 9: 5، وعلى الارجح في عبرانيين 1: 8، تيطس 2: 13، وأكيداً في يوحنا 1: 1، 18، 20: 28) ان يسوع هو الله، واحد مع الله في الجوهر» ص872.
    17 ـ «ان كل من ينكر ان يسوع هو المسيح وينكر الأب والابن(1 يوحنا 2: 22) يكون هذا هو المسيح الدجال. لذلك من لا يعترف بيسوع المسيح الذي تجسد(1 يوحنا 4: 3، 2 يوحنا 7) فإنه مضل ومسيح دجال، ص740.
    18 ـ «كشف لنا العهد الجديد ان هذا العبد الذي جاع ليخلص من الخطيئة (أشعيا 53: 11) ليس سوى إبن الله عينه» ص316.
    19 ـ «لقد كشف الله بإعطائه ابنه، انه هو الذي يعطي نفسه بدافع الحب (راجع رومة 8: 32) وإذا يحيا الابن الوحيد مع ابنه في حوار محبة مطلق يكشف ايضاً انه هو والأب (واحد) منذ الازل (يوحنا 10: 30، راجع 17: 11 و21 ـ 22) وانه هو ذاته الله (يوحنا 1: 1 راجع 10: 33 ـ 38، متى 11: 27) ويعرفنا الابن الوحيد، الذي في حضن الأب، بالله الذي (ما من احد رآه) (يوحنا 1: 11) وهذا الاله الواحد قائم فيه وفي ابيه المتحدين في الروح القدس، ص715.
    20 ـ «يسوع المسيح هو الرب: يعلن الرسل ان العبادة الواجبة لله وحده واجبة ايضاً ليسوع المصلوب الذي يعترفون به مسيحاً ورباً (اعمال 2: 36) لاسمه تجثو كل ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض (فيليبي 2: 9 ـ 11، رؤيا 15: 4) يقدم هذا السجود للمسيح القائم من بين الاموات والممجد (متى 28: 9 و17، لوقا 24: 52). إلا اننا نرى بالايمان ابن الله في هذا الانسان المعرض للموت (متى 24: 33، يوحنا 9: 38)، بل في هذا الطفل الصغير (متى 2: 2 و11، راجع اشعيا 49: 7) ونقدم له واجب العبادة، ص523.
    21 ـ «العبادة بالروح والحق: ان الجديد في العبادة المسيحية لم يكن في التصور الجديد لله فقط ـ وهو الإله المثلث الاقانيم ـ وانما في ان هذا الاله (الذي هو روح) يحول العبادة ويسمو بها الى كمالها، ص523.
    22 ـ «على ان المسيحي إذا كان قد اهتدى، فقد حدث ذلك لأنه قد ترسمت نصب عينيه صورة المسيح المصلوب (غلاطية 3: 1) وان كان قد تبرر، فلم يكن ذلك بفضل الاعمال بحسب الشريعة، بل بايمانه بالمصلوب، لأنه هو ذاته قد صلب مع المسيح في المعمودية، الى حد انه قد مات عن الشريعة ليحيا الله (غلاطية 2: 19) ولم يعد له أي تعلق بالعالم(6: 14، ص484).
    آخر تعديل بواسطة أبو عبد الله ، 10-01-2007 الساعة 12:14 AM

  5. #380
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    المسيحية ، خلاصة لما سبق

    تظهر الصور متداخلة مع بعضها فهناك الله وهناك الرب وهناك المسيح وهناك الصفات والافعال.

    فالمسيح عيسى ابن مريم ـ وكما تصوره النصوص التي نقلناها آنفاً والتي تعتمد على نصوص من العهدين القديم والمجديد ـ هو «رب ومسيح وابن الله» (الفقرة 1 اعلاه) وهو «ديان اليوم الاخير» (الفقرة 2 اعلاه) وهو «القائم عن يمين الله ويشارك الله في قدرته الالهية اللامتناهية» (ف 3). وهو «ابن الله الوحيد» (ف 5) وان الله قد اعطى الوهيته كلها للابن المولود منه ازلياً (ف 7) وهو ـ اي الله ـ اله الرب يسوع المسيح وابوه، (ف 7).

    والتوجه في الصلاة انما يوجه إلى الله الأب بالرب يسوع المسيح (ف 9) الذي هو «رب كل البشر» (ف 10) وان «يسوع هو الرب الوحيد المطلق وهو رب الارباب» (ف 11). ويسوع هو الذي «يعد بمنح الروح» و«يمنح الروح» (ف 12، 13).

    وهو انسان وفي نفس الوقت هو الله ذاته (ف 14).. وان «يسوع هو الله، واحد مع الله في الجوهر» (ف 16). وهو والأب ـ أي الله ـ واحد منذ الازل (ف 19) اي انه ازلي كازلية الله. ولذلك فإن «الرسل يعلنون ان العبادة الواجبة لله وحده، واجبة ايضاً ليسوع المصلوب الذي يعترفون به مسيحاً ورباً» (ف 20). وان الانسان لا ينجو باعماله التي يطبق فيها احكام شريعة اله وانما «بايمانه بالمصلوب» (ف 22).

    واخيراً: ان الله هو «إله مثلث الأقانيم» (ف 21).

    اما كون المسيح عيسى بن مريم (ع) نبياً فلم يشر الى ذلك إلاّ عرضاً (متى 13: 57) ويعلل معجم اللاهوت الكتابي ذلك بقوله «في الواقع فأي نبي كان يمكنه ان يقدم ذاته باعتباره مصدراً للحق والحياة. ان الانبياء كانوا يرددون (هذا وحي الله) أما يسوع فيقول (الحق الحق أقول لكم)، وإذن رسالته وشخصه ليسا من ذات المستوى النبوي»(1).

    ولا نرى ـ من خلال عبارة (الحق، الحق أقول لكم) ـ انها دالة على تمايز بين النبي عيسى عليه السلام وسائر الأنبياء الكرام. فقول الحق وكما أوحاه الله سبحانه لأنبيائه عليهم السلام هي المهمة الأولى لهم على طول تاريخ النبوات. ونرى ان التركيز على الأقوال الصادرة عن غير السيد المسيح نفسه، كالآراء الصادرة عن بوليس أو يوحنا هو الذي أدى الى هذا التداخل في التصورات اللاحقة عن الله والمسيح وظهور فكرة ـ الله المثلث ـ الاقانيم الثلاثة. وقد رأينا فيما مضى وكما يقول معجم اللاهوت الكتابي (ص 368) ان ربوبية عيسى التي اضفيت عليه كانت بناء على قول بولس الرسول. ولنستعن بعلماء مسيحيين وهم ينفدون عقيدة الثالوث. يقول كتاب «الحق الذي يقود الى الحياة الابدية» في الصفحتين(21 ـ 22) ما يلي عن عقيدة الثالوث:

    «تعلم أديان كثيرة في العالم المسيحي ان الله (ثالوث) رغم ان كلمة (ثالوث) لا وجود لها في الكتاب المقدس. قال مجمع الكنائس العالمي في الاونة الأخيرة ان كل الاديان التي هي جزء من هذا المجمع يجب ان تؤيد عقيدة وجود (إله واحد، الأب والابن والروح القدس) أي ثلاثة أقانيم في إله واحد.

    واولئك الذي يعلّمون هذه العقيدة يعترفون بأنها (سر) والدستور الاثنا سيوسي ـ نحو القرن الثامن للميلاد ـ يقول: ان الأب والابن والروح القدس، هؤلاء الثلاثة هم كلهم من نفس الجوهر، والثلاثة هم سرمديون (وبالتالي لم تكن لهم بداية)، والثلاثة قادرون على كل شيء. لذلك يقول الدستور انه في الثالوث ليس أحد أعظم أو أدنى من الآخر (حسب دائرة المعارف مطبوعات الكتاب المقدس اللاهوتية والكنسية، بواسطة ج. مكلنتوك وج. سترونغ، المجلد 2، الصفحة 561).

    فهل يعقل ذلك؟ والاهم من هذا، هل يتفق مع الكتاب المقدس؟

    لم تكن هذه العقيدة معروفة عند الانبياء العبرانيين والرسل المسيحيين. وتعترف دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة (طبعة 1967، المجلد 14، الصفحة 306) بأن (عقيدة الثالوث الاقدس لا يجري تعليمها في العهد القديم) كما تعترف بأن العقيدة يجب ان يرجع تاريخها الى نحو ثلاثمئة وخمسين سنة بعد موت يسوع المسيح. لذلك فإن المسيحيين الاولين الذين تعلموا مباشرة من يسوع المسيح لم يؤمنوا بأن الله ثالوث).

    وعندما كان يسوع على الأرض لم يكن معادلاً لأبيه، لأنه قال ان هناك اموراً لا يعرفها هو ولا الملائكة إلا الله وحده (مرقس 13: 32) وفضلاً عن ذلك، فانه صلى الى أبيه طلباً للمعونة عندما كان تحت الامتحان (لوقا 22: 41 و42) وكذلك قال هو نفسه (أبي اعظم مني) (يوحنا 14: 28) ولهذا السبب خاطب يسوع أباه قائلاً (الهي) و(أنت الاله الحقيقي وحدك) (يوحنا 20: 17، 17: 3....».

    مع هذا الاعتراض المنطقي الذي قدّمه مؤلفو كتاب (الحق الذي يقود إلى الحياة الإبدية) فان أمراً مهماً في الكتاب يثير الاستغراب وهو الحديث عن بنوة المسيح عيسى (ع) لله، وانه قد خلق قبل غيره من أبناء عائلة الله. يقول الكتاب ص47.

    «هل عرفت ان يسوع كان له وجود مجيد قبل ولادته انساناً هنا على الأرض بزمن بعيد؟ فالكتاب المقدس يخبرنا بانه ابن الله البكر. وهذا يعني انه خلق قبل غيره من أبناء عائلة الله. وهو أيضاً ابن الله (الوحيد) بمعنى انه الشخص الوحيد المخلوق مباشرة من يهوه الله».

    موقف آخر لرجال دين مسيحيين:

    تمثل هذا الموقف في أزمة فجّرها دافيد جنكينز الاسقف الجديد لأبرشية (درهام) في شمال انكلترا واستاذ علم اللاهوت في جامعة (ليدز) سابقاً.

    فقد صرح هذا الزعيم الديني الكبير وعلى شاشة التلفزيون في نيسان (ابريل) الماضي برفضه لعدد من المبادىء الثابتة للعقيدة الرسمية المسيحية يرجع إقرارها إلى المجمع الكنسي في نيقية الذي انعقد في سنة 325م بحضور ورئاسة الامبراطور قسطنطين الكبير.

    فصرح بانه لا يؤمن بعقيدة الوهية المسيح أو بقيامه بعد الصلب بولادته من عذراء او بمعجزاته المذكورة في الانجيل. وعلى اثر هذه التصريحات عم التذمر والسخط والاحتجاج في صفوف رجال الدين داخل الكنائس وخارجها وتطايرت تهم الهرطقة والزندقة، ونظمت احدى المجموعات الدينية عريضة احتجاج وقعها حوالي 500ر12 شخص.

    ولكن هذه الصدمة فاقتها صدمة اخرى أكبر عندما كشفت احدى محطات التلفزيون في الشهر الماضي نتيجة استفتاء قامت به بين 31 أسقفاً من اساقفة الكنيسة الانكليزية الرسمية حول موقفهم من آراء دافيد جنكينز. فظهر ان ثلثين من الاساقفة يوافقونه في انكارالوهية المسيح ونصفهم ينكر المعجزات المنسوبة للمسيح وثلث الاساقفة يوافق على انكار ولادة المسيح من عذراء.

    وتوالت الضربات على المؤمنين المسيحيين. فانكى وادهى مما سبق كله والصدمة الكبرى على أبناء الكنيسة كان تصريح رئيس اساقفة يورك (جون هوبكود)، وهو الشخصية العليا الثانية في الكنيسة الانكليزية والرئيس الروحي والاداري لاسقف درهام، في يوم 4/7 انه يتفق مع دافيد جنكينز في آرائه الهرطقية.».

    وعلى الرغم من عدم موافقتنا على كل ما ورد في اعتراضات السادة اعلاه ـ كإنكارهم لمعجزات السيد المسيح أو لولادته من عذراء، وهما أمران يؤمن بهما المسيحيون والمسلمون ـ إلا ان طرحهم للاعتراضات المتعلقة بالوهية المسيح (ع) تجعل من البحوث التي تحاول تنقية العقائد التوحيدية مما علق بها من تفسيرات وتأويلات تتناقض مع الاصل التوحيدي الذي قامت عليه تلك الديانات، تجعل ذلك أمراً ضرورياً.

    وانما أشرنا الى التفسير والتأويل لأننا وجدنا كثيراً مما يتعلق بالوهية السيد المسيح او فكرة الله المثلث الاقانيم لا يعود الى كلام السيد المسيح نفسه بل الى المبشرين بتعاليمه من الذين لميروه او يلتقوا به وعلى رأسهم بولس. يقول معجم اللاهوت الكتابي (ص870) وهو يعتمد على ما ورد في كتابات بولس ورسائله: «لا يكتفي بولس الرسول بأن ينقل الى يسوع تسمية كيريوس (Kyrios) التي تشير الى الله في الترجمة السبعينية (برومة 10: 2 ـ 3، فيليبي 2: 11، كورنتس 2: 8، راجع 15: 25، افسس 1: 20) بل يقابل ليسوع بالارباب عند الوثنيين(1 كورنتس 8: 5 ـ 6، 10: 21)».

    ومن النتائج المترتبة على افكار بولس تلك مثلا، ان يلتزم بعض المفسرين اللاهوتيين بما يترتب على تلك الافكار من نتائج ويستخلصون من النصوص التوحيدية الصرحة ما يدفع بها نحو اتجاهات لم يتضمنها النص. فقول (المسيح (ع) الذي أكد فيه التوحيد الخالص لله وحده سبحانه: والذي أكد فيه ما ورد في التوراة من وصية الله لموسى (ع) الذي قام بابلاغها لبني اسرائيل «اسمع يا اسرائيل، الرب الهنا رب واحد....» فسرت من قبل احد مفسري اللاهوت كما يلي:

    «الثالوث الاقدس:

    نقسم قانون الايمان الى ثلاثة أقسام: القسم الاول يتعلق بالله الأب وبموضوع خليقتنا. القسم الثاني يتعلق بالله الابن وبموضوع فدائنا من الخطية والشر، والقسم الثالث يتعلق بالله الروح القدس وبموضوع تقديسنا. وفي هذا القسم الاخير ندرس ايضاً المواضيع الآتية: الكنيسة المسيحية والنعم التي نحصل عليها من الله بواسطة الكنيسة.

    الايمان الكتابي هو اذن ايمان مبني على الاعتقاد بالثالوث الاقدس الأب والابن والروح القدس، الاله الواحد. ونحن نجد هذا التعليم موحى به في كلة الله ولذلك نؤمن به. اننا لا نذهب الى الكتاب المقدس الا لقبول جميع ما أوحى به الله لاننا لا نستطيع ان نقبل بعض التعاليم التي قد تروق طبيعتنا البشرية ونرفض تعاليم اخرى تفوق عقلنا البشري المحدود والخاضع لتأثير الخطية. ومع اننا سنستشهد بالعديد من الآيات الكتابية إلاّ انه يجب ان نُقر ان هذا التعليم عن الثالوث الاقدس انما يُشبع الكتاب بأسره وخاصة اسفار العهد الجديد وانه لا يمكن مطلقاً فهم الكتاب ان لم نُقر بالثالوث.

    اننا قد نقرأ الكتاب ونكون ملمين بمحتوياته الماماً عقلياً ولكننا لا نكون قد وصلنا الى تفهم للوحي ان لم نكن قد قبلنا شهادة الوحي عن كون الله تعالى اسمه مثلث الاقانيم.

    كانت ايام ما قبل المسيح ايام الجهل والوثنية وكان الظلام الروحي مخيماً على البشرية. وحتى بنو اسرائيل كانوا يقعون في خطية عبادة الاوثان في العصور المتتالية منذ أيام موسى الى أيام القضاة والملوك. ولذلك نلاحظ ان الوحي الالهي آنئذ كان يشدد على أهمية الابتعاد عن الاوثان وعلى الايمان بالله الوحد. ولكننا نرى دلائلاً هنا وهناك في اسفار العهد القديم على وجود اقانيم في اللاهوت. وهذه بعض الآيات المستقاة من الكتاب بعهديه القديم والجديد والتي تشهد بوجود الله الواحد المثلّث الاقانيم:

    في سفر التثنية يقول موسى للشعب: اسمع يا اسرائيل: الرب الهنا رب واحد، فتحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك.»(6: 4 و5).

    ولا نرى في النص السابق ما يسمح بالتثليث، إلا ان الالتزام بمبدأ التثليث مسبقاً هو الذي فرض على المفسر هذه النتيجة.

  6. #381
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي



    المسيحية ، خلاصة لما سبق
    القرآن الكريم والمسيح (ع)

    في القرآن الكريم وهو الكتاب الذي أوحي الى النبي محمد (ص)، نجد حياة المسيح خالية من كل ما علق بها من تأويل وتفسير أدت بها إلى التعقيد وظهور التثليث وما شابه من عقائد لا تتماشى مع الخط التوحيدي.

    فهو يخاطب المغالين بالمسيح الذين رفعوا المسيح الى رتبة الالوهية بقوله (يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه. فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم انما الله إله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلاً * لن يستنكف المسيح ان يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً * فاما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله واما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون من دون الله ولياً ولا نصيرا) (النساء/171 ـ 173).

    فالمسيح هو ابن مريم العذراء التي حملت به حملاً اعجازياً بهد ان نفخ الله فيها روحاً منه بواسطة الرسول المرسل اليها، كما في قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والاخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين * قالت رب آنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول هل كن فيكون * ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل) (آل عمران/45 ـ 48).

    وفي موضع آخر من القرآن الكريم عن مولد المسيح الاعجازي: (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (آل عمران/59).

    أي انه يضع امام الذين يعجبون وقد ينكرون مجيء المسيح بهذا الشكل حالة اعجازية اخرى هي أقدم من هذه وهي خلق آدم الذي لم يكن قد جاء آدم من قبله.

    والقرآن يكرّم السيدة العذراء مريم ويطهرها من الرجس وان الله قد جعلها هي وابنها المعجز آية للعالمين.

    (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) (الانبياء/91). وقوله: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) (التحريم/12).

    كما يذكر القرآن الكريم موقفاً اعجازياً آخر غير مذكور في الانجيل، وهو تكلم النبي عيسى (ع) وهو لما يزل طفلاً في المهد، بعد أن رمى الناس امّه بما لا يليق. أي ان معجزة تكلمه في المهد كانت السبب في خلاصها من الافتراء وما بثه القوم من الشكوك حول ولادتها وهي عذراء:

    (فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً ـ يا اُخت هارون ماكان أبوك امرا سوء وما كانت امك بغياً * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً * قال اني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبياً * وجعلني مباركاً اينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً * وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً * والسلام عليّ يوم وُلدتُ ويوم اموت ويوم اُبعث حياً) (مريم/27 ـ 33).

    وعن كونه نبياً مصدقاً لما في التوراة التي اُنزلت قبله في بني اسرائيل، يقول القرآن الكريم:

    (وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين * وليحكم أهل الانجيل بما انزل الله فيه ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون) (المائدة/46 ـ 47).

    أما عن تصديقه للتوراة ـ الشريعة الموسوية او الناموس ـ والعمل بها فهو يتفق مع ما ورد في الانجيل من قول السيد المسيح (ع): «لا تظنوا إني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمل» وأشار الى دوام الشريعة وثباتها «فاني الحق أقول لكم: الى أن تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل» (متى5/17 ـ 18).

    وعن كرامته لدى الله والناس وطهارة امه مريم وعناية الله بها واصطفائه لها، قال:

    (وإذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين * ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون اقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون * إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين * قالت رب انى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون * ويعلّمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل. * ورسولاً الى بني اسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وابريّ الاكمه والابرص واُحيي الموتى بإذن الله، وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين * ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولاُحل لكم بعض الذي حُرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله واطيعون * ان الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) (آل عمران42/51).

  7. #382
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    المسيحية ، خلاصة لما سبق
    المسيح كلمة من الله:

    يخاطب الله سبحانه السيدة مريم العذراء بقوله: «ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم». انه نفس الكلام الذي صرح به الانجيل «في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله» (يوحنا 1: 1). «والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوء نعمة وحقاً» (يوحنا1: 14).

    ما أقربه من القرآن الكرمى لولا هذا الاصرار الذي شاع في كتابات الرسل عن «الاب» و«الابن» وإن كان بالامكان تأويل ذلك بشكل يبقى عقيدة التوحيد التي بشر بها النبي عيسى (ع) نقية من تلك العلاقات والنسب.

    نعم. «في البدء كان الكلمة... والكلمة صار جسداً». انها كلمة «كن فيكون» التي أوجد بها الله نبيه عيسى في بطن امه العذراء لتكون ولادته معجزة وطفولته معجزة وشبابه مليئاً بالمعاجز. انه مثل آدم الذي كان كلمة ايضاً، فقال الله كن فكان جسداً. قال ذلك بالكلمة الأمر، الذي تحول الى جسد يعيش بيننا ويبشر بكلمة الله ويجاهد في سبيلها ويلاقي العذاب بل حتى حكم عليه بالموت في سبيل كلمة الله.

    لو وضعنا التفسير التوضيحي داخل النص الانجيلي الذي ذكرناه آنفاً وهو ما سنكتبه بين أقواس هكذا () فسيكون النص كما يلي: «في البدء كان (المسيح) الكلمة (امر الله)، والكلمة (المسيح) كان عند الله (مكنوناً). وكان الكلمة (أمر) الله. هكذا كان (المسيح) في البدء عند الله.... والكلمة (المسيح) صار جسداً (بعد ان قال الله كن فكان) وحل بيننا ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً».

    أما (ابن الله) هذا الاصطلاح الذي أولع به الرسل المبشرون بالديانة العيسوية وملأ خطاباتهم ورسائلهم، فقد كان الحري ان يبحث بحثاً لغوياً بشواهد من التوراة والانجيل معاً بسبب ان المسيح عليه السلام قد ظهر في بني اسرائيل وكان الله قد بعثه فيهم ورسولاً لهم وهو قول القرآن الكريم عن عيسى عليه السلام (ورسولاً الى بني اسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم.....) (آل عمران/49). وهو ما يتفق تماماً مع قوله عليه السلام في الانجيل «لم أُرسل إلا الى خراف بيت اسرائيل الضالة» (متى 15: 24) وقوله لتلاميذه الاثني عشر حين أوصاهم بدعوة الناس للدين «الى طريق امم لا تمضوا وإلى مدينة للسامرين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري الى خراف بيت اسرائيل الضالة» (متى 10: 5 ـ 6).

    وقبل المسيح عليه السلام بقرون طويلة ـ ولدى غير العبريين كما هو لديهم فيما بعد ـ نجد ان افضل اشكال تكريم الانسان هو نسبته الى الله او الآلهة. حتى انه كان شائعاً لدى البابليين او المصريين، ولدى الفرس فيما بعد. حيث نجد الملك الفلاني يتسلم الشريعة او مرسوم الحكم أو البركة من أحد الآلهة كمردوخ أو آتون أو آمون أو شمش أو من أهورامزدا وغيرهم، او ان يأخذ ذلك من الله سبحانه. وجميع ذلك شائع ومدون على المسلات وجدران المعابد. وحتى في الاسماء التي اشرنا الى نماذج منها من اللغة البابلية، وجدنا كثيراً منها ينسب الى الله، حيث عبد الله، أو: الله معي او دعوت الى الله. أو (موتوم ـ ايلو) رجل الله. او ابشي ـ اينا ـ ايلي: بالله دخل الى الوجود. أو ايلوما ـ أبي: الله أبي(1)وفي الديانة المصرية ومن نص يتحدث عن الملك بيبي الاول الذي حكم في حوالي 3000 ق.م يقال «ان بيبي هذا هو الله او ابن الله»(2).

    يقول واليس بدج وهو يتحث عن «رع» الإله الذي أصبح النموذج والرمز المرئي لله وخالقاً للعالم وكل ما فيه: «في وقت ما، كان أعظم امنية للمصري ان لا يصبح (إلها، ابناً لله) بالتبني، بل ان يصبح (رع) أباً حقيقياً له»(3).

    والى الآن نجد أصداء لتلك النسبة في قولنا الدارج عن الشخص الشرير انه «ابن الشيطان» أو «ابناء الشياطين» او نقول «أولاد الابالسة». بينما نقول للطيب الطاهر انه من «أولاد الرحمن» اي الشخص المبارك من قبل الله، او المتبع لأوامر الله. بينما العكس من ذلك «ابن الشيطان». والتعبير مجازي في كلا الاصطلاحين. ونجد في القرآن الكريم اصطلاح «أرض الله» كما في النساء 97 والزمر 10. ومن الدارج ان يقال في العراق للنبات الطبيعي الذي ينبت في الفلوات والبراري انه «زرع الله».

    فلننظر الى ما في كتب العهدين «التوراة والانجيل».

    ففي سفر العدد(23: 19) نقرأ «ليس الله انساناً فيكذب، ولا ابن انسان فيندم».

    كان بنو اسرائيل يدركون ذلك جيداً أي ان الله ليس انساناً ولا ابن انسان. فإذا وجدنا لديهم ما يتنافى مع تلكم العقيدة فينبغي النظر إليه من خلال المجاز او التأويل.

    في هوشع(1: 10) «لكن يكون عدد بني اسرائيل كرمل البحر الذي لا يُكال ولا يُعدّ، ويكون عوضاً عن ان يقال لهم لستم شعبي يُقال لهم أبناء الله الحي».

    فالانتساب الى الله الحي هو تكريم لشعب اسرائيل هنا.

    وفي اشعياء(63: 15) دعاؤه الى الله كي يرأف ببني اسرائيل بعد ان «تمردوا وأحزنوا روح قدسه» حيث يقول:

    «تطلّع من السماوات وانظر من مسكن قدسك ومجدك. أين غيرتك وجبروتك؟ زفير احشائك ومراحمك نحوي امتنعت. فإنك أنت ابونا وإن لم يعرفنا إبراهيم، وان لم يدرنا اسرائيل. أنت يا رب أبونا ولينا منذ الابد اسمك لماذا اضللتنا يا رب عن طرقك؟ قسيت قلوبنا عن مخافتك؟».

    وفي اشعياء ايضاً(64: 8) «الآن يا رب أنت أبونا نحن الطين وأنت جابلنا وكلنا عمل يديك».

    لم يقل انننا ولدنا منك. او اننا أبناؤك بالتبني مثلاً. قال ان الله هو الذي جبلهم من الطين أي أنهم مخلوقون بقدرة الله وليسوا منحدرين منه. فالانتساب الى الله سبحانه هنا قصد به التكريم للانسان.

    بل يصل الأمر الى ان ينتسب أيوب النبي في ساعة من ساعات محنته الى القبر فيقول: «قلت للقبر: انت أبي، وللدود: أنت أمي».

    اما في العهد الجديد فنقرأ:

    قول السيد المسيح للفريسيين الذين عارضوا دعوته وكانوا يتربصون به ليقتلوه «يا أولاد الافاعي كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار؟» (متى 12: 34، 23: 33). فقد نسب اولئك الاشرار الى الافاعي.

    وفي انجيل يوحنا(1: 6 ـ 13) نجد الوضوح التام في نسبة الخيرين المؤمنين برسالة عيسى (ع) الى الله سبحانه حيث يفتتح انجيله قائلاً:

    «كان انسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة، ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان آتياً الى العالم. كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم. الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. وأما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطاناً ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. الذين وُلدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله».

    والنور هو المسيح (ع) والمؤمنون به يصبحون «اولاد الله» اي «المؤمنون باسمه». ينفي يوحنا بعدها ان تكون لاولئك المؤمنين علاقة جسد أو دم بالله. لقد وُلدوا بواسطة النور (عيسى) المرسل من الله الى العالم، ولدوا ولادة جديدة بمشيئة الله تعالى.

    القرآن الكريم وهو يتحث عن نبوة عيسى (ع) يشير الى ذلك النور أيضاً. فبعد ان يتحدث عن الانبياء المرسلين، ينتقل الى المسيح فيقول:

    (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور....) (المائدة/46).

    وكان قد قال قبل ذلك عن التوراة (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء....) (المائدة/44).

    نقرأ كذلك قول المسيح عليه السلام «طوبى لصانعي السلام. لأنهم ابناء الله يدعون» (متى 5: 9).

    وقوله عن القائمين من الاموات أبناء العالم الآخر الخالدين الذين فازوا بانهم «أبناء الله إذ هم أبناء القيامة» (لوقا 20: 36).

    وقوله (ع) وهو يرد على الذين ادعوا انهم أولاد ابراهيم وهم يريدون قتله «لو كنتم أولاد ابراهيم لكنتم تعملون اعمال ابراهيم» (يوحنا 8: 39).

    وقول بطرس عن المتعلقين بالدنيا وشهواتها «أولاد اللعنة» (2 بطرس 2: 14).

    وقول المسيح لتلاميذه «يا أولادي انا معكم زماناً قليلاً» (يوحنا 13: 33).

    وعلى هذا فما ورد منسوباً الى الله انما هو نسب تكريم وكذا ما ورد منسوباً الى أحد الانبياء. أما العكس كـ«أولاد الافاعي» أو «أبناء الشيطان» فقصد منه الانتقاص وهو واضح.

  8. #383
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي



    المسيحية ، خلاصة لما سبق
    ابن الانسان

    وردت عبارة (ابن الانسان) في الانجايل سبعين مرة، وهي صورة يونانية للفظة آرامية كان ينبغي ترجمتها بعبارة (ابن بشر).

    «ابن الانسان» هو هذا الذي يشير إليه القرآن الكريم بـ«عيسى بن مريم» وهو بذلك ينفي عنه صفة الالوهية. قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومآواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وهو ان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم أفلا يتوبون الى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام اُنظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر انى يؤفكون) (المائدة/ 72 ـ 75).

    ولتأكيد عبودية المسيح (ع) لله وكونه بشراً لا يملك لنفسه موتاً ولا حياة ولا نشوراً، يقول القرآن الكريم:

    (لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قُل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد ان يهلك المسيح ابن مريم وأُمه ومن في الأرض جميعاً) (المائدة/17).

    ويتساءل تساؤلاً استنكارياً عن كيفية وجود ولد لله وهو الذي ليست له صاحبةً، تقريباً للمسألة من أذهان الخلق.

    (بديع السماوات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) (الأنعام/101).

    انه عبد أنعم الله عليه فمن عليه بالنبوة وجعله آية:

    (إن هو إلاّ عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني اسرائيل) (الزخرف /59).

    ولم يحدث في تواريخ الانبياء ان يبعث الله بنبي الى قوم ثم يدعو هذا النبي اولئك القوم الى عبادته هو من دون الله. فالخط الثابت هو ان يدعو الناس لعبادة الله وحده. يقول القرآن الكريم:

    (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلُمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيامركم بالكفر بعد إذ انتم مسلمون) (آل عمران/79 ـ 80).

  9. #384
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي



    المسيحية ، خلاصة لما سبق
    التأويل والاقتباس في تدوين حياة يسوع:

    يقول كتاب «دليل الى قراءة الكتاب المقدس» وهو يتحدث عن الكيفية التي كتبت فيها حياة السيد المسيح (ع).

    «قام في أزمنة مختلفة وفي جماعات مختلفة، أربعة تلاميذ (سماهم التقليد: متى ومرقس ولوقا ويوحنا) وأقدموا على القيام بـ(تركيب) عن يسوع. فجمعوا مختلف المقاطع التي سبق ان تكونت، واضافوا اليها احداثاً التقطوها من هنا ومن هنا وأخرجوا من كل ذلك (فلماً)، اربعة افلام تعرض نظرتهم ونظرة جماعتهم الى يسوع، وهكذا فالانجيل تحدثنا عن يسوع، ولكنها تحدثنا بالقدر نفسه عن الجماعات التي نشأت فيها»(1).

    وهكذا فالكتاب يقول صراحة بدخول اضافات على سيرة السيد المسيح متأثرة بالمحيط الذي عاشت فيه كل جماعة من جماعات الايمان المسيحي. وهذا ما يحدثنا عنه بصورة اوضح معجم اللاهوت الكتابي وهو يحاول تفسير الصور المتعددة التي للسيد المسيح في الاناجيل وغيرها فيقول:

    لا يمكننا ان ننسق تحت مذهب واحد، الصور التي قدمنا بها سر يسوع الناصري، الذي أصبح رباً ومسيحاً، ولكن تعرب هذه الصور عن بادرة واحدة، وهي الارادة بأن يتحقق حالياً لبيئة معينة، حضور يسوع هذا الذي عاش ومات من اجلنا بحيث نقيس صحة معتقدنا بمتانة الرباط الذي يجمع بين التأويل المسيحي والواقع الاصيل الذي هو شخص يسوع: (ان كل روح يعترف بيسوع المسيح المتجسد يكون من الله). (يوحنا 4: 2).

    وللتعبير عن الايمان ونشره، استعانات الكنيسة الاولى بثقافات زمنها المختلفة: باليهودية الفلسطينية وبيهودية الشتات، وبالحضارات اليونانية المحيطة.

    وهكذا تكيفت الكنيسة مع الحضارات المختلفة، فهي قد شرعت في حركة التأويل معطية صورة مسبقة لما يجب ان يتم في المستقبل، بينما يواصل علم التفسير الكتابي سيره في خط العهد الجديد حتى يشمل مواضيع مثل ادراك المسيح والطبيعة والاقنوم وذلك دون ادعاء بأنه وضع لها تفسيراً نهائياً. وفي أيامنا ايضاً ينبغي ان تستخدم الكنيسة علم التفسير هذا، من خلال الثقافات المختلفة التي يعبر فيها الناس عن ايمانهم بيسوع المسيح»(2).

    يثبت هذا المعجم الموثق استعانة الكنيسة الاولى التي أرست قواعد الايمان المسيحي فيما تلا ذلك من القرون، تأثرها بثقافات الشعوب التي عاشت فيها: باليهودية في فلسطين، واليهودية في الشتات والحضارات اليونانية. أي ان الكنيسة كانت تقتبس وتجتهد وتضيف، وهكذا بقيت حياة السيد المسيح (ع) ـ كما يقول الدليل الى قراءة الكتاب المقدس ـ مفتوحة للتفسير في ضوء ثقافات الازمن:

    «تبقى إذاً حياة يسوع مفتوحة. لو ترك لنا مجموعة قواعد وأقوال مملاة، لما بقي علينا إلا ان نوردها كما هي ولحكم علينا بتكرارها، وبما ان التلاميذ فهموا يسوع في ضوء حياتهم، فهذا يعني ان حياة جماعتنا اليوم لاتزال المكان الذي نستطيع، انطلاقاً منه، ان نتقدم في فهم يسوع»(1).

    ولمعرفة عمق هذا التأثر الذي تأثرت به التعاليم المسيحية المسيحية المبكرة على أيدي المبشرين بها بطبيعة الحال، بما كان يحيط بها من ثقافات الشعوب، هذا التأثر الذي اشار اليه معجم اللاهوت الكتابي صراحة ـ كما نقلنا آنفاً ـ اليكم هذا المقطع من كتاب «دليل الى قراءة الكتاب المقدس».

    «كانت كلمة (انجيل) (بشرى) معروفة عند الكتاب غير الدينيين، لا سيما للاعلان عن الانتصار او عن أهم احداث حياة الامبراطور، فهناك كتابة ترقى الى السنة 9 ق.م، عُثر عليها في آسيا الصغرى، وتكرم على الوجه التالي ذكرى مولد اوغسطس (لعل لوقا استوحى منها للكلام على ميلاد يسوع) (لوقا 2: 10 ـ 11).

    (يجوز لكل واحد ان يعد بحق هذا الحدث مصدر حياته ووجوده... لقد اقامت العناية الالهية الحياة البشرية وزينتها تزييناً رائعاً فاعطتنا اوغسطس... لتجعل منه المحسن الى البشر ومخلصاً، لنا وللذين يأتون بعدنا... كان يوم مولد الإله (اوغسطس) للعالم بداية البشريات التي تلقيناها بفضله...»(2).

    والنموذج الآخر لتأثر الكنيسة الاولى بثقافات الامم المحيطة بها ـ وهي وثنية في الأعم الاغلب ـ هو ما سمي بعيد ميلاد السيد المسيح. يقول كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الأبدية في الصفحتين 149 ـ 150.

    «تقول دائرة المعارف الكاثوليكية، طبعة عام 1908، المجلد 3، الصفحة 724: (لم يكن عيد الميلاد الاول بين الاعياد الاولى للكنيسة... والدليل الاول للعيد يرجع الى مصر).

    اذن ما القول في تاريخ 25 كانون الاول، الذي يحتفل به الكثيرون كيوم ميلاد المسيح؟ لا يمكن ان يكون هذا التاريخ يوم ميلاد يسوع، فالكتاب المقدس يُظهر ان الرعاة آنذاك كانوا لا يزالون في الحقول ليلاً، وكما تعترف دائرة المعارف البريطانية(1907، المجلد 5، الصفحة 611) لا يمكن ان يكونوا هناك في فصل الشتاء البارد الممطر (لوقا 2: 8 ـ 2).

    وعن أصل هذا التاريخ تقول دائرة المعارف العالمية(1966، المجلد 3، الصفحة 416).

    (ان الاسقف ليباريوس الروماني الاصل، في السنة 354 بعد الميلاد، أمر الشعب بالاحتفال في 25 كانون الاول. ولربما اختار هذا التاريخ لأن شعب رومية سبق وحفظه كعيد لزحل، محتفلاً بمولد الشمس).

    وبما ان تاريخ عيد الميلاد هو من أصل وثني، إذن لا عجب إذا كانت عادات عيد الميلاد من أصل وثني ايضاً، وهكذا تخبرنا دائرة المعارف الدينية والادبية لواضعها جيمس هاستينغ المجلد 3، الصفحتان 608 و609:

    (ان غالبية عادات عيد الميلاد التي تجري ممارستها الآن ليست عادات مسيحية أصيلة، ولكنها عادات وثنية حفظتها أو احتملتها الكنيسة... وعيد زحل في رومية هيأ النموذج لغالبية العادات وقت الميلاد).

    وكذلك تظهر دائرة المعارف الاميركية طبعة 1956، المجلد 6، الصحفة 622، انه بين العادات المستعارة من عيد زحل الروماني الوثني (تقديم الهدايا).

    وعن عيد الفصح يقول الكتاب نفسه ص(148) وهو ينقل عن كتاب الدكتور الكسندر هسلوب: بابل الاولى والثانية، الصفحتان 107. 108 بالانكليزية:

    (ان الممارسات الشائعة التي لا تزال ترافق فترة الاحتفال به تثبت تماماً شهادة التاريخ فيما يتعلق بطبيعة البابلية. والكعك السخن للجمعة العظيمة والبيض الملون لأحد الفصح كان يلعب دوراً في الشعائرالبابلية تماماً كما يجري الآن)».

    إذن، فالاحتفال بعيدي الميلاد والفصح، هو مما اجتهد به بعض المبشرين بالمسيحية متأثرين بعادات وتقاليد الشعوب التي عاشوا بين ظهرانيها، محاولين التوفيق بين العقائد المسيحية وبين اعتقادات الشعوب الوثنية التي كانوا يريدون هدايتها للمسيحية. ولنأخذ تأثير الميثروية في المسيحية. فالإله الفارسي ميثرا وهو إله الضوء والحقيقة والعدالة ـ كما في الاساطير الفارسية ـ ورمزه الشمس كان قد اجتاح ممالك الامبراطورية الرومانية قبل ظهور المسيحية فلما ظهرت المسيحية وأخذت بالانتشار على ايدي المبشرين كان تأثير الإله ميثرا على أشده. وعن هذا الصدام او اللقاء بنى الميثروية والمسيحية، يقول الاستاذ فراس السواح وهو يشرح عمق التأثير الميثروي في المسيحية:

    «كافح الدين الجديد ـ المسيحي ـ كفاحاً مريراً ضد الديانات الرسمية للامبراطورية الرومانية، ولكن كفاحه الاقوى والامر كان كفاحاً صامتاً لا عراك فيه ولا دماء ضد الديانات السرية. ولعل أقوى تلك الديانات التي نازعت المسيحية فترة طويلة من الزمن على الفوز بقلوب الناس كانت ديانة (ميثرا) الشديدة الشبه بالمسيحية والواسعة الانتشار في شتى أنحاء الامبراطورية الرومانية. وهذا التشابه الغريب بين الديانتين أذهل المسيحيين انفسهم فاعتبروه من صنع شيطان رجيم. وكان الميثرويون يتهمون المسيحيين باقتفاء اثرهم واقتباس معتقداتهم، والمسيحيون بدورهم يردّون الاتهام بمثله، ولعل أثراً من آثار ذلك العراك الطويل مازال ماثلاً حتى أيامنا هذه. فالعالم المسحي ومن ورائه العالم الحديث الذي يتبع في تاريخه التقويم المسيحي يحتفل بعيد ميلاد السميح يوم 25 كانون الاول وهو يوم الانقلاب الشتوي حيث تصل الشمس الى آخر مدى لها في الميلان عن كبد السماء، وحيث يصل النهار آخر أشواطه في القصر ويبدأ بعد ذلك بالامتداد على حساب الليل. فهذا اليوم بالذات اعتبر دوماً في الديانات الشمسية عيد ميلاد للشمس فيه تتجدد قوتها وتستعيد عزمها لمقارعة قوى الظلام. وقد اقترنت عبادة ادونيس في سورية واوزويس في مصر في فترات متأخرة بالشمس فيحدثنا السير جيمس فريزر في كتابه الغصن الذهبي: ان السوريين ليلة 25 كانون الاول يحتفلون بمولد ادونيس فيجتمعون في المعابد ويصرخون عند منتصف الليل: (لقد انجبت العذراء ابناً والنور ينتشر).

    والمقصود بالعذراء طبعاً هو آلهة الشرق الكبرى عشتار او عستارت التي يدعوها الساميون بالسيدة السماوية او ملكة السماوات. فالعذراء لقبها والعذرية جوهرها رغم كونها آلهة الحب، لأنها معطاء دون ان تنقص.

    ويوم 25 كانون الاول هو بالذات عيد ميلاد ميثرا فهو إله الضوء والخير، والشمس رمزه، الشمس التي لا تقهر والتي تبدأ في هذا اليوم بالصعود الى كبد السماء دافعة قوى الشر والظلام أمامها....».

  10. #385
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    المسيحية ، خلاصة لما سبق
    الغاء الختان:

    يقدم الغاء الختان من قبل الرسل المبشرين بالمسيحية دليلاً آخر على الاجتهاد الذي مورس آنذاك وأدى الى ترسيخ تقاليد جديدة لم يأت بها السيد المسيح (ع) او يمارسها. فقد جاء عليه السلام لا لينتقض الناموس بل ليكمل. والناموس (الشريعة) كانت قد فرضت الختان على الذكور بناء على أمر الله (يشوع 5: 2) أو تفادياً لغضبه (خروج 4: 24). بل هو العلاقة الجسدية للعهد التي يجب على كل اسرائيلي ذكر ان يحملها في جسده، منذ اليوم الثامن لولادته. والدم المهراق إذ ذاك (راجع خروج 4: 26) سيحمل غالباً (على الاقل في اليهودية اللاحقة) اسم (دم العهد).

    مع كل تلك الاهيمة التي أولتها الشريعة للختان حتى ان المسيح نفسه قد اختتن (لوقا 1: 59، 2: 21)، قرر الرسل المبشرون بالمسيحية الغاءه تنازلاً منهم للشعوب الوثنية التي كانوا يبشرون فيها. يقول معجم اللاهوت الكتابي وهو يفسر هذا الالغاء:

    «ان يسوع شأنه شأن المعمدان قد اختتن، وقد كان أولاً (متى 15: 24) اسوة بتلاميذه في خدمة المختونين (رومة 15: 28)، إلا ان انجيله كان لابد من ان يُعلن ايضاً للامم (رومة 15: 9 ـ 12). وقد كان هذا الوسع مدعاة لتعرض على بساط البحث مشكلة ممارسة الختان: ترى هل من الواجب ان يطالب الجميع بالرتبة الدالة على الانتماء الى ذرية إبراهيم؟. وكما يحدث كثيراً فان الاجابة العملية كانت قد سبقت النظرية. فقد كانت المعمودية تمنح للوثنيين الذين يهتدون، هنا وهناك دون ان يفرض عليهم الختان (اعمال 10: 11).

    ورغم الضغط من جانب المسيحيين الذين هم من أصل يهودي، أصدر مجمع اورشليم قراره بالتصديق على الحرية التي كانوا يتصرفون بها من قبلُ بالنسبة الى الختان (اعمال 15)، والتي كان صُرّح بها خلال وحي لبطرس (اعمال 10: 45 ـ 47). هذا القرار الذي يكون قد اعتبر كتدبر مناسب لملابساته (تسهيل دخول الوثنيين الذين ينفرون من عمل يعتبرونه نوعاً من البتر) الذي كان يحمل في الواقع مقصداً تعليمياً».

  11. #386
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    المسيحية ، خلاصة لما سبق
    ما الهدف من إيراد تلكم الامثلة؟

    إن ما نهدف اليه هو: اذا كان علماء اللاهوت المسيحي يعترفون بكل تلك التأثيرات على المعتقدات المسيحية، تلكم التأثيرات التي كانت وثنية في غالبها ـ كما رأينا ـ وان موافقة الرسل المبشرين بالمسيحية على دخولها في صلب العقائد المسيحية كان تسهيلاً لدخول الامم الوثنية في المسيحية. وعرفنا ايضاً ان عقيدة الثالوث (الاقانيم الثلاثة) لم تكن قد اعتنقت من المسيحيين الاوائل. هذه العقيدة التي ـ اضافة الى عدم وجودها في تعاليم السيد المسيح نفسه ـ تثير من الغموض والجدل والتسويغات شبهات كان بالامكان الاستغناء عنها لو جرت العودة الى حياة المسيح وأقواله السليمة من الشوائب. اي ان تعزل التأثيرات الوثنية التي اُقحمت على التعليم المسيحي عما هو تعليم مسيحي حقاً. وقد رأينا نماذج فيما سبق لم يمتنع فيها بعض علماء اللاهوت المسيحي عن المجاهرة بما هو وثني وما هو مسيحي حقاً. وتلك شجاعة عقائدية وصلابة على الحق فيها اقتداء بذلك النبي الناصري الحبيب الذي استطاع بصفاء تعاليمه ان يجعل الجموع تهاجر تاركة اوطانها خلفه تستمع الى قول الله الحق الذي لم يكونوا قد الفوه لدى تجار الدين والمتمسكين بالقشور والظواهر التاركين للجوهر، من الكتبة والفريسيين الذين وصفهم في كلمات ملتهبة حماساً وحقاً بالرياء والجهل والعمى الذين اغلقوا ملكوت السماوات قُدّام الناس، فلا هم يدخلون ولا يدعون الداخلين يدخلون. ووصفهم بأنهم ينقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوءان اختطافاً ودعارة. وشبههم بالقبور المبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة(2). وغير ذلك مما أقلقهم وجعلهم يخططون لقتله ولم يهدأ لهم بال حتى طالبوا الحاكم باعدامه.

    نعم، تلكم هي شجاعة المسيح ابن مريم في التبشير برسالة الله وحده لا شريك له وبالتمسك بلب الدين. انها تتطلب أيضاً ولأجل ان تنطلق حياة الجماعة في فهم يسوع في عصرنا ايضاً ـ كما يقول دليل الى قراءة الكتاب المقدس ص133 ـ تتطلب شجاعة عيسوية في العودة الى الجذور. ولتكن فكرة التوحيد هي المنطلق.

    وما كان تقديمنا المقدمة الطويلة نسبياً عن التوحيد لدى قدماء المصريين والبابليين إلا للتدليل على ان عقيدة لها كل هذا العمق التاريخي والجماهيري بعد عمل شاق مضن لم يبخل به الرسل والانبياء الكرام طوال القرون حتى بتقديم أرواحهم فداء لها، ان عقيدة كتلك تستحق ان تُدفع الى الامام جلية صافية نقية لتبرهن على سمو العقل الانساني المتفتح أمام وحي السماء.

  12. #387
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    مستقبل حوار المسيحية والاسلام.. التوحيد منطلقاً




    يوسف الهادي


    المسيحية ، خلاصة لما سبق
    المؤتمرات واللقاءات

    عقدت حتى الآن ثلاث من المؤتمرات واللقاءات بين علماء الدين المسيحيين والمسلمين.

    1 ـ مؤتمر الاسلام والمسيحية في الهند 1970.

    2 ـ ملتقى الاسلام والمسيحية الاورذوكسية في اثينا 14 ـ 17 ديسمبر 1990.

    3 ـ مؤتمر الرؤى والممارسات العملية الاسلامية والمسيحية في مالطا 22 ـ 24 ابريل 1991.

    وللأسف الشديد فإن نتائج هذه الملتقيات والمؤتمرات ظلت محصورة في داخل الاروقة والجدران التي عُقدت فيها، فلم يطبع شيء من بحوثها لتقرأه جماهير المؤمنين الواسعة. وبقي كل شيء على المستوى الاكاديمي، فلا كراس ولا مؤتمر ولا حتى امانة عامة لأحد تلك المؤتمرات او الملتقيات.

    ان التركيز على التواصل المستمر الذي يتجاوز المؤتمرات واللقاءات ليخرج الى الجماهير ومخاطبتها من خلال المشتركات الموجودة فعلاً في عقائد الديانتين هو المطلوب. التواصل وليس الصمت هو الكفيل بتنمية الحوار. ولنتذكر ان ما خلفته حرب الخليج من مآس هائلة حفرت ويلاتها في أذهان الامم، يحتاج إلى الايدي الممتدة بالسلام والمحبة جسوراً الى الغد المشرق.

  13. #388
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب

    المهاجر الأعظم....
    قراءة في صفحات الاغتراب




    بقلم د. محمد الحبش
    لم يصدق النبي الكريم أنه سيضطر يوماً للهجرة من بلده, وحين أخبره ورقة بن نوفل في أيام النبوة الأولى بذلك سأل مستنكراً: أو مخرجي هم?? ولماذا يخرجونني وقد جئتهم بعز الدنيا وسعادة الآخرة?? ولكن ورقة بن نوفل قال له بكل مرارة: نعم! إنه لم يأت احد بمثل ما أتيت به إلا عودي, وليتني أكون فيها جذعاً إذن أنصرك نصراً مؤزراً!!‏
    ولكن الأيام جاءت بصدق ما توقعه ورقة, ومع أن مكانته في قريش كانت وفق ما أسمته قريش: الصادق الأمين, ولكن ما إن أفصح عن إشراقه وحدثهم بمشروعه التنويري حتى وجد نفسه محاصراً في شعب أبي طالب من قبل أعداء طالما كانوا يمدحونه ويثنون عليه من قبل, ومن ثم وجد نفسه محاطاً بأربعين من أشرار العرب كلهم يحد ذؤابة سيفه ليصيب منه مقتلاً, ويرجو أن يسبق إلى رأسه ينال مائة من الإبل الموعودة, وبدل وصفه بالصادق الأمين صاروا يقولون: ما نعلم سخلة في العرب جاء قومه بأشأم مما جاء به محمد!!‏
    هكذا غادر مكة وبدأ مشواره مهاجراً ومغترباً, وكان علينا أن نتعلم من اغترابه كما تعلمنا من محرابه.‏
    وكان حديثه في اغترابه بالغ التأثير في متبعيه فقد كان ينطق من معاناة وقهر, وهذه في الواقع سمة الشعر الاغترابي عموماً, فهو شعر صادق ومؤثر, وأذكر أنني حين قرأت موسوعة الشعر العربي التي أصدرها الأديب العزيز أحمد قبش, كنت أتخير من كل باب في مقاصد القصيدة عدداً من الأبيات التي أشعر أنها أكثر صدقاً أو عاطفة من سواها, وهكذا فقد جرى قلمي على تخير بعض الشعر وتجاوز بعض, وانتقاء الرجل قطعة من عقله, ولكن عندما وصلت إلى شعر الاغتراب لم أجد سبيلاً لشطب شيء منه, فالحق أن شعر الاغتراب كله يقع في أرقى منازل العاطفة الصادقة ومن العسير أن تجد سبيلاً لتجاوز أي قصيدة كتبها شعراء الاغتراب, وحين تتأملها بعاطفة صادقة ستشعر على الفور بأنها مجبولة بمدامع الأسى وأن سطورها مهما كانت منتظمة ووقورة فإنها تختزن صخباً صارخاً من داخل الذات يستعصي على الضبط والتحكم.‏
    ومع ما يراه المغترب في غربته من حضارة وثراء ولكنه يظل يتفطر حنيناً لوطنه وأرضه:‏

    بلاد ألفناها على كل حالة وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن‏



    وتستعذب الأرض التي لا هوى بها ولا ماؤها حلو ولكنها وطن‏

    وهذه الحقيقة القاسية كان بلال يغنيها بصوته العذب لإخوته من المهاجرين أول نزولهم بالمدينة, فيبكي معه الوحش والطير:‏

    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بمكة عندي إذخر وجليل‏



    وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل‏

    وشارك النبي الكريم في بكاء الوطن كما شارك في بنائه, وكان بذلك يعزز موقعه البشري كإنسان تتحرك في داخله عواطف الجوى, ورآه الناس يبكي حين سمع أصيل الغفاري يغني في وصف مكة, وفي هياج عاطفي دافئ قال: يا أصيل دع القلوب تقر!!‏
    ولكن إلى جانب دروس الهجرة الكثيرة التي نسمعها كل يوم , فإن المعنى الذي يتعين أن ندركه هنا هو أن النبي الكريم لم تكن أرض هجرته مجرد قاعة انتظار يتعين عليه أن يمضي فيها سحابة هجرته حتى يؤذن له بالإياب, بل إنه مع أول يوم من وصوله كان يحمل للأرض التي هاجر إليها الحب الكبير, وفيها رسم صورة ضيف أديب يحترم ثقافة البلد التي يحط فيها, ويحسن إليها ويخدمها, وتمكن من إيقاف الحرب الأهلية, ومضاعفة الرقعة الخضراء في المدينة, حتى صارت المدينة محجاً لكل راغب.‏
    حين فاضت دمعته عند ثنيات الوداع من مكة حانت منه التفاتة لمكة فقال: اللهم إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت, بالمناسبة فإن ثنيات الوداع هي أول ما يبدو من البلدة للقادمين إليها, وعند هذه الثنايا كان يقف من أراد أن يودع أو يستقبل, وفي شرق دمشق أول طريق حلب يوجد طلوع الثنايا, وكذلك عند جبل الكسوة يوجد جبل الثنايا الذي تبدو دمشق من خلال ثناياه, وقد كان وداع محفل الحج يتم تاريخياً عند ثنيات الوداع في الكسوة, ولا تزال أغنية فرقة الأنصار من فتيات المدينة أشهر أغنية في العالم يغنيها الناس على امتداد العالم الإسلامي:‏

    طلع البدر علينا من ثنيات الوداع‏



    وجب الشكر علينا ما دعا لله داع‏

    وفي المدينة ثنيتان للوداع واحدة استقبل بها الأنصار النبي الكريم لدى قدومه مهاجراً والثانية استقبلوه فيها لدى إيابه من غزوة تبوك, وفي المرتين كان نشيدهم: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع. وعلى الرغم من حرارة الاستقبال التي حظي بها في أرض هجرته فقد كان قلبه معلقاً بمكة, وكان يقلب وجهه في السماء ينتظر أن يأذن له الله بالعودة إلى قبلة أبيه وجده في مكة, حتى نزل القرآن بالاستجابة لأمنيته وقال له الله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره.‏
    في أولى تجارب الهجرة التي مارسها الصحابة إلى الحبشة فإن الأرض التي احتضنتهم في أكسوم أعجبت أيضاً بوفائهم لها وإخلاصهم لترابها, وحين تعرض النجاشي للهجوم من قبل بعض أخصامه في غمار الحروب الأهلية التاريخية في الصومال وإثيوبيا فإن الصحابة وقفوا صفاً واحداً إلى جوار النجاشي وكان الزبير بن العوام يسبح في النيل فيبيت مع القوم ويعرف ما يبيتون ثم يضع النجاشي أمام ما يدبره له أعداؤه, وقد عرف لهم النجاشي ذلك الوفاء, ولم يكن يتردد في الإشادة بالنبوة الخاتمة التي يدعو إليها هؤلاء, وحين رزق بغلام سماه مباشرة: جعفر, وهو اسم غير معروف في الحبشة, وذلك وداداً بالصحابة الكرام الذين نزلوا الحبشة في وفادة النجاشي برئاسة جعفر بن أبي طالب!‏
    إن الدرس الأهم الذي نقرؤه في الهجرة النبوية المباركة أن المغترب الأول ] كانت تتنازعه عاطفتان قويتان: الأولى الحنين إلى الوطن والثانية هي الإحسان إلى الأرض التي آوته, وفاء وحباً وكرامة.‏
    وأعتقد أن درس الهجرة يحمل لكل مغترب درس الوفاء للأرض التي يقيم به وللأرض التي ينتمي إليها, ويمنح المؤمن وعياً بشرف الإقامة وفضل الهجرة, ورسالة المؤمن في الإحسان إلى الأرض وهو ما عبر عنه القرآن أًدق تعبير بقوله: وقولوا للناس حسناً, ولا تعثوا في الأرض مفسدين.‏
    آخر تعديل بواسطة أبو عبد الله ، 21-01-2007 الساعة 03:37 PM

  14. #389
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    الفرقان الصريح بين سياسة بوش ورسالة المسيح





    بقلم د. محمد الحبش




    كان لقاء الأسبوع الماضي في فندق شيراتون صيدنايا دقيقاً ومثيراً بكل المقاييس، فقد شاركت من الجانب الأمريكي مجموعة غير عادية من أبرز المفكرين المؤمنين بالإخاء بين أبناء إبراهيم في حوار معمق استمر ثلاثة أيام متواصلة، شارك في مقابلهم فريق من المحاورين السوريين من مركز الدراسات الإسلامية ولجنة العمل الإسلامي المسيحي المشترك، بغية اكتشاف وعي الآخر وإدراك السبل التي تنهي عناء الناس في الشرق الأوسط.
    كان الجانب الأمريكي متحمساً للقاء الذي اتسم بالروح الجدية الغالبة ولم يكن في وارد الفريقين استهلاك الوقت في المجاملة وتبييض المصاطب، بل كانت الأسئلة صادمة ومباشرة.
    جاء الأمريكيون بقناعة سابقة مؤداها أن العرب كانوا وادعين هادئين وفجأة قامت الصحوة الإسلامية وقرر العرب أن يكتشفوا أحكام الجهاد ودعاهم الجهاد مباشرة إلى الدخول في حرب مع اليهود والأمريكيين بدءاً من 11 أيلول إلى مترو لندن إلى قطارات مدريد إلى صواريخ القسام وصولاً إلى قصف المنطقة الخضراء في بغداد.
    وبهذا التصور فإن المشكلة في نظر الأمريكيين لا تتعدى خلافاً دينياً سيتم تجاوزه بمجرد أن ننجز تفسيراً جديداً للدين يستبعد الجهاد ويكرس الغفران، ويؤسس المحبة بين أبناء إبراهيم وعند ذلك فإن كل شيء سيبدو سهلاً لأهل الخير والمروة الراغبين بتصفية القلوب وحل الخصام.
    في هذا الحوار كان الجانب الأمريكي ينتظر منا اعترافاً بالخطأ الذي نمارسه كل يوم عندما نقوم بمقاتلة المحارب الأمريكي (الوديع) الذي يركب سيارة الهمر المصفحة في العراق ويزرع الألغام في كل جانب ولكنه يتعرض للاعتداء وهو في طريقه لتفقد الرعية بين الفالوجة وبعقوبة!! وكذلك يريد منا اعترافاً بالتوبة والإنابة عن العدوان الذي يقوم به الملثمون الفلسطينيون ضد الإسرائيلي التائه الذي يجول بالأباتشي فوق رعيته في غزة ويضطر أحياناً إلى إلقاء حمولة طائرته من العنقودي والجرثومي على بعض المناطق المأهولة بدون قصد!! وهو يتحرق أسفاً على المتضررين من الأخطاء الفنية التي هي على حد تعبير ليفني (أشياء تقع وتثير الأسف).
    قلت لهم بوضوح من العار أن نفكر بالغفران في حين أن الآخر لم يكف عن القتل بعد، وقال لهم عبد القادر الكتاني: هل خطر في بال أمريكا للحظة واحدة أن ترتكب الغفران عن تنظيم القاعدة بعد مرور خمسة أعوام على مأساة مانهاتن؟ إن أمريكا أحرقت العالم وهي تطارد خصومها التي تشتبه بهم في كل مكان من العالم، فما معنى أن يطالب الفلسطيني في بيت حانون أن يمارس الغفران عن العدو الذي قصف داره وشرد أهله عند الساعة الثالثة من فجر الأربعاء المشؤوم؟ وهو يتلمظ ويستعد لارتكاب أربعاء أسود آخر أشد شؤماً؟
    مريم أغنس الراهبة الفلسطينية المقيمة في دير قارة تحدثت عن معاناتها كلاجئة فلسطينية أجبرت على الرحيل من غزة إلى عين الحلوة إلى اليرموك إلى أن حطت بها الرحال في قارة، قلت لهم في حواري: لماذا طردت أسرة الراهبة مريم من فلسطين؟ هل كان أبوها من تنظيم القاعدة أو من جماعة الزرقاوي؟ هل كان من المخططين المحتملين لاعتداءات الحادي عشر من أيلول؟
    أعتقد أن هذه الورشة بالذات تستحق التأمل طويلاً كونها أول لقاء جدي وصادم وصريح بين رجال دين ومفكرين أمريكيين وبين مفكرين سوريين خارج إطار المجاملات والطبطبة.
    وكان من مقاصد اللقاء في صيدنايا التذكير برسالة إبراهيم الأولى حيث لا يزال ضريحه قائماً في جبل قاسيون المطل على مدينة دمشق على بعد أميال قليلة من مكان اللقاء، وكذلك فإنه في مواضع متقاربة من دمشق يمكنك أن تزور نبي الله يحيى المعمدان والنبي ذا الكفل وموضع رؤيا القديس بولس وإشراق قلبه بالإيمان، وعند مدخل دمشق الربوة التي أوى إليها السيد المسيح وأمه كما في القرآن الكريم: وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين.
    من المؤكد أن جميع الأنبياء الذين ورد ذكرهم في العهد القديم وفي العهد الجديد وفي القرآن الكريم عاشوا في بلاد الشام أو هاجروا إليها، ولا تزال أخبارهم الكريمة ومواعظهم الحكيمة تملاً علينا الدنيا برسالة المحبة والهدى والنور.
    وبشكل خاص فإن أرض صيدنايا مكان يعرفه أبناء السيد المسيح في العالم وفيه دير كبير بناه الامبراطور الروماني يوستنيانوس الأول عام 547 وفق رؤيا مقدسة، وخلال أكثر من ألف وأربعمائة عام من الحكم الإسلامي ظلت صيدنايا والكنائس الأربعين الأخرى القائمة في دمشق وما فيها من أيقونات وقداديس وصلبان في قلب عاصمة الإسلام في العالم شاهداً حياً على تسامح الإسلام ورحمته للعالمين، قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
    ومن دلالات المكان أن القرى المجاورة معلولا وجبعدين والصرخة وبخعة هي القرى الوحيدة في العالم التي لا تزال تتحدث لغة السيد المسيح اللغة الآرامية، وهذا كله يعزز رسالة الشام في المحبة والسلام.
    كان واضحاُ من عنوان اللقاء أنه لا معنى للحديث عن المصالحة بدون تحقيق العدالة ولذلك كان إصرارنا لعنونة اللقاء باسم البحث عن العدالة ثم المصالحة، وبالتأكيد فإن غياب العدالة كان سبباً في إخفاق كل المبادرات التي رغبت في تحقيق المصالحة في الشرق الأوسط.
    إننا هنا لا نمثل حكومات المنطقة ولسنا سياسيين محترفين، نحن هنا أبناء إبراهيم، نحمل روحه المتسامحة ونتحرك وفق قيم الدين الخالدة من أجل إنجاز العدل والخير في الأرض.
    إن حقيقة الإخاء بين أبناء إبراهيم وردت في القرآن الكريم بصيغة واضحة نقرؤها كل صلاة وهي قول الله سبحانه: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة ابراهيم حنيفاً، ونقرأ بوضوح اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وفي الحج نتبع خطى إبراهيم في الطواف والسعي والرمي وسائر مناسك الحج، أما الديانات التي انبثقت من تعاليم إبراهيم فكلها محل قبول واحترام لدى المسلمين في الأرض وفي موضعين اثنين في القرآن الكريم وبنفس الصيغة تقريباً ورد قول الله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
    إن المشكلة ليست في تبادل الاعتراف ولا في تحرير صواب الاعتقاد من خطئه ولكن المسألة تكمن ببساطة في المظالم التي يرتكبها الجانب الإسرائيلي ضد الشعب الأعزل، والبغي التي يرتكبه الأمريكيون ضد العراق ويدفع بالنتيجة إلى المقاومة والبسالة للدفاع عن الأرض والعرض.
    هنا في دمشق يقيم نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني أخرجوا قسراً من بيوتهم ولا زالوا في مخيمات قاسية ينتظرون إنجاز عملية السلام ليعودوا إلى بلادهم، وفي سوريا اليوم نحو مليون لاجئ عراقي أخرجتهم المأساة من بلادهم وهم ينتظرون عودة الأمن ليعودوا إلى أرضهم وأهلهم.
    خلال الأسبوع الأخير شهد العالم واحدة من أسوأ المجازر التي ارتكبتها البشرية حين قصفت طائرات إسرائيلية عن عمد في الساعة الثالثة صباحا حياً سكنياً في بيت حانون وخلفت أكثر من مائتي ضحية بين قتيل وجريح معظمهم من الأطفال والنساء!!
    وفي الوقت نفسه فإن المجازر والمآسي في العراق لم تتوقف أبداً، وأثارت ذهول العالم وقد عبر الأمريكيون عن غضبهم مما يجري في العراق ودفعوا باتجاه تغيير سياسة أمريكا في العراق إلى حد إسقاط وزير الدفاع وبالتالي منح الأغلبية للديمقراطيين في إرادة واضحة للخروج من العراق.
    كانت فرصة للتأمل ولعلها أضافت للوعي الأمريكي الذي بدأ يصحو من سياسات التدليس والغرور التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويدرك أن ما جرى لم يكن أبداً في خدمة المصالح الأمريكية العليا وإنما كان في خدمة البرنامج الإسرائيلي الآثم الملعون على لسان داود وعيسى بن مريم، الذي قلب عليهم الموائد وقال لهم أنتم جعلتم بيت أبي مغارة لصوص.‏
    آخر تعديل بواسطة أبو عبد الله ، 22-01-2007 الساعة 05:41 PM

  15. #390
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: المسلمون في الغرب


    قانا المقدسة

    صرخة في مؤتمر أثينا





    بقلم د. محمد الحبش




    صباح الخير يا قانا المقدسة..


    ليس ابتكاراً أو اختراعاً، ولكنه قراءة في روح الإنجيل فحين وصل إليها يسوع الناصري اختار من أعاجيبه أن يحول ماءها إلى خمر، كأنه أراد أن يقول سيصبغون أرضك بلون الخمر، ويل لكم يا أبناء الأفاعي، يا قتلة الأنبياء والمرسلين.

    مع أن الحجر والشجر كان يبكي صبيحة الأحد الدامي مع انتشار خبر مأساة قانا 2 ولكن الدبلوماسية الأمريكية كانت جد حزينة على التكدير الذي قد يتعرض له جلعاد شميط ورفيقيه الأسيرين، فربما يحتاجان إلى بيجامات نظيفة وزجاجات شمبانيا وبارفانات، فليس في قلوب حزب الله رحمة لتأمين الشمبانيا الضرورية للأسرى الودعاء الذين كانوا على وشك إطلاق الزناد على أطفال لبنان حين تم أسرهم، ولذلك يتعين على مجلس الأمن أن يبادر إلى العمل على إطلاق سراح الأسيرين تكريساً للحرية الإنسانية المقدسة.


    كنت أتابع في أثينا أخبار لبنان وأنا في غاية الحماس لحمل المشهد المأساوي إلى المحاورين الأمريكيين الذين كانوا يحوصون في المؤتمر بنفس إيقاع كونداليزارايس التي لا تنام هذه الأيام في سبيل السلام (الإسرائيلي) في الشرق الأوسط!!.

    مع أن المؤتمر كان بدعوة من أطراف أكاديمية في جامعة كاليفورنيا وجامعة أثينا ولكن بدا واضحاً أن هدفه بالمقام الأول سياسي، بهدف تكريس شكل من أشكال اللقاء بين التيارات الرافضة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط وبين محللين وخبراء أمريكيين.


    ومن اللحظات الأولى بدا أن الأمريكيين أشبه ما يكونون موظفين في الموساد الإسرائيلي من أجل الدفاع عن وجهة النظر الإسرائيلية في الشرق الأوسط.

    قلت لصديقي الدكتور عبود السراج الخبير الحقوقي السوري الدولي وعميد كلية الحقوق: أعتقد أن المسؤولية الآن كبيرة ودقيقة، وعلينا أن نتحلى بالشجاعة خاصة وأن انعقاد المؤتمر جاء بعد سلسلة من المظالم المجنونة التي قامت بها إسرائيل في الشرق الأوسط واجتياح لبنان الجديد.

    الموقف الإسرائيلي كرره مباشرة عشرات المتحدثين الأمريكيين : هناك شعب مسكين مظلوم قادم من المحرقة عاد إلى أرض أجداده وآبائه، ولكن إيران الدولة الفارسية الإرهابية تقوم بمنعه من العيش بسلام وترسل السلاح والمال عبر سوريا لدعم حزب الله المكلف إيرانياً بتنفيذ مشروع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بإزالة دولة إسرائيل من الوجود، وهكذا فمن حق إسرائيل أن تدافع عن وجودها!!

    أما الجديد في الأسطوانة الأمريكية هذه المرة فهو أن العرب أنفسهم راغبون بالخلاص من التهديد الإيراني، وإن إسرائيل هذه المرة تعمل دفاعاً عن العروبة والإسلام!!


    حين تحدث عبود السراج بجرأة وقوة عن موقف العرب من حزب الله أنه حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال وهو عينه ما يجري في كل مكان في العالم، قال بثقة وقوة إن جميع العرب يؤيدون حزب الله كحركة مقاومة شريفة نتجت من تراب الوطن، لم يكن يتوقع أبداً أن الرد المباشر سيكون من مشاركين عرب من الخليج العربي يردان فوراً، قال الأول أنا عربي ولا أؤيد حزب الله، ولكن قال الثاني يجب أن نفهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها!! وبعد قليل أظهر أحدهم فتوى لشيخ خليجي مشهور تتدلى لحيته، وتنص الفتوى على تحريم الدعاء بالنصرة لحزب الله من منطلق طائفي محض!!!

    وأول ما تبادر للخاطر وأنا أقرأ فتوى الشيخ الذي يدعو ضمناً لإسرائيل بالنصر والغلبة أنه لا الفارة طاهرة ولا دعاؤها مستجاب!!

    وكم من لحية علقت بوجه كما علق السخام على القدور

    كأن سوادها رمز المخازي وعنوان على سوء المصير

    قلت للدكتور عبود السراج: عزيزي... هل أدركت الآن ما هي أهداف العنف في العراق؟ ولماذا كنا نتهم الموساد الإسرائيلي أنه يحزم الآمنين ثم يطلقهم في العنف الطائفي الأعمى؟ قد لا تكون هناك في العنف العراقي مصلحة واضحة ظاهرة للأمريكيين، ولكن المصلحة الحقيقية هنا حيث تكرست القطيعة العنيفة والكراهية بين الطائفتين، إن خلق حالة من الكراهية العنيفة بين السنة والشيعة كان ضرورياً من أجل تخلي العرب عن حزب الله، وقد آتت هذه السياسة أكلها فأصبح في العرب من يهاجم حزب الله على خلفية طائفية، وأنجز الإسرائيلي مشروعه الطائفي المقيت في جزء من الشارع العربي الذي تجده هنا بوضوح مفعولاً به منصوب وقع عليه فعل الفاعل.


    خلال الحوار كان السيد جون مورافيتش وهو أمريكي الجنسية يتولى بحماس منصب المدافع المستميت عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مبرراً كل الجرائم التي يمارسها الإسرائيليون على خلفية الحرب على الإرهاب، قلت في كلمتي من يصدق أن هذا الذي تفعله إسرائيل يعتبر دفاعاً عن النفس، وهل سنصدق أن إسرائيل تريد مطاردة حزب الله، حين رفعت في المؤتمر صور أطفال فلسطين ولبنان وهم يواجهون الموت وهي صور منشورة بعناية في موقع FROMISRAELTOLEBANON قلت لهم هل هؤلاء الأطفال الضحايا هم حزب الله؟؟ وهل سيرحمكم العالم عندما تقفون موقف المؤيد للعدوان الإسرائيلي المقيت ضد الأبرياء والشرفاء؟؟؟


    إن العدوان الإسرائيلي لم يتوقف ضد الأراضي المحتلة وضد اللبنانيين وقبل شهور كشفت السلطات اللبنانية شبكة ناشطة للموساد في الداخل اللبناني مارست التجسس والاغتيال داخل لبنان، وعندما قال السيد جون إن المقاومة هي التي بدأت الهجوم على إسرائيل أبرزت للحاضرين صورة الفتاة الفلسطينية هدى غالية التي فقدت كل أسرتها على شاطئ غزة وقلت إن إسرائيل لم تتوقف عن القتل أبداً وهذا ما كانت تفعله قبل اعتقال جلعاد شميط!! قال السيد جون في رده: المسألة واضحة إن حماس هي التي أطلقت الصاروخ على الفتاة وقتلت أسرتها لتتهم بذلك إسرائيل!!

    إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت!!


    قلت لهم: حين قال الشيخ أحمد ياسين إن حماس مستعدة لتفهم دولة فلسطين في أراضي 1967 قتلتموه بعد خمسة عشر يوماً، وحين جاء عباس بهدنة حقيقية من كافة الفصائل لم تتوقف إسرائيل عن القتل واغتيال الناشطين، وحين أعلن اسماعيل هنية أن حماس مستعدة لهدنة تستمر عقوداً من الزمن قامت إسرائيل بممارسة سياسة الاغتيال من جديد دون توقف، وحين اعتقلت حماس محاربين إسرائيليين مدججين بالسلاح قصفت إسرائيل لبنان كله ببحره وبره وجبله وسهله وشماله وجنوبه، فكيف يمكن الاطمئنان إلى نظام كهذا، وكيف يمكن إقناع الأطفال الأبرياء الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وبيوتهم وأصبحوا في العالم المجهول كيف يمكن إقناعهم بالتسامح وطي صفحة الماضي؟

    قال جون إن ما تذكره لا يغير الحقيقة وهي أن إسرائيل أكثر البلاد تسامحاً في الشرق الأوسط!! قلت بغضب: كيف؟؟ قال لي: هل تعلم عدد العرب الذين يعيشون في إسرائيل؟ قلت له إنهم مليون وربع تقريباً، قال لي: إن إسرائيل لم تخرجهم من أرضهم وهذا دليل تسامحها وتحضرها!!! قلت له كان عليك أن تطرح السؤال بصورته الصحيحة: كم عدد الفلسطينيين الذين هجرتهم إسرائيل؟؟ إنهم أربعة ملايين لاجئ يتيهون في الأرض، وهل ينبغي أن يكون المشردون خمسة ملايين حتى نتحدث عن المظالم الإسرائيلية؟؟ بعض الأشرار يظنون أنهم أحسنوا إليك إذا هم عجزوا عن ارتكاب كل ما يريدونه من غدر ولؤم!!


    صباح الخير يا قانا.. هل هناك صعقة كهربائية أكبر من قانا يمكن أن نرسلها إلى مجلس الأمن لتصحو المومياوات المتكلسة هناك والتي لا تتقن فيما يبدو إلا اللغة العبرية، والتي لا تزال ترى أن من الحكمة والتعقل أن يصدر قرار من مجلس الأمن يدين اختطاف جلعاد شميط، وهو ما تقرؤه في وجه بولتون الذي يذكرك كلما شاهدت طلته (الصبوحة) على الفضائيات بذكرى طويس المنحوس، الذي يوم ولد يوم موت النبي وحين ختن مات أبو بكر وحين بلغ مات عمر وحين تزوج مات عثمان وحين أنجب أول أطفاله مات علي، حتى قالوا أخنس من طويس وأنحس من طويس وأشأم من طويس، وأخزى من طويس


    من أي مزامير يقرأ بولتون حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بقتل الأطفال والنساء، لن تجد مزاميره في الدستور الأمريكي المعروض للاستهلاك، ولا في شرعة الأمم المتحدة التي صارت قطعة متحفية، ولكنك ستجدها بوضوح في الدستور الإسرائيلي كما تقرؤه في سفر التثنية 23 : وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست في مدن هؤلاء الأمم هنا، أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منهم نسمة بل تُحرِّمها تحريما، الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزِّيين والحوِّيين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك.‏

صفحة 26 من 35 الأولىالأولى ... 1620212223242526272829303132 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. انظروا ماذا قالوا عنا نحن المسلمون .. تلك بعض اقوالهم ..
    By ابو منيف in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 17-03-2010, 01:50 AM
  2. ولفنسون يطالب العرب بوقف الاستحواذ على مصارف الغرب
    By التحليلات والأخبار in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادن
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-11-2008, 06:12 PM
  3. لماذا المسلمون
    By محمد العزب in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 23-01-2008, 12:57 AM
  4. كيف غير المسلمون وجه العالم
    By ahmed hanafy in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22-08-2006, 09:19 PM

الاوسمة لهذا الموضوع


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17